بين الأعراف والإسلام
لا يحتاج المرء بذل جهد كبير ليكتشف الفرق بين الإسلام الذي جاء في التنزيل الحكيم وبلّغه محمد (ص)، وبين الإسلام الذي يعرفه الناس اليوم في شتى بقاع العالم، فالأول هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، بحيث يتم التعامل فيما بينهم وفق القيم الأخلاقية العليا، وعلى أساسها تتم صلتهم مع الله ووفق ما يتناسب مع مللهم المتنوعة، والثاني هو إسلام شرق أوسطي يختلف باختلاف المناطق، حيث اختلطت به العادات والتقاليد، ودخلت عليه قيم المجتمع العربي كالشرف والمرؤة والنخوة وغيرها، وأصبح هناك إسلام مصري وإسلام سعودي وإسلام باكستاني، وانطلى ذلك على الناس الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن دينهم، فأصبحت جرائم الشرف بالنسبة للكثيرين مرتبطة بالدين، وشكل اللباس كذلك، وتم اضطهاد النساء بشكل عام باسم الإسلام لا باسم المجتمعات القبلية الذكورية التي حافظت على أعرافها منذ قرون خلت وحتى اليوم.
وأن تأمر بالعرف وتنهى عن المنكر لا يعني أن تحرم ما أحل الله، فالمحرمات محدودة ومعدودة، ولا تتغير لا بالزمان ولا بالمكان، فقتل النفس حرام في الصين وسورية وكندا منذ ألف وأربعمائة عام وحتى قيام الساعة، وكذلك عقوق الوالدين وارتكاب الفاحشة وشهادة الزور والغش والسرقة والربا والتقول على الله ونكاح المحارم، أما في الطعام فالخيارات متعددة ولا قانون يجبرك على تناول لحم الخنزير دون غيره، وما عدا المحرمات فكل الأمور الأخرى يمكن للهيئات التشريعية أن تبت بها في مجال تنظيم الحلال، منعاً أو سماحاً، لكن لا يمكن بحال من الأحوال أن تصبح الأعراف ديناً، فالأعراف متبدلة ومختلفة من بلد لآخر ومن زمن لآخر، والعرف في عصر الرسالة في شبه الجزيرة العربية لم يكن ليسمح للمرأة أن تسافر إلا مع محرم وهذا منطقي في ظل وسائل النقل المتاحة تلك الأيام، والعرف كان أن يغطي الرجال والنساء رؤوسهم نظراً لظروف العيش في الصحراء، والعرف ألا يلبس الرجال الحرير ولا الذهب، لكن كل هذا لا علاقة له بالحرام والحلال، واللبس الذي نعاني منه اليوم هو اختلاط الإسلام بأعراف القرنين السابع والثامن الميلاديين.
ورغم أن التحريف في الإسلام قد طال معظم نواحي حياتنا وانعكس عليها سلباً، إلا أن موضوع المرأة وكل ما يتعلق بها كان له النصيب الأكبر من اللغط، من أبسط الأمور كلباسها وزينتها إلى أشدها تعقيداً كمسائل الزواج والطلاق والقوامة والإرث، والأنكى من ذلك أن تعتمد قوانين الأحوال الشخصية على أعراف القرون السابقة وتقدمها للناس على اعتبارها “إسلامية”. فإذا نظرنا في التنزيل الحكيم وجدنا أن المرأة فيه مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، والثواب والعقاب، ابتداءً من أول الخلق وحتى قيام الساعة، إذ لا صحة مثلاً لما يتداوله الناس عن أنها مسؤولة عن خطيئة آدم وإغوائه وطردهما من الجنة {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (البقرة 35 – 36)، ولا صحة لما اخترع من أحاديث كحديث المعراج وغيره عن أن غالبية أهل النار من النساء، فالذكر والأنثى يثابون بالطريقة ذاتها {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الأحزاب 35)، ولا أساس لاعتبار أن المرأة خلقت لمتعة الرجل، بل على العكس وضع الله تعالى وصفاً في منتهى الرقي لعلاقتهما {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (الصيام 187).
أما فيما يتعلق بالقوامة فقد اجتزأ الذكور قوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} من سياقه واقتطعوه من الآية ولم يكملوها {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء 34) وأصبح الذكور قوامون على الإناث دائماً، دون أخذ بالاعتبار أن الرجال في التنزيل الحكيم لا تعني دوماً الذكور بل تشمل الإناث أيضاً، والنساء هم الأقل كفاءة من الجنسين أيضاً، وأن القوامة للأفضل سواء مادياً أم اجتماعياً أم غير ذلك، وأن الإجراءات الممكن اتخاذها هي في حال نشوز المرأة صاحبة القوامة، أي عدم حفظها لأسرار المنزل واستبدادها برأيها والتكبر على عائلتها، وأن “الضرب” هو ضرب على القوامة وليس الضرب الجسدي، أما ما جرى التعارف عليه من أن ضرب الإناث يتم بموجب ترخيص من الله تعالى فهو مجانبة للصواب لا أساس لها، ومن يضرب زوجته أو أخته أو ابنته فليراجع أقرب طبيب نفسي ولا يدعي أن الله سمح له بذلك. خلاصة القول أنه علينا التمييز بين ما هو أعراف وتقاليد محلية اعتمدها البشر، وما هو دين إلهي أرسله الله رحمة للعالمين جميعهم أنى كانوا.