الإسراء والمعراج
مرت منذ أيام ذكرى “الإسراء والمعراج” أعادها الله على الناس بالخير واليمن والبركة.
وإذ يحتفل المسلمون المؤمنون بالرسالة المحمدية بهذا اليوم، يسترجعون ذكرى حادثة تناقلتها الثقافة الإسلامية عبر العصور، ويستذكرون تفاصيلها لترسخ في الأذهان صورة لا تقبل النقاش عن معجزة خارقة لا يمكن للعقل تفسيرها.
وفي التفاصيل أن جبريل عليه السلام قد جاء للرسول (ص) ليلاً و”همزه بقدمه وأخذه من عضده” وحمله على البراق إلى بيت المقدس في فلسطين حيث وجد الأنبياء فصلى بهم، وعرض عليه جبريل إنائين أحدهما فيه لبن والآخر خمر، فأخذ اللبن وترك الخمر، ثم لما فرغ عرج فيه جبريل إلى السموات السبع حيث رأى الملائكة والأنبياء ورأى الجنة والنار، وفرضت عليه الصلاة، ثم وصل إلى باب منسوج من الذهب وراءه الله وفي الروايات: “ما زال يقطع مقاماً بعد مقام وحجاباً بعد حجاب حتى إنتهى إلى مقام تخلف عنه فيه جبريل، وقال جبريل يا محمد ما منا إلا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت، وفي هذه الليلة بسبب احترامك وصلت إلى هذا المقام وإلا فمقامي المعهود عند سدرة المنتهى ، فمضى النبي صلى الله عليه وسلم وحده حتى تجاوز سبعين ألف حجاب، وبين كل حجاب وحجاب مسيرة خمسمائة سنة، فوقف البراق عن المسير فظهر له رفرف وذهب به إلى قرب العرش ومنها ترقى حتى وصل إلى منزلة قاب قوسين أو أدنى”
ولا يسع المرء وهو يقرأ هذه القصة إلا أن يستمتع بالخيال الخصب لمؤلفها، فهي قصة جميلة مشوقة فيها من الصور ما يحرك المشاعر، لكنها للأسف غير مقنعة، ولا يخرج الله جل وعلا فيها عن صورة الملك الذي يقبع على كرسي من ذهب وراء أبواب وجدران ويحرسه الخدم، كما صورته لوحات القرون الوسطى وكأنه (حاشاه) عجوز بلحية بيضاء ويلبس البياض، يدير شؤون مملكته وزراء ومستشارين، ويعذب الخارجين عن سلطته بالنار، ويعلق النساء من أثدائهن وشعورهن، ويحتاج الرسول (ص) لواسطة من موسى كي يفاوض الله ليقلل عدد ركعات الصلاة عن أمته، ولا أجد في “المعراج” هذا إلا هراء محض اخترعته الإسرائيليات لا أكثر ولا أقل.
فإذا عدنا للتنزيل الحكيم نجد المسلمين يعتمدون قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير} (الإسراء 1) كدليل قاطع على صحة حادثة الإسراء، ولا أجد ما ينفي ذلك، لكن ثمة تساؤلات عديدة طرحها الكثيرون أجدها منطقية، من قبيل هل تم الإنتقال جسدياً أم لا؟ وإذا كان “أسرى” تعني السير ليلاً، فلماذا قال تعالى {أسرى بعبده ليلاً}؟ ولماذا لا يكون المقصود بأسرى “اتجه إلى السراة” وهي منطقة جنوب مكة،أي أين هو المسجد الأقصى؟ وما نقل تاريخياً أن عمر بن الخطاب عندما فتح القدس صلى في مكان قرب كنيسة القيامة، فهل يمكن ألا يعير اهتماماً لموضع الإسراء؟ وقد يقول قائل وماذا عن حديث “ﻻ يشد الرحال إﻻ لثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد اﻻقصى ومسجدي هذا” نقول لم يكن من الصعب على بني أمية اختراع ما يبرر نقل الحج إلى القدس عند سيطرة عبد الله بن الزبير على الحجاز في العصر الأموي، كذلك لماذا لا يكون موسى هو المقصود ب”عبده”؟ لا سيما أن سياق الآيات يتكلم عن موسى؟
وكل ما سبق لا يمنع أن يكون الإسراء صحيحاً، من قبيل الرؤيا مثلاً، أو ربما تم بواسطة مركبة فضائية، ويمكنني أن أقبله تسليماً دون أن يكون لدي أي برهان على صحته، مع التحفظ على كثير من التفاصيل، أي أننا كمسلمين مؤمنين بالرسالة المحمدية نؤمن تسليماً بالإسراء سواء كان واقعاً باليقظة أم بالمنام.
أما حادثة المعراج فلا أثر لها في التنزيل الحكيم، وما قيل عن أن الآيات الأولى من سورة النجم تقصد المعراج لا نرى صحة فيه، فالرسول الكريم (ص) رأى جبريل على الأرض، والرسول الكريم لا ينطق التنزيل عن الهوى وإنما عن الوحي الذي رآه بأم عينه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الفائدة من نبش هكذا موضوع؟ نقول لا فائدة ترجى سوى أن في الرسالة المحمدية معجزات وقفزات معرفية يمكن للمتدبر أن يلمسها، ولا حاجة لها لاختراع ترهات مسيئة لا يقبلها عقل طفل صغير، ولا تقدم سوى صورة مشوهة عن الله (حاشاه) ودينه، أنتجها خيال مجتمع ذكوري مريض، وجعل من لوحاتها كوابيس مرعبة تصلح لإرعاب الناس على مدى العصور، وسوّق لها فقه موروث قابل ترهات الملل والأديان الأخرى بالسخرية والاستهزاء، لكنه لم يجد غضاضة في الاتكاء عليها في اختراعات عدة ما أنزل الله بها من سلطان.