في دولة الديمقراطية يستطيع الإسلام أن يظهر وجهه الحضاري – مجلة المراقب العربي
بعد استفتاء نظمته (المراقب العربي) وشارك فيه آلاف القراء اختار اغلبهم المفكر والكاتب الإسلامي الدكتور محمد شحرور الذي ولد في دمشق عام 1938 في بيئة دمشقية محافظة. حصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة دبلن في إيرلندا عام 1972، أصدر كتابه الأول عام 1990 والذي قدم فيه قراءة جديدة للنص القرآني بعيداً عن قيود التراث الفقهي وثوابته.
صدر للدكتور شحرور أربعة كتب هي:
- الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة 1990
- الدولة والمجتمع 1994
- الإسلام والإيمان – منظومة القيم 1996
- نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي – فقه المرأة – الإرث – القوامة – التعددية – اللباس 2000
وهو يسعى من خلال طروحاته إلى إنهاء عبودية الإنسان المسلم للتحالف القديم بين السلطتين الدينية والسياسية والذي أدى إلى ترسيخ الأمية السياسية وثقافة الخنوع لدى الشعوب العربية والإسلامية وفقاً لما يرى، عن هذا المحور وغيره كان لنا هذا الحوار مع الدكتور شحرور:
الثوابت
(المراقب العربي): لمن لم يقرأ الدكتور شحرور، بماذا تلخصون الثوابت المعرفية التي تدعون لتغييرها في العقل المسلم؟
النقطة الأولى والأساسية، أنه لا يوجد ترادف في كتاب الله، أكثر لا تعني فوق وفوق لا تعني أكثر، كل كلمة في القرآن لها معناها الخاص الذي يختلف عن معنى الكلمة الأخرى، عندما قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء : 23] ولم يقل والداتكم، فذلك لأن الأمهات لا تعني الوالدات، كما الأن كلمة الأب لا تعني الوالد، وكذلك الفرق بين مفردات القراءة والترتيل والتلاوة،، هذا المنهج أعطى فقهاً جديداً، نحن تعودنا أن ندمج كل هذه المفردات، وهذا أثر على العقل العربي وجعل منه عقلاً غير علمي، فلم يعد يلاحظ الفروقات الدقيقة في الطبيعة وغدا عاجزاً عن تصنيع ما هو دقيق، العقل العربي عقل جيد ويمكن أن يكون عبقرياً، لكن آلية تفكيره خاطئة، حتى الفروقات الدقيقة التي يجب أن يراها في لغته لا يراها.
ثانياً – الفقه الإسلامي يقوم على نظرية الحدود، أي أن التشريعات الإسلامية حدودية وليست حدية، أي أنها حد أعلى وحد أدنى، عقوبة القاتل حدها الأعلى القتل، وتحتها ملايين الاحتمالات، فمن ينادي بعقوبة الإعدام ومن يقف ضدها، كلاهما على حق، هذا المفهوم ينتج عنه أن لا أحد يحق له أن يكفر أحداً، وبدل المفتي نصبح بحاجة إلى استفتاء وبرلمان لتعيين هذه الحدود، إن مشكلتنا الأساسية في الفقه، مسائل مثل وجود الله والإيمان باليوم الآخر وبر الوالدين – أقصد الوصايا العشر الأخلاقية، لا تخضع للتصويت، القيم هي قيم إنسانية لا يمكن التصويت عليها.
ثالثاً – يجب التفريق بين الإسلام والإيمان، فكل قيمة ليست وقفاً على أتباع الرسالة المحمدية هي من الإسلام، بر الوالدين مثلاً، البوذي يبر والديه، فذلك من الإسلام، صوم رمضان، البوذي لا يصوم، وبالتالي الصوم ليس من الإيمان، ما هو وقف على أتباع محمد فقط هو من الإيمان “الصلوات الخمس، الصوم، الحج…” أما أركان الإسلام فهي عالمية وليست وقفاً على أحد، المسلم يمكن أن يكون مسلماً بوذياً أو نصرانياً…. الخ. أما المؤمن فهو من أتباع الرسالة المحمدية، إذا المسلمين ليسوا فقط أتباع هذه الرسالة، في ذلك إقصاء لكل الآخرين، لماذا يحصرون الإسلام فيهم؟ الإسلام هو إحياء المثل العليا، وأركان الإسلام هي القيم العليا، الخصوصيات في الإيمان فقط، خصوصية المسيحية أو اليهودية… الخ. نحن وضعنا الإيمان قبل الإسلام، بينما الإسلام أسبق، لا يمكن الانتقال من الإيمان إلى الإسلام بل العكس، وأركان الإسلام هي القيم. الإسلام يتألف من ثلاثة فروع: تراكم في القيم، والقصص القرآني يبين كيف تطورت هذه القيم ولم تأت دفعة واحدة بل خضعت للتطور، والتطور في التشريع، فالشريعة الموسوية عينية والشريعة المحمدية حدودية، والاختلاف في الشعائر، فالمسيحي والمسلم واليهودي جميعهم يمارسون الصيام لكن بأشكال مختلفة.
