البغاء لا يعني بالضرورة الدعارة – سامر إسلامبولي
فلسفة التاريخ من منظور القراءة المعاصرة – عبد الحق بوزيان
تأويل بعض السور – سوسن المصري
ملك اليمين – د. نذير كيالي
النفس والروح في المفهوم القرآني – مهدي الكبيسي
الحج في زمن الزحمة – عبد العزيز سلامه
ذو القرنين – ناظم ناجي
جميع الآراء الواردة في هذا الموضوع تعبر عن رأي كاتبها، وليس بالضرورة أن تكون متوافقة مع آراء الدكتور محمد شحرور وأفكاره
{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً}
فالسائلون: قريش لا محالة، والمسؤول عنه: خبر رجل من عظماء العالم عرف بلقب ذي القرنين، كانت أخبار سيرته خفيّة مُجملة مغلقة، فسألوا النبي عن تحقيقها وتفصيلها، وأذن له الله أن يبين منها ما هو موضع العبرة للناس في شؤون الصلاح والعدل، وفي عجيب صنع الله تعالى في اختلاف أحوال الخلق، فكان أحْبار اليهود منفردين بمعرفة إجمالية عن هذه المسائل الثلاث وكانت من أسرارهم فلذلك جَرّبوا بها نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولم يتجاوز القرآن ذكر هذا الرجل بأكثر من لقبه المشتهر به إلى تعيين اسمه وبلاده وقومه، لأن ذلك من شؤون أهل التاريخ والقصص وليس من أغراض القرآن، فكان منه الاقتصار على ما يفيد الأمة من هذه القصة عبرة حِكميةً أو خُلقيةً فلذلك قال الله: {قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِنهُ ذِكراً}.
والمراد بالسؤال عن ذي القرنين السؤال عن خبره، فحذف المضاف إيجازاً لدلالة المقام، وكذلك حذف المضاف في قوله: {مِنْهُ} أي من خبره و (مِن) تبعيضية.
ويتعيّن أن لا يحمل القرنان على الحقيقة، بل هما على التشبيه أو على الصورة. فالأظهر أن يكونا ذُؤابتين من شعر الرأس متدليتين، وإطلاق القرن على الضفيرة من الشعر شائع في العربية، قال عُمر بن أبي ربيعة:
فلثمت فاها آخذاً بقُرونها * شُرب النزيف ببرَد ماء الحشرج
وفي حديث أم عطية في صفة غسل ابنة النبي صلى الله عليه وسلم قالت أم عطية: «فجعلنا رأسها ثلاثة قرون»، فيكون هذا الملك قد أطال شعر رأسه وضفره ضفيرتين فسمي ذا القرنين، كما سمّي خِربَاق ذا اليدين.
ومن هنا تأتي الأقوال في تعيين ذي القرْنين، فأحد الأقوال: إنه الإسكندر بن فيليبوس المقدوني. وذكروا في وجه تلقيبه بذي القرنين أنه ضفر شعره قرنين. وقيل: كان يلبس خوذة في الحرب بها قرنان، وقيل: رسم ذاته على بعض نقوده بقرنين في رأسه تمثيلاً لنفسه بالمعبود (آمون) معبود المصريين وذلك حين ملَك مصر.
والقول الثاني: إنه ملك من ملوك حمير هو تُبّع أبو كرب.
والقول الثالث: أنه ملك من ملوك الفرس وأنه (أفريدون بن أثفيان بن جمشيد). هذه أوضح الأقوال، وما دونها لا ينبغي التعويل عليه ولا تصحيح روايته.
ونحن تجاه هذا الاختلاف يحق علينا أن نستخلص من قصته في هذه الآية أحوالاً تقرّب تعيينه وتزييف ما عداه من الأقوال، وليس يجب الاقتصار على تعيينه من بين أصحاب هذه الأقوال بل الأمر في ذلك أوسع.
وهذه القصة القرآنية تعطي صفات لا محيد عنها:
إحداها: أنه كان ملكاً صالحاً عادلاً.
الثانية: أنه كان ملهَماً من الله.
الثالثة: أن مُلكه شمل أقطاراً شاسعة.
الرابعة: أنه بلغ في فتوحه من جهة المغرب مكاناً كان مجهولاً وهو عين حَمئة.
الخامسة: أنه بلغ بلاد يأجوج ومأجوج، وأنها كانت في جهة مما شمله ملكه غير الجهتين الشرقية والغربية فكانت وسطاً بينهما كما يقتضيه استقراء مبلغ أسبابه.
السادسة: أنه أقام سدّاً يحول بين ياجوج وماجوج وبين قوم آخرين.
السابعة: أن ياجوج وماجوج هؤلاء كانوا عائثين في الأرض فساداً وأنهم كانوا يفسدون بلاد قوم موالين لهذا الملك.
