للذكر ما للأنثى لمن القوامة وما الدرجة؟ – عبد الله الخليل

للذكر ما للأنثى لمن القوامة وما الدرجة؟ – عبد الله الخليل

للذكر ما للأنثى

لمن القوامة وما الدرجة؟

يقول الحق سبحانه (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)[1] كثير من المختصين والمراجع يرون أن قاعدة ” للذكر مثل حظ الأنثيين” منصفة للجنسين وعادلة في كل الأحوال والظروف، ومنهم وهم قلة وبعد أن تغيرت الأحوال الاقتصادية والظروف الاجتماعية من صار يفسح المجال ويدعو إلى تكاثف جهود أهل العلم والبناء على بعض ما حفظ لنا، وقد أخذت بقول من يفسح المجال ويلتمس الدليل أو الإشارة وفتشت عن نصوص تندب الرجال إلى التنازل عن شيء من أنصبتهم للنساء فوجدت فيما صح عن سيد الخلق والمرسلين ضالتي كما وقفت على إشارة قرآنية في آية القوامة تلزم الرجل القوام بأن يتنازل عن شيء من حقه حتى تتعادل الحظوظ و تتساوى الأنصبة، ولو فعل الرجل وتنازل وآثر الأنثى على نفسه بشيء من حقه عند مصيبة الموت وفقدان العزيز لخفف بأسمى طريقة من أثر الفاجعة عند المكلومة و لا شك أن الأخت ستستشعر أنها عوضت بأخ سمح معطاء حل محل الفقيد وهو لها أخ وأب، وستستشعر الزوجة أن زوجها سخي ودود وأن ابنها من أبيه وأبوه لها ابن وحبيب فتشتد الصلة وتتقوى الرابطة وتكون الرحمة والمودة والسكينة، وأي دعم نفسي أو مواكبة نفسية أو مساعدة اجتماعية أكبر مما في شرعنا القويم؟ ! كيف لا وقد أتاح الشرع للرجل القوام بل احتال له ليمكنه من التودد لمن يقوم عليه ويرعاه ويهمه أمره ويتوخى راحة باله وسكينة نفسه..

يقول المولى عز وجل (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ)[2]يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره للآية الكريمة: (اعلم أنه تعالى قال ” ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ” وقد ذكرنا أن سبب نزول هذه الآية أن النساء تكلمن في تفضيل الله الرجال عليهن في الميراث، فذكر تعالى في هذه الآية أنه إنما فضل الرجال على النساء في الميراث، لأن الرجال قوامون على النساء، فإنهما وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منهما بالآخر، أمر الله الرجال أن يدفعوا إليهن المهر، ويدروا عليهن النفقة فصارت الزيادة من أحد الجانبين مقابلة بالزيادة من الجانب الآخر، فكأنه لا فضل البتة، فهذا هو بيان كيفية النظم. وفي الآية مسائل، المسألة الأولى، القوام اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالأمر، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها) انتهى كلام الإمام الفخر،

نسجل إضافة مولانا الإمام ولا نقف بل نعمم فنقول أن المولى عز وجل قال (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) أي بكل ما يفضل به بعضنا البعض الآخر، كل ما نفضل به بعضنا البعض وقد ذكر هذا فضيلة الشيخ المهندس الدكتور محمد شحرور حفظه الله وجمع الأفضليات المتنوعة في ثلاث أساسية وسماها شروطا مؤهلة لدرجة القوامة وصفة الرجولة، أولها مادي والثاني إداري وأما الثالث فهو معنوي وقال فضيلة المهندس أن الرجل هو ذاك المخلوق المتمكن الحائز على الشروط المؤهلة، وفعلا يمكن القول أن هناك ثلاث وزارات سيادية تقوم بشؤون الأسرة، الأولى وزارة الاقتصاد والمالية والثانية وزارة الحكامة والشؤون العامة والثالثة وزارة الود والحماية، ومتى تمكن الرجل أو تمكنت المرأة من مقومات النهوض بالأعباء الوزارية كان قائما عليها أو كانت قائمة أو قيمة عليه وعند المبالغة والإكثار من القيام بشأن معين سواء تعلق بالبذل والإنفاق أو التسيير والتدبير أو التودد والحماية والصون صار الرجل قواما عليها في ذلك الشأن فوق قيم لأنه أكثر وبالغ أو صارت المرأة قوامة على الرجل لأنها اجتهدت وتفانت في القيام بشأن من الشؤون، ولكن عند التوسع في المعنى وعند القول أن الرجال قوامون على النساء ليس فقط بإنفاق ما زيد لهم في حظوظهم من الميراث، بل قوامون عليهن بكل ما فضل الله به بعضهم على بعض تشتم رائحة تكرار – تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا – إذ البذل والإنفاق مشمول بقوله تعالى(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) لأن القيام والقوامة معناها البذل والإنفاق فالرجل يكون قيما أو قواما في ناحية الإنفاق حين ينفق ويغدق، أي عندما يطال الآخر نفع من مال القائم أو القوام وليس فقط برصيده ذو الرقم الفلكي في بنك من الأبناك أو بوثائق إثبات الملكيات، ولما كان الإنفاق مشمولا بقوله (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) يبدو للدارس أن المعنى تكرر في قول العلي المبين بعد ذلك(وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) وقد تأملت وتدبرت ولم أجد إلا تصريفا واحدا لقول الحق سبحانه (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) نخرج به من دائرة التكرار إلى خانة البيان، نخرج من الركاكة إلى البيان إذا لاحظنا أن هناك وجوها للإنفاق متاحة للرجل وغير متاحة للمرأة، والمعنى كما أسلفت يكون أن الرجال قيمون وقوامون على النساء والنساء قيمات وقوامات على الرجال بما فضل الله بعضهم على بعض أو بما فضل الله بعضهن على بعض، غير أن هناك موقفين يتيحان للرجل دون المرأة أن يكون قواما عليها، الموقف الأول عند إصداق العروس والموقف الثاني عند قسمة التركات وواضح أن الفرصتين متاحتين للرجل دون المرأة لأن المرأة تأخذ الصداق وليست تعطيه والمرأة هي من يقبل نصيبها الزيادة حتى تسوى الحظوظ، والمرأة كما الرجل يمكنها أن تنفق بل وتغدق بأن تهدي الرجل هدية أو تهبه هبة فتكون قوامة عليه في جانب الإنفاق (وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ ٱللَّهُ عَزِيز ٌحَكِيمٌ)[3]، جاء في لسان العرب أن العُرف والمَعروف هو الجود وقيل هو اسم ما تبذله وتسديه، والمعنى أن الرجل معصوب بجبينه وفرض عليه أن ينفق ويعول ويمون وأما المرأة فجود منها وتفضل، الرجال قوامون على النساء والنساء كذلك قوامات على الرجال لكن هناك درجة تكليفية للرجال دون النساء (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ ٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والدرجة هي ما ذكرت عن فرصتي الإنفاق المتاحتين للرجال دون النساء، يتوجب على الرجل القوام إكرام العروس عند إصداقها حسب استطاعته وإن لم يتوفر سوى خاتم من حديد لا حرج عليه وهو القوام السخي كما يتوجب عليه التنازل والإيثار عند قسمة المواريث خصوصا إذا أسعف الرجل وضعه المادي وكان في غنى عن أن يضاعف لنفسه ولا حرج إن فعل إذا كان معيلا لأمه وبعض أخواته وعلى مثله يقاس عند الضرورة لكن الأبرأ للذمة والأعدل في القسمة هو أن تسوى الحظوظ فيكون للأنثى ما للذكر ويصير الذكر رجلا ويستحق الدرجة المستأثر بها..