استنساخ
(المراقب العربي): أنتم تنادون بأولوية الإصلاح الديني على الإصلاح السياسي قياساً على التجربة الأوروبية في العصور الوسطى، أليس في ذلك استنساخ لهذه التجربة يتجاهل اختلاف ظروف عالمنا العربي والإسلامي عن ما كان عليه الحال في أوروبا؟
أبداً أنا لا أستنسخ التجربة الأوروبية، اختلافنا عن الأوروبيين هو عندما فصل بولس الرسول الديانة المسيحية عن الديانة اليهودية بإلغاء شريعة موسى. عند المسيحية لا يوجد فقه ولا مشكلة فقه، لكن عندهم التفسير التوراتي للكون وهذا من أساسيات الكنيسة. عندما جاء كوبرنيكوس وغاليله ضربوا التفسير التوراتي للكون وجرى اضطهادهم على هذا الأساس. من ناحية أخرى فالكنيسة كانت تعين الملوك، أي أن السلطة السياسية كانت تحت وطأة السلطة الدينية ولهذا السبب كان وجود البرلمانات والعملية التشريعية في أوروبا عملية سهلة، لأنه بالأصل لا يوجد فقه ولا يوجد تشريع في الكنيسة، الفقه موجود عند المسلمين واليهود فقط. وبالتالي كان من الأسهل لديهم فصل الدين عن السياسة ووجود سلطات مدنية وتشريعية.
يقولون إن المسلمين لم يضطهدوا العلماء، ذلك لأن علماء الكونيات لم يشكلوا أي خطر على الفقهاء أو سلطة رجال الدين، ما نحتاج إليه أن يكون هناك كوبرنيكوس وغاليله في الفقه، عندما سيحصل ذلك سيتم اضطهاد وقتل هؤلاء الناس لأنهم يعرضون السلطة الدينية للخطر تماماً كما تعرضت الكنيسة للخطر في أوروبا، علماً أن السلطة الدينية في الوطن العربي تخضع تماماً للسلطة السياسية.
كوبرنيكوس
(المراقب العربي): نعم فالوضع معكوس عما كان عليه الأمر في أوروبا….
نحن بحاجة لكوبرنيكوس في الفقه وليس في الكونيات.
الوجدان
(المراقب العربي): ولكن لم يتضح لماذا تصرون على أولوية الإصلاح الديني مع اختلاف التجربتين ؟
لأن الحرية ليست قيمة في الوجدان العربي الإسلامي، الحر في الوجدان العربي الإسلامي ضد الرق، هناك أحاديث نبوية كثيرة تتحدث عن أن الرقيق يجب أن يخضع للسيد ويطيعه، مثلاً “العبد الآبق – أي الهارب، لا تقبل له صلاة”، الفقهاء يقولون إذا اجتهد المجتهد وأصاب له أجران وإذا أخطأ فله أجر، هذا ليس بصحيح، الصحيح هو أن الحاكم إذا حكم وأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر، مهما تلبس حكامنا بالخطأ فلهم أجر، حكامنا مأجورون طوال الوقت سيئين كانوا أم جيدين، هذا الكلام مقدس. راجعت التراث لأبحث عن فتوى واحدة تقول بأنه يجوز الجهاد ضد حاكم مستبد ولم أجد على الإطلاق، هناك مواقف في أدبيات التراث كموقف حرَ لأبي ذر الغفاري مثلاً، لكن لا يوجد فتاوى، الآن من يحارب باسم الإسلام لا يحارب من أجل الحرية لأنها ليست هدف. لم يتكلم أحد عن الحرية في التراث إلا ضد الرق، وفي هذا الأمر يوجد تشجيع لمالك الرقيق على إطلاق سراحه، لكن لا يوجد رأي يشجع الرقيق على أن يتحرك لينال حريته، ما هو موجود، تعطفوا يا مالكي الرقيق ويا حكام وأطلقوا سراحه ولكم الثواب، ولكن ليس للرقيق حق طلب الحرية وهذه عقلية سائدة.
