هجرة السوريين إلى «بلاد الإسلام»..!!
ينتشر على صفحات الإعلام مقطع مصور لأهالي بلدة ألمانية وهم يستقبلون اللاجئين السوريين بالترحاب، وتتنوع التعليقات بين قليل شاكرٍ لهؤلاء الناس الطيبين وبين مشككٍ بأهدافهم كاستغلال خبرات شبابنا وعقولهم، وبين آخر ناكرٍ على أوروبا والأوربيين كل ما يقدمونه فديارهم ديار كفر ومن يذهب إليهم كافر مثلهم، في حين يأمل آخر بأن يدعو اللاجؤون السوريون مضيفيهم الألمان إلى الإسلام و يكونوا سبباً في هداهم.
وفي حادثة مأساوية قضى ما يزيد عن خمسين لاجىئاً سوري نحبهم اختناقاً في شاحنة في النمسا، وهم يحاولون اللجوء إلى أوروبا، ووصف وزير خارجية النمسا الحدث بأنه “يوم أسود في تاريخ بلاده” -وهو يوم أسود في تاريخنا نحن قبله ويدعو للحزن والأسف- وتصوروا وضع هؤلاء المهاجرين وقد آثروا الاختباء ضمن شاحنة على البقاء في بلدهم، ولم يلجؤوا إلى إيران أو السودان “المسلمتين” اللتين تسمحان لهم بالدخول. هذا عدا عن تلك التي لا تسمح، بل توجهوا إلى “بلاد الكفار”، ولا داع للتساؤل عن السبب فهو واضح للعيان.
فأما سبب السفر بحد ذاته فلا يخفى على أحد ما آلت إليه بلداننا نتيجة الاستبداد، وتتويجاً لخمسين عاماً من الطغيان، فتمسك المستبد بالسلطة، واعتماده شتى الأساليب الوحشية، حول سوريا إلى أرضاً خصبة لكل التطرف الديني، ومحجاً لكل من فهم أن الإسلام هو “جئتكم بالذبح”، وكما قال عبد الرحمن الكواكبي منذ أكثر من قرن فإن “فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمار الأرض والناس والديار، لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال، وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد”.
وإن كنت لا أدعو الناس لرمي أنفسهم إلى التهلكة بل التماس الحلول الآمنة قدر الإمكان، إلا أن الهجرة في التنزيل الحكيم اقترنت بالجهاد {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال 74) و {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} (النساء 97).
ومع أن أحداً لا ينكر حاجة أوروبا لجيل شاب ينعش شيخوختها، لكن الملاحظ هو حسن المعاملة التي يلقاها اللاجؤون، سواء من حيث تأمين المأوى والدخل أو المنح الدراسية أو تأمين العمل أحياناً، ولعل أكثر التعليقات تداولاً من طرف الراضين عن الحضارة الغربية هو أنه “وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين”، ورغم صحة هذا الكلام بالشكل لكنه يحمل التباساً في المعنى، من حيث تعريف الإسلام والمسلمين.
فإلإسلام في بلادنا هو إسلام الفقهاء الذي بني على خمس، ليست الأخلاق ضمنها، وإنما الشعائر؛ فالمساجد عامرة والصائمون كُثر والزكاة تُدفع كالمعتاد، أما المسلمون فما يشغلهم هو الدخول إلى الحمام بالقدم اليمنى أم اليسرى، وهل الوشم حرام أم حلال، بينما الغش في الميزان أمر طبيعي، وشهادة الزور تدخل ضمن “الكذب الأبيض”، في حين أن الناس في بلاد “الكفر” يعملون صالحاً من منطلق إنساني بحت، وأخلاقهم تراعي الصراط المستقيم، وأعمالهم وتصرفاتهم في شؤون حياتهم لا تتعدى حدود الله إلا فيما ندر، وهم إذ يرحبون بمن يأوي إليهم، فإنهم لا يسألونه عن دينه ولا عن مذهبه ولا يهتمون كونه ابن ريف أم مدينة.
والإسلام الذي نقدمه للعالم هو إسلام متطرف، يقطع الرؤوس ويسبي النساء، فعن أي إسلام نتكلم؟
وإذا نظرنا إلى التنزيل الحكيم، وألقينا الضوء على مفهوم الإسلام وعلاقته بالآخر، وجدنا أن الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، ويدخل ضمنه كل أتباع الكتب السماوية ومن صبأ عنهم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 62)، والله تعالى حدد علاقتنا بأهل الكتاب بقوله {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران 64) أي نحن وأنتم مسلمون، وليس نحن المسلمون وأنتم الكافرون، وسنقتلكم عند أول نزاع، ولم تأخذ المنظومة التراثية بقوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (التوبة 6) علماً بأنها تقدم أرقى أنواع العلاقات، بل اعتمدت على {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} (آل عمران 28) وفهمت منها أن الولاء الديني يتم بالبراء، أي معاداة الملل الأخرى، علماً أن هذه قراءة خاطئة تماماً، والآية تتعلق بفئة معينة في عصر الرسالة، أي ضمن السرد التاريخي للقصص المحمدي، وهذا الفهم يتعارض مع عالمية الرسالة ومع قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13)، والقيم الإنسانية التي حملتها الرسالة تتفق مع قيم كل أهل الأرض من طوكيو إلى مكة إلى لوس أنجلس، تحكمها سلطة الضمير فقط، ويلتزم بها المؤمن بالله والملحد بنفس الدرجة.
