في تفكيك محمد شحرور – إدريس الكنبوري

في تفكيك محمد شحرور – إدريس الكنبوري

لقد حاول محمد شحرور أن يقدم مساهمة علمية جديدة في نقد النص الديني، وتسليط الضوء على القرآن الكريم، انطلاقا من رؤية جديدة أساسها اللغة العربية، على اعتبار أن النص القرآني هو نص لغوي أساسا. هذه هي الفكرة الجوهرية في نقد الدكتور إدريس الكنبوري نظريات شحرور. وهو يرى أن هذا المفكر المشرقي نظر إلى المفسرين القدامى، ووجد أنهم لم ينجحوا في الاقتراب من النص القرآني بسبب تخلف العلوم في عصرهم، وعدم انفتاحهم على العالم، لذلك، نظروا إلى القرآن نظرة شمولية منبهرين بنظرية الإعجاز البلاغي التي سدت في وجوههم جميع الأبواب إلى النص، وتجاوز حالة الانبهار التي استمرت عدة قرون.

يخلص الكنبوري إن المساهمة الكبرى لشحرور هي تفكيك النص القرآني إلى عناصره المختلفة، بدل النظر إليه ككتلة واحدة كما فعل السابقون، حيث ميز بين القرآن والكتاب وأم الكتاب والسبع المثاني وتفصيل الكتاب، فأصبحنا أمام نظرة معاصرة غير مسبوقة تجمع بين التراث والحداثة.

في هذه الحلقات، تطوير لهذه المناقشة، ودعوة أيضا إلى النقاش.

رحل قبل أيام قلائل الكاتب السوري، المهندس الدكتور، محمد شحرور، مخلفا وراءه سيلا من المواقف المتعارضة حول كتاباته وأفكاره، بين مرحب بها ومهاجم إياها، بين من يعتبره واحدا من «المصلحين» الدينيين في العقد الأخير، ومن يرى فيه مجرد فقاعة إعلامية جرى تضخيمها أكثر من اللازم.. بين من يعتبر أنه صاحب نظرية مكتملة، ومن يرى أنه كاتب دون منهج علمي.

والحقيقة أن شحرور، الذي تصدر المشهد الثقافي العربي في العقد الأخير، وبوجه خاص بعد تفجيرات الحادي عشر من شتنبر 2001، وظهور موجة الإصلاح الديني، تحول إلى ما يشبه تيارا «فكريا» خلال العشرية الماضية، على هامش التيارات الفكرية الأكاديمية التي برزت في العالم العربي في العقود الثلاثة الماضية، واشتغلت على قضية التراث، فهو ينطلق من «منهج» ليست له ضوابط أو قواعد محددة يمكن عبرها إدراجه ضمن واحد من تلك التيارات، سواء كان التيار الماركسي أو الليبرالي أو الإسلامي، البنيوي أو التاريخي أو الإبستيمولوجي، بل يمكن وصف منهجه بالترقيعي الذي يجمع بين مختلف المناهج، حسب الحاجة، على الرغم من أنه يعلن باستمرار، ومنذ كتابه الأول «الكتاب والقرآن»، أن منهجه هو المنهج اللغوي الذي يتعامل مع القرآن وجها لوجه دون وساطة سوى وساطة اللغة.

وبسبب هذا المنهج المتردد والرؤية الانطباعية، لقي محمد شحرور رواجا واسعا في العالم العربي، خاصة في أوساط الشباب، ولعبت بعض العناصر السياسية والإعلامية أدوارا ملحوظة في ذلك. فالخطاب الثقافي الذي تبناه شحرور، الذي يقف في الوسط بين الخطاب العلمي الأكاديمي والخطاب الصحافي البسيط، كان يساير المرحلة، ويتجاوب مع فئة من الشباب التي لا تستطيع التوغل في الأبحاث الأكاديمية، لكنها بحاجة إلى خطاب وسط أقرب ما يكون إلى الشعبوية. فمقارنة ببعض الباحثين الأكاديميين الذين عرفوا بنقدهم للتراث، أمثال محمد أركون وعابد الجابري ونصر حامد أبي زيد وطيب تيزيني وآخرين، ممن تتطلب قراءتهم عدة معرفية وتكوينا علميا سابقا من القارئ، ويتوجهون في العموم إلى النخبة، جاء شحرور ليملأ الفراغ، ويتحول إلى نموذج فكري مطابق لمواصفات السوق.