من ناحية أخرى فالحياة غير محترمة كقيمة، كل إنسان يحب الحياة فهو مذنب، يجب أن تحب الموت لكي تكون مسلما. هذه الأمور، حب الحياة واحترامها والحرية، قيم يجب إدراجها وترسيخها لأن عدم وجودها رسخ الأمية السياسية وأنا أبشر الحكام العرب بطول السلامة والإقامة، بإمكان أي حاكم عربي فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية ولا يشعر بذلك إلا النخب بينما الناس لا تعلم بها.
القطيع
(المراقب العربي): ألا تعتقدون أن الشعوب العربية والإسلامية تعي اضطهادها لكن خضوعها ناتج عن القمع أساساً قبل أن يكون نتيجة العقلية السائدة؟
هنالك تحالف فرعون وهامان منذ 14 قرناً، فرعون السلطة المستبدة وهامان السلطة الدينية، وقد تحدثت عن هذا التحالف القديم في كتابي الثاني الدولة والمجتمع. بحثت في مصادر الفقه الإسلامي فوجدت الحديث النبوي من مثل “اسمعوا وأطيعوا ولو كان عبداً اسود رأسه زبية ” “اسمع وأطع للأمير ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك” وغيرها، هذه أحاديث موجودة في كتب الحديث المعتمدة، هذا مرجع إسلامي لا يوجد فيه ما يشير إلى المضطهدين بأن ثوروا على من اضطهدكم، لهذا السبب فرجال الدين يدجنون الشعب لرجال السياسة وهذا ما يجري حالياً، يحولون الشعب إلى قطيع، ثقافة القطيع هي السائدة، هناك مشكلة في الجماهير العربية هي مشكلة الوعي السياسي، يوجد أمية سياسية مرعبة، فكيف يمكن بمثل هذه الأمية السياسية الوقوف بوجه الاستبداد؟ لا يمكن، وهذا ما يريده الحكام وما يرتاحون له، وهنا لا بد من الإصلاح الثقافي. مثلاً أحد الأمور التي يطلبها رجال الدين من المسلم: إذا فتح الإنسان أية صحيفة فيجب أن يستخدم أرضيته المعرفية لفهم ما يقرأ، هذا ينطبق على قراءة أي كتاب، المطلوب من المسلم أن لا يقوم بذلك لدى قراءته القرآن، يجب أن لا يحاول أن يفهم فهمه الخاص، إذا لم تفهم اذهب إلى كتب التفسير.
قطيعة
(المراقب العربي): أي إصلاح يحتاج إلى مساحة من حرية الرأي والتعبير والنقاش، وهي جزء من الحريات المدنية والسياسية فكيف يمكن القيام بإصلاح ديني في أوضاع قمع هذه الحريات؟
الإصلاح ليس موقفاً سياسياً بل هو فكر، لقد كتبت أربعة كتب تحت ظل الاستبداد، يجب تقديم البديل سواء في ظل الاستبداد أو عدمه، رجال الدين والسلطات السياسية تتقبل نقد الفقه الإسلامي، لكن ما لا تقبله هو أن تعطي البديل وأن تقول أن أسس الفقه التي وضعها الشافعي خطأ وتقدم بدلاً منها، الإصلاح فيه قطيعة معرفية مع التراث، أي إعادة النظر ضمن منهاج معرفي جديد في الثوابت، في أصول الفقه، في تعريف السنة والكتاب والقرآن، التعاريف التي وضعها الشافعي وابن حنبل كلها يجب إعادة النظر فيها، فيصبح هناك بديل إسلامي وليس من خارج الإسلام، المطلوب هو القطيعة المعرفية وهو ما لم يحصل من قبل وقد قمت به.
