القراءة هي التفقه.. و«ابن عربي» إنساني بامتياز
ما مفهوم القراءة ببعديها الشخصي والكوني؟، إنه سؤال الحوار الذي يحاول الاقتراب أكثر من خصوصيات وطقوس القراءة المستقلة لدى المفكر الدكتور محمد شحرور، بعد مضي ما يقارب الخمسين عاماً من البحث والتحليل والتدبّر الإحصائي واللغوي العميق، وهو سؤال يقدم في إجابته رؤية وإرشاداً لما يجب أن تكون عليه علاقتنا بالكتاب.
ينطلق الباحث والمفكر السوري الدكتور محمد شحرور، في جلّ مؤلفاته من قاعدة تتأسس على قناعة ذاتية وعامة ترى أن الإسلام دين رحمة وتسامح، وبأنه دين تعايش مع الآخر في سلام وطمأنينة في إطار أخلاقي يسمح للجميع بالتمتع بكامل حريتهم وكرامتهم الإنسانية، لأنه دين عالمي يستوعب الإنسانية جمعاء.
وهو الرأي الذي ساقه شحرور، في كتابه (الإسلام والإنسان) الفائز مؤخراً بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الحادية عشرة عن فئة «التنمية وبناء الدولة». وهو كتاب يضيف لرصيد المكتبة العربية والإسلامية أفقاً جديداً ومعاصراً لفهم آيات التنزيل الحكيم، إيماناً من الكاتب بالتطور المعرفي والصيرورة الحضارية والتي تفرض تأويلات أكثر نضجاً وتماهياً مع تقدم ونماء البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدول المتقدمة والقارئة لتحديات وأنماط التفاعل الإنساني الآن ومستقبلاً، ضمن عناوين عريضة ومهمّة مثل: الحرية، والأمة والقومية والشعب والمواطنة والطاعة والإكراه والإسلام والإيمان والولاء والبراء، وغيرها من المفاهيم التي شوهتها النظرة الأحادية المنغلقة والمتعصبة لدى عدد كبير من الفقهاء والمنظرين العرب والمسلمين خلال العصور اللاحقة على البعثة النبوية، خصوصاً مع ما شهدته هذه العصور من آراء دخيلة ومربكة للمعطى الإنساني والعالمي الرحب والمتنوع والمنتصر دائماً للخير والعدل والمساواة، وهو المعطي الوارد بوضوح ودون لبس في القرآن الكريم. الدكتور محمد شحرور في حديثه لـ «الاتحاد» يؤكد تأثير الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي على فكره، ويدعو لأن تكون القراءة محايدة بعيداً عن الأفكار المسبقة، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
بداية كيف ينظر الدكتور محمد شحرور لدور القراءة بشكل عام في ظل استقالة العقل العربي والإسلامي اليوم، وانطلاقاً من رغبة النخبة المثقفة لتجديد نظرية المعرفة؟
يجيب الدكتور شحرور: لا يمكن النهوض دونما قراءة، وأي تجديد منشود عليه التحرر من عبء الموروث، ورفع الغطاء عن أي مقدس، بحيث تصبح القراءة محايدة دونما مواقف مسبقة إيجابية أو سلبية.
ماذا عن القراءات الشخصية للدكتور شحرور خارج نطاقه التخصصي؟
– لم أصل إلى ما وصلت له من قراءة جديدة للتنزيل الحكيم، إلا بعد دراستي للفلسفة ونظرياتها، وحالياً أحاول البقاء على اطلاع على آخر الأبحاث، سواء الفلسفية، أو العلمية المتعلقة بأبحاث الكون وخلق الإنسان.
ما هي الكتب التي أثرت في فكرك ومن هم الكتاب والأدباء الذين تميل لمتابعة أعمالهم قديماً وحديثاً؟
– كان التأثير الأكبر لمحيي الدين بن عربي، فهو فيلسوف إنساني بامتياز، وكتابه الذي كان له الأثر الشديد لدي هو «فصوص الحكم» حيث فهمت منه النظرية العرفانية، ورفضتها في كتابي الأول «الكتاب والقرآن»، لما تحتويه من خرافات، كذلك تأثرت بكتاب «الرسالة» للشافعي، ووجدت فيه الإشكالية الأساسية في الفقه الإسلامي، ومن ثم قدمت بديلاً، وأيضاً من الغرب تأثرت بألفريد نورث وايتهيد، وكان رئيساً لقسم الفلسفة في جامعة هارفارد، وهو مع برتراند راسل واضعي أسس الرياضيات الحديثة.
كيف يمكن أن تربط بين القراءة التقليدية الورقية وبين القراءة الكونية وكيف وجد هذا الربط في المصحف الشريف؟
– القراءة بالنسبة لي هي التفقه، ومقارنة المعلومات بعضها ببعض، وقرأت المصحف وفق هذا المعنى، ووفق أول آية نزلت على الرسول الأعظم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق 1) فلا يمكنك فهم التنزيل الحكيم دون قراءته، لا تلاوته فحسب كما المفهوم الرائج، وقراءته تشبه قراءة جسم الإنسان وقراءة الكون بتفاصيله، فالخالق واحد، ولتفهم كل موضوع عليك تتبعه في أماكن وجوده.
ماذا عن الطقوس الشخصية التي تتبعها فيما يخص بتوقيت القراءة والكتابة، أي كيف يوظّف الوقت اليومي الضيق والمزدحم لممارسة القراءة والكتابة بأفقهما الممتد والمتشعب؟
– اجتمع بفريق عملي بشكل يومي، وأتفكر في كتاب الله طوال الوقت، وأحياناً أتوصل لجواب على سؤال طالما أرقني أثناء سيري الروتيني، وأقرأ ما أستطيع خلال ساعات الليل.