محمد شحرور والأسئلة الحرام – نبيل محمد
“يمكن للمرأة أن تكون قوّامة على الرجل، ويمكن لها أن ترث ما يرثه مقداراً، ولا فرض على المرأة اسمه الحجاب قرآنياً، وإن التفسيرات التي وضعت القرآن الكريم موضع البحث، إنما هي تفسيرات جامدة أخضعت المُنزَلَ للغة صلبة لا يمكن تفسرها بعيداً عن زمانها، والحديث الشريف لا يمكن أن يكون مرجعية خارج مدة زمنية معينة أسهم فيها في تنظيم الحياة الاجتماعية”. تلك كانت مجموعة من النظريات التي طرحها المفكر الإسلامي السوري محمد شحرور، الذي وافته المنية قبل أسبوع، والتي كانت بوابة لتكفيره من قبل اليمين الديني الإسلامي المحافظ، الذي لم يقبل تاريخياً حتى اليوم أي محاولة لتغيير منهج التحليل والتفسير، أو لنقض مبادئ الأولين. يمين كفّر شحرور بالأمس ويكفّره اليوم، كما يكفّر مراراً أي محاولة لفتح نافذة مختلفة جلُّ ما تحاوله القراءة الجديدة من دون قيود الاتّباع والتسليم.
المهندس المدني محمد شحرور، انطلاقاً من هذا التوصيف عاب حرّاس العقيدة على الباحث بحثه، فكيف لمهندس ذي خلفية علمية وضعية، أن يحلل في المُنزَل؟ وكيف لمن يمسك المسطرة والبيكار، أن يعمل في تحليل النص القرآني والحديث النبوي؟ ومن هنا تماماً كانت أولى مشكلاته في صدامه مع مكفّريه، وربما صدام أغلبية ذوي الرؤية المختلفة في القراءة والتفسير الدينيَّين، بمعنى أن أصحاب المنهج العلمي التحليلي لا يمكن لهم بمكان أن يحللوا النصوص التي تعتبر تحليلاتها ثابتة لا مجال للطعن بها أو حتى إعادة النظر فيها، بينما تلك الخلفية العلمية كانت مبررة بشكل قطعي لأولئك المهندسين والأطباء وأبناء الكليات العلمية الذين عكفوا على العمل في الحقل الديني مسلِّمين بالثابت فيه، وغير متطرقين للتجديد، بمعنى أن ما هو مباح لمهندس قَبِل الإسلام كما فيه، غير مباح لمهندس لجأ إلى الطعن بمسلّمات سواه.
تكفير أئمة الدين في جامعات وجوامع بلاد الإسلام مع شحرور، عن خلاف مفكرين آخرين غير ذوي خلفية إسلامية محافظة معه، والذين لم يعيبوا عليه طعونه، وتفسيراته الجديدة، إنما عابوا ضعفها في بعض الأحيان، واعتمادها على أسس لغوية غير صلبة، ذلك النقد الذي ربما قاد شحرور ملياً إلى إعادة النظر فيما قال، وتطوير نظرياته، لكن وفي حقيقة الأمر، فإن خلافه مع المنابر الإسلامية المسيطرة في مختلف الدول، لم يكن أبداً على البدائل التي طرحها، فهي بدائل بكل تأكيد غير مقبولة لهم اليوم، ولن تكون مقبولة غداً، لكن الخلاف الأساسي هو في طرح الأسئلة، فبمجرد أن ينحو شحرور إلى التساؤل عن مدى قدرة الإسلام على قيادة مجتمع أصلاً، وقدرته على بناء منظومة معرفية شاملة (طروحات وردت في عدة مؤلفات وضعها شحرور أهمها “الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة”) يفتح جبهة يعرف المقاتل فيها أنه خاسر أمام صلابة عدوه وعدم تقبله لأي سؤال، خسارة ستعرضه للتكفير وربما للاعتقال والمحاكمة أو ربما للاغتيال بكل صوره، وهو ما تعرض له قبل شحرور مفكرون طرحوا أسئلة كبيرة، ونظريات أكثر ثباتاً وصلابة من نظريات شحرور ذاته، كنصر حامد أبو زيد أو فرج فودة، لكن لا بد أن الطعن في الثابت ضرورة تاريخية لهزه مراراً وتحريكه عن هذا الثبات، ولعله سعي لإيجاد مكتبة في الظل، تنتظر من يتجرأ على فتح كتبها، وقراءتها بتجرّد، من يريد أن يقرأ ما هو مختلف في الدين الذي يقود أمة كاملة منذ خمسة عشر قرناً، أمة تكفي متابعة موجز إخباري واحد على أي فضائية لمعرفة في أي مرحلة من العفن المعيشي تحيا.
نبيل محمد
https://www.enabbaladi.net/archives/352084