حوار مع صحيفة أخبار اليوم المغربية

حوار مع صحيفة أخبار اليوم المغربية

هل نحن بحاجة إلى مراجعة التراث الإسلامي وتجديد الخطاب الديني؟

نعم، الخطاب الديني الذي نقدمه للعالم لا يعبر عن إسلام التنزيل الحكيم، ولا عن رسالة محمد (ص) بخصائصها الثلاث، الرحمة والخاتمية والعالمية، بل يقدم صورة معاكسة تماماً، لذلك، نحن في أمس الحاجة إلى تجديده وقراءته بعين العصر ووفق الأرضية المعرفية التي نحن عليها، أما التراث الإسلامي فمراجعته يجب أن تكون بالنظر إليه على اعتباره تاريخاً له ما له وعليه ما عليه.

نشاهد اليوم بروز الفكر المتطرف الذي أنتج لنا جماعات إرهابية من قبيل داعش. في رأيك، كيف نتجاوز هذا الوضع؟

الفكر المتطرف لم ينشأ من فراغ، بل له مرجعياته في أدبياتنا، وما تفعله الجماعات الإرهابية هو تطبيق أحداث القرن السابع الميلادي على عصرنا، بصرف النظر عن الظروف الموضوعية التي صاحبت تلك الأحداث، وطالما أننا نعيد قراءة الإسلام بالطريقة ذاتها، سنصل إلى النتائج نفسها حتى لو اختلفت المسميات بين القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها.

تقول إنه لتجاوز الوضع الذي نحن فيه يجب تبديل الفقه بالبرلمانات. هل تقصد التخلي عن التشريع الإلهي لصالح التشريع الإنساني؟

الرسالة المحمدية أعلنت صلاحية الإنسانية للتشريع لذاتها، وفق خطوط عريضة ثابتة تعد على أطراف الأصابع، وما تفعله البرلمانات في كل دول العالم هو تنظيم الحلال ضمن حدود واسعة، لا تتعدى حدود الله، إذا استثنينا قانونية المثلية الجنسية التي اعتمدتها بعض الدول.

هل تقصد أن البرلمانات في العالم تحكم بشرع الله؟

القيم الأخلاقية تراكمت تدريجياً على مر العصور، حتى وصلت الإنسانية إلى مرحلة من الارتقاء على سلم الحضارة تتمكن فيها من التمييز بين الخير والشر، ولك في شرائع كل دول العالم أمثلة، فلا يوجد برلمان يحلل قتل النفس أو عقوق الوالدين، والوصايا الإلهية التي يجب التقيد بها غير خاضعة للتصويت أصلاً.

حسب اعتقادك، ألا يفتح التشريع الإنساني الباب لفوضى الفتاوى؟

المفروض أنه لا حاجة لنا بالفتاوى أصلاً، فالحرام مطلق شمولي أبدي محدد من الله تعالى فقط، ولا أحد يملك حق التحريم، وباستثناء المحرمات، فإن الباقي تحكمه القوانين والأعراف والذوق الشخصي، وكل مجتمع يشرع قوانينه وفق ما يناسبه.

في كتاباتك تؤكد أن القرآن هو المرجع الأساسي والوحيد للتشريع، هل هذا يعني أنك لا تعترف بالسنة والأحاديث النبوية مصدراً من مصادر التشريع؟

التنزيل الحكيم فيه خطوط عريضة لتشريعات تناسب كل أهل الأرض، ولم أجد في الفقه الموروث ما يطابقها نهائياً، لا في الزواج ولا الطلاق ولا الإرث ولا العقوبات، فالفقه اجتهاد مرحلي، وفيه، للأسف، مخالفة صريحة لكتاب الله، أما الأحاديث النبوية، إن صحت، فهي ليست دينا، ولا يؤخذ منها تشريع. هي وثائق تاريخية لا أكثر، وما صح منها يمثل التفاعل الأول للرسول (ص) مع الرسالة المحمدية بما يناسب ظروف مجتمعه. أي أن الله سبحانه وتعالى أعطى الرسول (ص) حق التشريع لمجتمعه، فقد كان يأمر وينهى ولا يحرم {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.

تقول إنه لا حاجة لنا برجال الدين والعلماء لفهم الدين. كيف ذلك؟

الحرام بيّن، والعمل الصالح واضح، و«الطريق إلى لله بعدد أنفاس الخلائق».