تيار
(المراقب العربي): هل تعتقدون بأن لهذا المشروع الإصلاحي إمكانية للاستمرار والانتشار؟
بالتأكيد وإن كان ذلك يتطلب وقتاً، عام 1990 كنت لوحدي، الآن هناك آلاف مؤلفة معي في كل البلاد العربية وذلك سيؤدي يوماً ما إلى تشكل تيار يفرز أحزاباً، في البحرين مثلاً أصبح هناك جمعية اسمها التجديد قائمة على أفكاري، وكذلك في السعودية والإمارات تنتشر أفكاري بشكل كبير.
رواج
(المراقب العربي): في الدول حيث الإسلام الأكثر تشدداً؟
لهذا السبب بالذات تلاقي أفكاري رواجاً، هناك حاجة لفكر جديد.
خلط
(المراقب العربي): هل تؤيد إقامة أحزاب على خلفية دينية؟
أنا لست مع إقامة أحزاب على خلفية دينية، وأوضح في النظرية السياسية والتشريعية العائدة لي بأنه لا داعي لقيام أحزاب على خلفية دينية. لكن أنا أقبل اللعبة الديمقراطية، وسؤالي للإسلاميين، تقولون أن هنالك ثوابت في الإسلام، موافق، أعطوني ثوابت الديمقراطية التي تؤمنون بها، أنا أخاف أن يكون لديهم خلط ما بين الديمقراطية وديكتاتورية الأكثرية.
نساء
(المراقب العربي): إلى أي مدى يحضر أو يغيب الوعي الديمقراطي في العقل المسلم؟
الوعي الديمقراطي في الوطن العربي والإسلامي ضعيف جداً وهذا مرتبط بقيمة الحرية، لو كان الوعي الديمقراطي موجوداً لما بقي حاكم عربي حتى الآن، أي حاكم يستطيع اعتقال خمسة آلاف شخص بدون الخوف من عصيان مدني أو أية أشكال أخرى للاحتجاج، لكنه لا يستطيع نزع حجاب ألف امرأة فهذا أمر يخيفه، لذلك أقول إذا تسيست الحركة النسائية في الوطن العربي ستشكل خطراً على الدولة، فهنا التعامل مع المرأة كضربها أو التعدي عليها يصبح شيئاً غير سياسي.
تسييس
(المراقب العربي): إلام تردون قيام الحركات الإسلامية المتطرفة؟
في أوروبا قامت ثورة سياسية وتنويرية وفصلت السياسة عن الكنيسة والدولة، لدينا العكس هو الصحيح، السلطة الدينية تخضع للسلطة السياسية، أي عملية تسييس الدين تمر عبر معاداة السلطتين بالمطلق، وهنا المشكلة، هناك مؤسسة دينية تخضع للسلطة السياسية والسلطة السياسية مستبدة، هناك أيضاً مرجعية إيديولوجية لتبرير الاستبداد والطاعة، وبالتالي أي عملية تسييس للدين تدخل عملية عنف مسلح وتنجح ستجمع السلطتين السياسية والدينية، وهذا ما حصل مع طالبان وفي إيران، وهناك الفقه التاريخي وراء جمع السلطتين.
نلاحظ كل المصطلحات الفقهية والسياسية مثل مصطلحات دار السلم ودار الحرب، كلها مصطلحات وضعت في العهد الإمبراطوري في القرن الثاني الهجري وهي مازالت تستخدم للآن، كانت المصطلحات متوافقة مع تلك الدولة لكن الآن نحن في وضع آخر تماماً، ماذا يعني دار حرب ودار سلام، وضعت هذه المصطلحات عندما كان “الإسلام أو الجزية أو الحرب”، فهل هذه مصطلحات صحيحة الآن؟ المطلوب حالياً صياغة مصطلح جديد للدولة، في الفقه الإسلامي لا يوجد فقه دستوري، لا تبحثوا في الفقه الإسلامي عن فقه دستوري فهو غير موجود، تريدون فقهاً دستوراً فاصنعوه، مثلاً “أطيعوا من ولاه الله أمركم”، نحن لا نعرف الآلية التي يولي بها الله الحكام، فكيف نعرف ما إذا كان الشخص قد ولي من الله أم لا؟ حتى الوعي الدستوري غير موجود، مثلاً في سورية عندما وضع دستور عام 1973 كانت هنالك مادة تقول إن الرئيس لا يتعرض للمساءلة ولم يحتج عليها أحد، بينما تم الاحتجاج على اعتماد مادة تقول بأن يكون دين الرئيس هو الإسلام أم لا، وأن يكون الإسلام مصدر تشريع أساسي أم لا، طوال عمرنا من زمن الخلفاء الراشدين لم نخضع حاكماً للمساءلة.