وقد بدا أن مثل هذا الخطاب هو ما كان مطلوبا في مرحلة دقيقة من الحياة السياسية والفكرية العربية، عبرت عنها منتجات فنية وثقافية محددة، مثل «آراب آيدل»، تستهدف شريحة الشباب الجديد الذي يراد له أن يسير في اتجاه معين، ويتحلل من أي التزام سياسي أو فكري. ولذا، ليس غريبا أن يوصي مركز «راند» الأمريكي الشهير، المقرب من الإدارة الأمريكية ومراكز التخطيط الاستراتيجي في الولايات المتحدة، بكتاباته، حيث أثنى عليه معدو التقرير المعروف «بناء شبكات المسلمين المعتدلين» Building Moderate Muslim Networks، الصادر عام 2007، حيث جاء فيه عن شحرور أنه «يعتقد، على سبيل المثال، أن القرآن لا ينص على عقوبة الموت بالنسبة إلى أي جريمة، وأن مصطلح الجهاد لا ينطبق على الظروف المعاصرة، وأن الرسول مجرد شخص مثير للإعجاب بشكل استثنائي». ومنذ صدور ذلك التقرير، سلطت الأضواء على شحرور بشكل أوسع، وأتيحت له جميع الإمكانيات ليكون قريبا من الناس، خصوصا عبر وسائل الإعلام الأكثر انتشارا في العالم العربي مقارنة بالكتاب، ولهذا السبب نلاحظ أن الكثيرين من المعجبين به هم من الذين يتابعونه عبر الأشرطة المصورة على اليوتيوب والبرامج المسجلة، وليس من خلال قراءة كتبه، ليس بسبب المستوى الفكري المرتفع لهذه الكتب، ولكن بسبب عدم انتشار تقاليد القراءة فحسب.

ومنذ أن بدأ التركيز عليه، تحول شحرور إلى أيقونة لفكرة الإصلاح الديني الجديد في العالم العربي، حيث أطلق عليه في الغرب لقب «مارتن لوثر الإسلام»، و«سلمان رشدي العرب»، وأحيانا «ابن رشد العالم العربي».

في هذه الحلقات التي ننشرها سوف نسعى إلى الاشتباك العلمي مع أفكار الراحل محمد شحرور، ومعرفة ما إن كان فعلا قد احترم المحددات المنهجية التي ظل ينادي بها، وهي الدراسة اللغوية للقرآن، والتجديد في التفسير، والرؤية العلمية الموضوعية للقرآن. وسوف نبدأ أولا من تفكيك كتابه الأول والأكثر شهرة وهو «الكتاب والقرآن»، الذي يعتبر هو الأصل الذي تفرعت عنه جميع الكتابات اللاحقة، والتي ليست في الواقع سوى إعادة تمطيط أو توسيع لنفس الأفكار الواردة فيه، ثم نعرج على كتابه «السنة النبوية والسنة الرسولية»، ثم كتبه الأخرى اللاحقة، ونحن لن نشغل أنفسنا نهائيا بمواقفه التي عبر عنها عشرات المرات في البرامج التلفزية والخرجات الإعلامية، رغم أنها الأكثر تأثيرا، لكننا سننكب على المكتوب فحسب، علما بأن الكثير من المواقف التي عبر عنها شفهيا سجلها في مؤلفاته.

إدريس الكنبوري

https://alyaoum24.com/1367086.html

اترك تعليقاً