في حوار سابق لك قلت إن المسلمين يعيشون خدعة تفسير الدين، وهو ما جعلهم يسقطون في الفكر الأحادي وعدم قبول الآخر باعتباره كافراً. هل هذا يعني أنه لا وجود لمفهوم «الكافر» في الإسلام، وأنه لا فرق بين الأديان؟

الكفر بأمر ما هو اتخاذ موقف عدائي معلن من هذا الأمر، والله تعالى اختصر موضوع الاختلاف بالمعتقد بقوله {لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ} (الكافرون 6)، أما مصطلحات مثل «دار الكفر» و«دار الإيمان»، فربما صلحت حين كانت الدولة تقوم على اعتبار أن الحاكم هو «الخليفة المؤمن»، وأن أعداءها «كفار»، أما اليوم، فإن تلك المصطلحات غير صالحة، وفي الأساس الدين والسلطة لا يجتمعان.

تنتقد في كثير من كتاباتك الخلط بين الدين والسياسة، وتدعو إلى الفصل بينهما. في اعتقادك، كيف سيكون هذا الفصل؟

السلطة الوحيدة التي يملكها الدين هي سلطة الضمير، أما السلطة السياسية فإنها شأن آخر مختلف تماماً عن الدين، إذ ليس من مهام الدولة أن ترسل الناس إلى الجنة أو النار، وإنما مهمتها دنيوية فقط، ولا يمكن فصل الدين عن المجتمع، لكن يجب فصله عن الدولة.

تنتقد نظام الإرث في الإسلام وتقول إنه فسر سياسيا. كيف ذلك؟

نعم، اعتبار «الأولاد» هم الذكور فقط جرى تمريره خلال قرون لغايات سياسية، ارتأت نقل الإرث إلى الأعمام (التعصيب) في حال عدم وجود أبناء ذكور، وهذا لا أساس له في التنزيل، و«الولد» هو ذكر وأنثى.

إذا عدنا إلى الشق الذي يقول إن «للذكر مثل حظ الأنثيين»، كيف تفسر هذه العبارة التي يقول بعض منتقديك إنها واضحة ولا تحتاج إلى تفسير؟

حدث أن سألت مراراً وتكراراً شباناً من مختلف دول العالم العربي: إذا قلت لك «أعطيتك مثل أختيك» فماذا تفهم من كلامي؟ ودائماً أتى الجواب أن الحصص متساوية بين الثلاثة، فلماذا نريد اللف والدوران، علماً أن الله تعالى في الآية وضع معادلة الثابت فيها عدد الذكور والمتحول عدد الإناث، ولا تقتصر على الجملة الأولى، ومن ناحية أخرى جرى في الفقه الموروث التغاضي عن الوصية ونسخ كل آيات الوصية بحديث «لا وصية لوارث»، مع أنها الأساس في نقل الثروة، فالله احترم إرادة الإنسان، وخيره بين أن يوصي وفق ما يريد، أو أن يترك ماله ليوزع وفق قوانين الإرث، التي تحقق العدالة الجماعية لا الفردية دائماً.

هاجمت المجتمعات المسلمة، وقلت عنها إنها مجتمعات منافقة سياسياً ودينياً. ما هي المحددات التي جعلتك تصدر مثل هذا الحكم؟

المجتمعات المتدينة هي منافقة بالضرورة لأنها تقيم الأشخاص وفق الشعائر، وتأتي الأخلاق في درجة أدنى، ويصبح عدد مرتادي المساجد هو مقياس صلاح المجتمع، إضافة إلى غطاء رأس المرأة، وهذا حال مجتمعاتنا العربية منذ قرون، ومع ذلك نرى مجتمعات لا تدين فيها لكنها تنعم بمستويات عالية من الإنسانية، وتكاد الجريمة تكون معدومة فيها.