العنف
(المراقب العربي): إذا هل ترجع مسألة التطرف العنفي إلى التراث الفقهي فقط؟
أرجع أسباب العنف إلى عدة أسباب: أولاً هناك مرجعية دينية، كيف أقنع شخصاً بأن يفجر نفسه بدون الدين؟ علماً أن الموت من أجل الحرية في الدين غير موجود، إن ما يدافع عنه دعاة العنف لا يوجد فيه ما يمت للحرية بصلة. من هنا أقول إن الحركات الدينية بحاجة للإبداع، الفقه التراثي لا يكفي، لا بد من إبداع نظرية في الدولة الحديثة، جزء كبير من الإخوان المسلمين في الوطن العربي هم في مرحلة انتقالية الآن، في وضع تذبذب فكري بين القطع مع التراث والقبول بمفهوم الدولة الحديثة، وأعتقد أن من الجيد الوصول إلى هذه المرحلة.
فإذا هناك مرجعية للعنف، ولكن لو وجدت هذه المرجعية في عهد ديمقراطي فلن تنتج العنف، لأن المجتمع سينبذها، لأن أياً كان يستطيع قول ما يريد وطرح ما يرغب من أفكار، لكن وجود الأنظمة الاستبدادية مع الاستبداد الديني ولد التطرف العنفي. ومن الجدير بالذكر أن مرجعية معظم رجال الدين لا تختلف عن مرجعية “بن لادن”، لكن هناك انتقائية لدى الطرفين، “بن لادن” منسجم مع نفسه أكثر من الشيخ القرضاوي مثلاً، عندما ذهب القرضاوي لإقناع طالبان بعدم تدمير تماثيل بوذا، لم يقنعهم بل أقنعوه لأن لديهم نفس المرجعية، لأن الكتب التي تشكل مرجعية طالبان هي نفسها التي تدرس في الأزهر.
التعريف الفقهي للجهاد بالقلب وقد وضع في القرن الثاني الهجري هو “البراءة من الكفار وبغضهم والتربص بهم وتحديث النفس بغزوهم والإعداد لذلك”، اليوم في كل صلاة في الجامع نسمع دعاء “اللهم اجعلهم هم وأموالهم غنائم للمسلمين”.
المرأة
(المراقب العربي): فيما يتعلق بتناولكم قضية المرأة في الإسلام، ألا تعتقدون أنكم تناولتم أموراً تثير زوابع الاحتجاج والرفض أكثر مما تخدم قضية حرية المرأة كمسألة الحجاب مثلا؟
ولم لا يكون هناك احتجاج طالما أن المرأة ينظر إليها حتى الآن على أنها شيء، يجب قراءة القرآن قراءة معاصرة، يقول تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ …} [آل عمران : 14]، الناس هنا تعني المرأة والرجل، الأنعام تعني الخيل والبغال والحمير والبقر، والنساء؟ هل يعقل أن توضع النساء مع الحمير؟ النساء جمع شيئين، نسيء وامرأة، والنسيء هو التأخير، أي زين للناس حب كل جديد.
التفاعل
(المراقب العربي): إذن ترى أن الإسلام الحقيقي منح المرأة الحرية؟
آيات الأحكام جاءت في المدينة المنورة والرسول عاش فيها عشر سنوات وهي مدة غير كافية في مجتمع بدوي لاستنفاذ آيات الأحكام وبالتالي هناك آيات كثيرة لم تطبق، من ناحية أخرى فإن ما حصل أيام الرسول هو تفاعل بدائي بدوي مع آيات الأحكام، وهو ليس التفاعل الأول والأخير، ما حصل في عهد الرسول هو تدشين لتحرير الرق والمرأة، تم تدشين هذا التحرير وترك الباقي للاحقين، لكن هم ظنوا أن التحرير قد تم فتوقفوا عند ذلك الحد، لقد تم تحويل الثقافة السائدة في عهد النبوة والصحابة إلى دين وهذا ينطبق على الكثير من السلوكيات كزيارة القبور واللباس وما إلى ذلك.
سورية
(المراقب العربي): كيف ترون مسيرة الإصلاح الديمقراطي في سورية؟
الإصلاح الديمقراطي في سورية ضعيف جداً، لأن التطور السياسي خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية توقف تماماً، حتى كوادر الإصلاح غير موجودة، الحكم الاستبدادي يوقف التطور السياسي للمجتمع.
