محمد شحرور.. قراءات معاصرة للتنزيل – محمود عبد الله تهامي

محمد شحرور.. قراءات معاصرة للتنزيل – محمود عبد الله تهامي

عبر مشواره الطويل قدم المفكر السوري الدكتور محمد شحرور مفاهيم جديدة ومعاصرة لقراءة القرآن الكريم والتعرف بصورة أعمق على جوانب الدين الإسلامي.

شحرور، الذي رحل أمس السبت بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة عن عمر ناهز الـ81 عاماً، عشق سوريا وأحب أن يعود إليها فقرر في وصيته أن يعود ليدفن في مقابر العائلة بمدينة دمشق الباسلة، حيث ولد في أبريل من العام 1938.

ترك “شحرور” عددا من المؤلفات المهمة مثل: كتاب “عن الروح والنفس والمعرفة في التنزيل الحكيم”، وكتاب “تجفيف منابع الإرهاب”، وكتاب “القرآن في الفكر المعاصر”، وكتاب “الإسلام والإنسان”، وكتاب “دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم”، وكتاب “الإسلام والإيمان”.

وخلال مشواره الفكري حاول “شحرور” أن يعتمد منهجاً للتعامل مع القرآن الكريم بحيث يكون المنهج نظاما معرفيا يستطيع من خلاله تقديم فهما للتنزيل الحكيم وإعادة تأسيس فقه إسلامي معاصر.

قبل ذلك ينطلق “شحرور” من مقولته إن الإنسان يقرأ التنزيل الحكيم ضمن مستوى معارفه وأدواته المعرفية ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وإشكالياته المعرفية فيجد فيه أشياء لم يجدها غيره، ويفهم منه أشياء لم يفهمها غيره، لذلك يحمل صفة الحياة فهو كينونة في ذاته.

هذا التنزيل الذي يحمل صفة الحياة والمتجدد مع كل قراءة يضع له شحرور أسس للتعامل معه وذلك وفق نظريته، حيث يضع مجموعة من الإيمانيات والأوليات واللغويات وأيضا بعض الأشياء في المنهج الفكري.

تضم “إيمانيات” الدكتور شحرور بعض النقاط المهمة منها أن آيات التنزيل الحكيم عبارة عن نص إيماني وليست دليلا علميا، تقع حجتها على المؤمنين بها فقط، في حين لا يمكن إقامة الحجة بواسطتها على غيرهم، وعلى المؤمنين بها تقديم الدليل المنطقي والعلمي على صحتها ومصداقيتها، كما أن التاريخ الإنساني في مسيرته العلمية والتشريعية والاجتماعية منذ البعثة المحمدية وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها له الحق في الكشف عن مصداقية التنزيل الحكيم، وأنه كلام الله مكتفي بذاته لا يحتاج إلى شيء من خارجه لفهمه، وأن الأصل في الحياة الإباحة وصاحب الحق في التحريم هو الله أما الرسول فكان لا يحل ولا يحرم وإنما يأمر وينهي.

أيضا تضم “الإيمانيات” أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان مجتهدا في مقام النبوة “لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار” ومعصوماً في مقام الرسالة “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك”، وأن الإيمان بالله وباليوم الآخرة تذكرة دخول للإسلام، والعمل الصالح هو السلوك العام للمسلم.

وتقف “الأوليات” وفق رؤية المفكر السوري عند معرفة المؤلف والنص والقارئ أو السامع وذلك بالنسبة لدراسة أي نص لغوي.

بينما تكون “اللغويات” متمثلة في كون الألفاظ خدم للمعاني، واللغة هي آلية التفكير، وأن الثقافة المعجمية غير كافية لفهم أي نص لغوي، وأن اللغة حاملة للفكر وتتطور معه.

ويجدر بالدارس أن يدرك أن التنزيل الحكيم نص خال من الترادف في الألفاظ والتراكيب، وخال من الحشو واللغو والزيادة، كما أنه دقيق في تراكيبه ومعانيه، وأن تأويل الآيات يعتمد على الخيط اللغوي، وأن التنزيل هو أساس التدوين والتقعيد فلا يجب ساعتها أن نقيس النص القرآني على قواعد سيوبيه مثلا.

لا بد أن ندرك أن التنزيل يحمل في ذاته تطويرا لغوياً لم يعرفه الجاهليون، فلقد استعار ألفاظا من لغات أخرى، وأنه من الواجب الأخذ في الحسبان التطور الهائل الذي تعرضت له الدراسات اللغوية.

الإطار الفكري عند “شحرور” هام للغاية، فمن خلاله يستكمل المفكر الراحل المنهج في التعامل مع النص القرآني، فيبدأ أولا بأنه لا يمكن فهم أي نص خارج ما يقتضيه العقل، مع ضرورة الربط المنطقي بين صحة الشكل اللغوي والمضمون الفكري للنص، وأن القرآن يحوي المصداقية وخال من العبث، ولا يمكن فهمه من خلال فهم الشعر الجاهلي ومفرداته، وبذلك يخالف “شحرور” ما درجت عليه الدراسات المتعلقة بالنص القرآن والتي تنطلق من الشعر الجاهلي لفك معاني النص القرآني.

وفي النهاية يؤكد “شحرور” أن القرآن كينونة في ذاته، فهو هدى ورحمة للناس، مع الاعتراف بأن أساس الحياة الإنسانية هي الحرية التي هي واجبة لعبادة الله.

محمود عبد الله تهامي

https://www.albawabhnews.com/3840897

اترك تعليقاً