تؤكد في كتاباتك ولقاءاتك أن الأحكام الشرعية الموجودة سواء في الزواج أو الطلاق أو المعاملات لا علاقة لها بالمصحف. فسر لنا أكثر؟ وما هو الموجود في المصحف بخصوص هذه الأحكام؟

الأحكام الموجودة في الفقه الموروث هي ما جاد به الفقهاء مشكورين لعصرهم، أما في كتاب الله فالأمر مختلف، مثلاً، الزواج في الفقه هو عبودية بحق المرأة، فيما في المصحف هو ميثاق إنساني غليظ يضمن حقوقها، والطلاق يحتاج إلى موافقة الطرفين ويحق للمرأة كما للرجل، ولا يكون بقرار تعسفي من لدن الرجل فقط، وإنما يحتاج إلى مدة زمنية ومراجعة، وفي المصحف لا بيت طاعة ولا غيره، ولا رجم للزناة ولا قتل للمرتد ولا استتابة لتارك الصلاة، وكل هذه الأحكام لا وجود لها، وعقوبة الإعدام هي حد أعلى للقتل العمد وللفساد في الأرض مع استخدام السلاح فقط.

تفرق دائما بين الإلحاد الديني والإلحاد السياسي. ما الفرق بينهما؟ وما هو النوع الطاغي على مجتمعاتنا اليوم؟

هناك فرق بين الإلحاد الديني باعتباره عقيدة ورفضا لفكرة الخالق ككل، وبين الإلحاد الاجتماعي الذي يشكل رد فعل على المجتمع المتدين وعلى أسئلة كثيرة لم تجد لها جواباً مقنعاً، وأعتقد أن النوع الثاني هو السائد.

هناك قضايا تُثار اليوم في المجتمعات العربية مثل المثلية الجنسية. هل ترى أن الإسلام حرم المثلية الجنسية؟ وما رأيك في الدعوات إلى السماح للمثليين بالزواج؟

المثلية الجنسية هي فاحشة من بين ست فواحش ذكرها التنزيل الحكيم، والفواحش من المحرمات الأربعة عشر، وقوننتها خروج عن حدود الله، علماً أنه لا يحق للمجتمع معاقبة ممارسي المثلية إلا في حالة الفاحشة العلنية. والقتل ليس ضمن هذه العقوبة.

تقول إن المساكنة بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة شرعية ليست حراما وليست من الفواحش. كيف ذلك؟

ما وجدته في التنزيل الحكيم ضمن الفواحش لا يشمل المساكنة، وأرى أن المساكنة هي شكل من أشكال عقود ملك اليمين، والتنزيل الحكيم اشترط موافقة المجتمع الأهلي على عقود كهذه، فما هو مقبول في فرنسا، مثلاً، ليس مقبولاً في مصر، وقد يعرض الطرفين للأذى، مع الانتباه إلى نقطة مهمة وهي أنه ليس كل حلال مقبول اجتماعياً أو قانونياً، ولكن كل حرام مرفوض.

ما رأيك في التيار القائل إن الحجاب فرض؟

الحجاب بالمعنى المتعارف عليه هو لباس المرأة العربية في القرن السابع الميلادي، وهو زي اجتماعي لا أكثر، له علاقة بالأعراف والمناخ العام.

تحدثت عن الفهم الصحيح للدين لتجفيف منابع الإرهاب الديني. ما هو الفهم الصحيح للدين، خصوصاً أن كل تيار يدعي أن فهمه هو الإسلام؟

الإسلام في التنزيل الحكيم هو الإيمان بالله والعمل الصالح، ولا سلطة للدين إلا سلطة الضمير، ووفق هذا التعريف ننظر إلى الأمم الأخرى، فنجد أن معظم أهل الأرض مسلمون، ولا مكان للدين في السياسة، لا دولة خلافة ولا غيرها، وعلاقة الدول بين بعضها البعض تقوم على السلم أولاً، وتحكمها المصالح المتبادلة، أما على نطاق الأفراد، فليست مهمتنا تقييم إيمان الناس، أو إرسالهم إلى الجنة أو النار، وعلاقتنا بالآخر تحكمها القيم الإنسانية فقط.

دائما ما تؤكد أن المحرمات في القرآن هي 14 بخلاف ما جاء به الفقه، ما هي هذه المحرمات؟

المحرمات التي أقصدها هي: الشرك بالله، عقوق الوالدين، قتل الأولاد من إملاق أو خشية إملاق، اقتراب الفواحش، قتل النفس، أكل مال اليتيم، الغش بالكيل والميزان، شهادة الزور، نقض العهد، أكل الميتة والدم ولحم الخنزير والاستقسام بالأزلام، والإثم والبغي بغير حق، والتقول على لله، ونكاح المحارم والربا.

http://www.alyaoum24.com/1284329.html

اترك تعليقاً