الفطام
(المراقب العربي): هل ترون أننا يجب في سورية أيضاً أن نبدأ من الإصلاح الديني قبل الإصلاح السياسي؟
يجب البدء بهما معاً، لكن يجب أن أقنع الناس أولاً بأن الحرية قيمة، يجب تحقيق الفطام السياسي، نحن لم نفطم سياسياً حتى الآن، عودونا طوال الوقت على أن ولي الأمر والرئيس هو كل شيء ومحور كل شيء، لم نتعود أن نفكر بشكل مستقل، هذا جزء من ثقافتنا، لا أعتقد أن أصحاب الامتيازات يمكن أن يتنازلوا عن امتيازاتهم برضاهم مادام الناس يعترفون لهم بهذه الامتيازات ولا يجبرونهم على التنازل عنها، وهذا شيء لم يحصل في العالم العربي منذ قرون عديدة، ثقافة الأمة العربية تعتبر أن القتل شيء لا قيمة له أمام الشرع والسلطان، ثقافتنا العربية الإسلامية مريضة، وتساهم بذلك بعض وسائل الإعلام كقناة الجزيرة مثلاً التي تقوم بدور مرعب لتكريس الأمية السياسية عند العرب، نرى ذلك في موقفها مثلاً من الانتخابات في العراق، وحيثما توضع أنشوطة حول عنق أي مستبد عربي تهب لنجدته مدعية أنها تساعد شعبه.
الراعي
(المراقب العربي): أخيراً د. شحرور، هل تعد نفسك مفكراً إسلامياً أم علمانياً؟
الاثنين معاً، أنا أنتقد موقف الفريقين من المفهومين، والإسلاميين لا يفرقون حتى اليوم بين مجتمع الراعي والرعية ومجتمع المواطن والمواطنة، في دولة المواطنة عندما تتزوج المسلمة من مسيحي فلا علاقة للدولة بها، الفقه الإسلامي فقه سلطوي يريد للدولة أن تمنع ذلك، هو فقه سلطوي يقوم على مبدأ أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، بينما مبدأ الخيار هو الأساس، في دولة المواطنة للمواطن الخيار في أن تنتقل أمواله بالوصية أو عبر قوانين المواريث بدون تدخل الدولة، في دولة الديمقراطية يستطيع الإسلام أن يظهر وجهه الحضاري وفي الدولة المستبدة لا يمكنه ذلك.
دمشق – من رزان زيتونة
مجلة المراقب العربي العدد الثامن يناير 2006
(5) تعليقات
لااسم
حقيقة انا ما بدي هذا لكن الموضوع رائعععععععععععععععععععععععععععععع شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
Wafa mer
دكتور شحرور فكرك هذا هو عتق من الفكر السلفي الذي دمرنا ، الله يحفظك و تبارك الله عليك
ابوراشدالمعمري
متفق معك فيماطرحته
تحياتي
Yasser hashem
مشكلة معظم الشعوب العربية هى انهم يعجبهم الشكل الديمقراطى و لا يتحملون اعباء هذا الشكل … و اول أعباءه المشاركة فى العمل العام و الاحترام للآخرين … و الحقيقة ان معظم الشعوب العربية لا تعرف العمل العام الا كمظهر اجتماعى … و لا تعرف احترام الآخرين سواء كانوا مخالفين او مختلفين … لا أنكر ان الموروث الدينى له يد فى تلك الحالة … و لكنها حالة واقعية تفشل كل محاولاتنا للوصول للديمقراطية الحقيقية
Nabil
استادنا في كتابك السنة الرسولية كما في فيديوهات كثيرة ترى بان معصية الوالدين حرام. ارى انه لا يوجد في القران ما يفيد ذلك صراحة. و لعلك اعتمدت في ذلك على اية الصراط المستقيم: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ …و فهم التحريم هنا مع إنعدام الصيغة الناهية امر فيه بعض تكلف اذ يقتضي الاستعانة بتقنية المفهوم و المنطوق. و رايي و الله اعلم ان اية وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا تابعة لسابقتها حول الشرك حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ ، اي لا تشركوا به شيئا و لو كان ذلك والديكم، و يكفيكم الاحسان اليهما و ان بقيا على شركهما، و هو ما يوافق ما جاء في اية اخرى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