فإذا كان الله تعالى قد ساوى بين جميع الناس، وترك الفصل بينهم بيده وحده {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} (الكهف 29)، و{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس 99) فكيف اعتبر السادة الفقهاء أن مجرد ولادتك لأبوين “مسلمين” بالمفهوم التقليدي للإسلام يخولك الدخول للجنة ويحرم غيرك منها، ويجعل عمله الصالح هباءً منثورا؟ أم كونك من الفرقة الناجية يعطيك الحق بالتعامل بفوقية وعنصرية مع الآخرين؟ والسؤال الذي يطرح نفسه أيضاً هنا لماذا خلق الله تعالى جنة عرضها السموات والأرض إن كان من سيدخلها فرقة واحدة من بين كل أهل الأرض؟ وهذه العنصرية انعكست في أبسط الأمور فنحن لا نجمع التبرعات لمتضرري الحي الآخر إذا كانوا من ملة أخرى، فما بالك بمتضرري الزلازل في بلاد أهلها هندوس مثلاً.؟!
وللأسف اليوم يهاجر العرب إلى بلاد الغرب ويحمل بعضهم في نفسه من البغض والكره ما لم ينزل الله به من سلطان، ويقابل ما يقدمه البلد المضيف من رعاية وعناية إنسانية بالتحايل والاستغلال، لأن مفهوم الولاء الوطني لديه ملتبس، فولاؤه الأممي كمسلم من أمة محمد أو القومي كعربي مثلاً يطغى على ولائه للبلد التي أعطته جنسيتها وقدمت له كمواطن فيها الرعاية وكامل الحقوق خاصة تلك التي فقدها في بلده الأم من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، والمشكلة حين يتحول هذا الولاء إلى حد العدوانية، وإلى تعصب معادٍ للآخر، فنجد أحدهم يقول عن البلد الذي قدم له اللجوء أنه “كالمرحاض يقضي به حاجته”، وهذا أبعد ما يكون عن قيم الإسلام العالمي الذي يخاطب الناس جميعاً.
كذلك فإن مفهوم الدولة لدى المهاجرين ليس متبلوراً تماماً، فبالنسبة لنا كشعوب تعيش في دولة الراعي والرعية، لا نستطيع استيعاب دولة المؤسسات، فنحن نتشدق بتقديم علي بن أبي طالب وفاطمة طعامهما للفقير الذي قرع الباب، وبمنح عمر بن الخطاب المساعدة لليهودي من بيت المال، ولا ندرك أن علي وعمر لدينا ما زالا أشخاص، بينما تحولا لدى الغرب إلى مؤسسات، واليوم ألمانيا تقدم المساعدة لآلاف اللاجئين عبر مؤسساتها وليس عبر شخص أنجيلا ميركل، ونحن إلى اليوم نربط الشخص بالمقام، وننسى أن المقام هو الأهم، فلولا مقامي الرسالة والنبوة لما سمعنا بمحمد (ص)، والنبي توفي بعد انقطاع الوحي بأشهر قليلة، حتى لا يبقى له مقام رئيس الدولة، الذي يحظى به أي كان، ونحن لم نأخذ من سيرته العبر، فقد ضرب لنا (ص) مثلاً في تشكيل أول شعب ديمقراطي حين دخل إلى يثرب وكتب الصحيفة مع اليهود، وجاء فيها أن المؤمنين به أمة وأن اليهود أمة وأنهم متساوون بالحقوق والواجبات، وحين دخل عمر بن الخطاب إلى القدس أعطى المسيحيين كل حقوقهم الدينية في كنائسهم وصلبانهم وأوقافهم، وأبى أن يصلي في كنيسة القيامة، حتى لا يتم تحويلها إلى مسجد، وسمي أمير المؤمنين وليس المسلمين، في حين أن بيت المال كان “بيت مال المسلمين” لأنه يخص كل المواطنين المؤمنين بمحمد وبغيره، والغرب اليوم يسير على هذه الخطى، مما يدل أن الإنسانية تسير بالاتجاه الصحيح، وأن الطفرة الاجتماعية التي أتت بها نبوة محمد تتحقق بعد عشرات القرون، على يد من تعتبرهم أمته كفاراً.
ولعل أكثر الوصايا جدارة بالاتباع من قبل المهاجرين ما أمرنا الله به {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء 94).
(1) تعليقات
هاشمية
الشيوخ والفقهاء عندنا يذكرون عمر وعلي وعثمان وغيرهم من الصحابة ويتحدثون عنهم ليلا ونهارا وعن أعمالهم حتى أصابنا الصداع من كثرة الكلام والتكرار الممل بدون أي فعل لدرجة أصبحنا نرى أعمالهم هي نابعة منهم وليست هي أساس الإسلام وفي الواقع لانرى شيئا من هذا فكما ذكرت من قبل يادكتور هو إسلام نظري على الكتب فالواقع شئ أخر , يستطيع أي شخص أن يحفظ بضع كلمات من الكتب ويحكيها لنا ويصرخ ويبكي ويقوم بتمثيليه سخيفة لنجعلنا نتأثر ولكن لم يعد هذا الأسلوب يجدي نفعا لأننا أيقنا انه مجرد كلام يحكى للتسلية وقضاء الوقت وواقعنا يثبت ذلك فالمسلمين لايعرفون من إسلامهم سوى الصلاة والزكاة والصيام , ولكننا نرى أمثال عمر وغيرهم عند الغرب واقع مطبق في حياتهم بدون تفاخر وتظاهر وقصص مملة هم يطبقون الإسلام في حياتهم بشكل جميل لقد تعلمت منهم حسن الخلق والتعامل والامانة والعدل وجميع الصفات التي نسمع بها ولانراها تعلمتها من الغرب وليس من كتبنا وشيوخنا .