الثامنة: أنه كان معه قوم أهل صناعة متقنة في الحديد والبناء.
التاسعة: أن خبره خفيّ دقيق لا يعلمه إلاّ الأحبار علماً إجمالياً كما دل عليه سبب النزول.
وأنت إذا تدبرت جميع هذه الأحوال نفيت أن يكون ذو القرنين إسكندر المقدوني لأنه لم يكن ملكاً صالحاً بل كان وثنياً فلم يكن أهلاً لتلقي الوحي من الله وإن كانت له كمالات على الجملة، وأيضاً فلا يعرف في تاريخه أنه أقام سُدّاً بين بلدَين.
أما نسبة السد الفاصل بين الصين وبين بلاد ياجوج وماجوج إليه في كلام بعض المؤرخين فهو ناشىء عن شهرة الإسكندر، فتوهم القصاصون أن ذلك السد لا يكون إلاّ من بنائه، كما توهم العرب أن مدينة تَدمر بناها سليمان (عليه السلام). وأيضاً فإن هيرودوتس اليوناني المؤرخ ذكر أن الإسكندر حارب أمة (سكيثوس). وهذا الاسم هو اسم ماجوج كما سيأتي قريباً.
وأحسب أن لتركيب القصة المذكورة في هذه السورة على اسم اسكندر المقدوني أثراً في اشتهار نسبة السد إليه. وذلك من أوهام المؤرخين في الإسلام.
ولا يعرف أن مملكة إسكندر كانت تبلغ في الغرب إلى عين حمئة، وفي الشرق إلى قوم مجهولين عُراة أو عديمي المساكِن، ولا أن أمته كانت تلقبه بذي القرنين. وإنما انتحل هذا اللقب له لما توهموا أنه المعْنيّ بذي القرنين في هذه الآية، فمنحُه هذا اللقب من مخترعات مؤرخي المسلمين، وليس رسم وجهه على النقود بقرنين مما شأنه أن يلقب به. وأيضاً فالإسكندر كانت أخباره مشهورة لأنه حارب الفرس والقبط وهما أمّتان مجاورتان للأمة العربية.
ومثل هذه المبطلات التي ذكرناها تتأتى لإبطال أن يكون الملكُ المتحدث عنه هو أفريدون، فإما أن يكون من تبابعة حمير فقد يجوز أن يكون في عصر متوغل في القدم. وقد توهم بعض المفسرين أنه كان معاصراً إبراهيم عليه السلام وكانت بلاده التي فتحها مجهولة المواقع. ولكن يبعد أن يكون هو المراد لأن العرب لا يعرفون من خبره مثل هذا، وقد ظهر من أقوالهم أنّ سبب هذا التوهم هو وجود كلمة (ذو) التي اشتهر وجود مثلها في ألقاب ملوك اليمن وتبابعته.
فالذي يظهر لي أن ذا القرنين كان ملكاً من ملوك الصين لوجوه:
أحدها: أن بلاد الصين اشتهر أهلها منذ القدم بأنهم أهل تدبير وصنائع.
الثاني: أن معظم ملوكهم كانوا أهل عدل وتدبير للمملكة.
الثالث: أن من سماتهم تطويل شعر رؤوسهم وجعلها في ضفيرتين فيظهر وجه تعريفه بذي القرنين.
الرابع: أن سُداً ورَدْماً عظيماً لا يعرف له نظير في العالم هو موجود بين بلاد الصين وبلاد المَغُول، وهو المشهور في كتب الجغرافيا والتاريخ بالسور الأعظم، وسيرد وصفه.
الخامس: ما روت أم حبيبة عن زينب بنت جحش رضي الله عنهما، \”أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فقال: «ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من رَدم ياجوج وماجوج هكذا»\” وأشار بعقد تسعين (أعني بوضع طرف السبابة على طرف الإبهام). وقد كان زوال عظمة سلطان العرب على يد المغول في بغداد فتعين أن ياجوج وماجوج هم المغول وأن الردم المذكور في القرآن هو الردم الفاصل بين بلاد المغول وبلاد الصين وبانيه ملك من ملوكهم، وأن وصفه في القرآن بذي القرنين توصيف لا تلقيب فهو مثل التعبير عن شَاول ملك إسرائيل باسم طالوت.
وهذا الملك هو الذي بنى السدّ الفاصل بين الصين ومنغوليا. واسم هذا الملك (تْسِينْشِي هْوَانْفتي) أو (تْسِينْ شِي هْوَانْقْ تِي). وكان موجوداً في حدود سنة سبع وأربعين ومائتين قبل ميلاد المسيح فهو متأخر عن إسكندر المقدوني بنحو قرن. وبلاد الصين في ذلك العصر كانت متدينة بدين (كنفيشيوس) المشرع المصلح، فلا جرم أن يكون أهل شريعته صالحين. …