أمر الآن إلى ما يؤنس في المقام من قول أشرف الخلق والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه،

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة)[4]

ورد في لسان العرب:

الحِرْجُ والحَرَجُ: الإِثمُ.

والحارجُ: الآثم؛ قال ابن سيده: أُراه على النسب، لأَنه لا فعل له.

والحَرَجُ والحَرِجُ والمُتَحَرِّجُ: الكافُّ عن الإِثم.

وقولهم: رجل مُتَحَرِّجٌ، كقولهم: رجلٌ مُتَأَثِّمٌ ومُتَحَوِّبٌ ومُتَحَنِّثٌ، يُلْقِي الحَرَجَ والحِنْثَ والحُوبَ والإِثم عن نفسه.

ورجلٌ مُتَلَوِّمٌ إِذا تربص بالأَمر يريد القاء الملامة عن نفسه؛ قال الأَزهري: وهذه حروف جاءَت معانيها مخالفة لأَلفاظها؛ وقال: قال ذلك أَحمد بن يحيى.

وأَحْرَجَه أَي آثمه.

وتَحَرَّجَ تأَثَّم.

والتحريج: التضييق.

وقيل: الحَرَجُ أَضْيَقُ الضِّيقِ.

وتَحَرَّجَ فلانٌ إِذا فعل فعلاً يَتحَرَّجُ به، مِن الحَرَج، الإِثم والضيق؛ ومنه الحديث: اللَّهم إِني أُحَرِّجُ حَقَّ الضعيفَين: اليتيم والمرأَة أَي أُضيقه وأُحرمه على مَن ظلمهما؛ وفي حديث ابن عباس في صلاة الجمعة: كَرِهَ أَن يُحْرِجَهم أَي يوقعهم في الحَرَج. قال ابن الأَثير: وورد الحَرَجُ في أَحاديث كثيرة وكلها راجعة إِلى هذا المعنى.

مقصود الحديث ليس البتة تأثيم وتحريم هضم حق اليتيم والمرأة وإلا فهل لا حرج في هضم حق الراشد والصنديد! انتهاك حقوق الآخرين كل الآخرين وهضم حق اليتيم والمرأة محرم في كل الشرائع والقوانين ومبغوض ويتحرج منه في كل المجتمعات، لكن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بلفظه (اللهم إني أحرج…)كأنه يؤكد ويشهد الحق سبحانه وتعالى أنه صلوات الله وسلامه عليه قد نهانا تلميحا عن إتيان أمور يُمس فيها حق اليتيم والمرأة أباحها الشرع بضوابط كأن يأكل الوصي من مال يتيمه (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا)[5]، أو أن تمتد يد الزوج إلى صداق امرأته ليس عن اضطرار ولضرورة وإنما تطاولا وطمعا وسطوا ولو عن طيب خاطر (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)[6]،أو أن يعود الرجل فيأخذ نصف ما كان فرض لامرأته إن هو طلقها قبل أن يتماسا (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[7]، ومثل ذلك أن يعمل أحدنا بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين فيضاعف لنفسه رغم أنه ميسور الحال وبوسعه أن يتنازل فتنتفع المكلومة ويكون لتنازله وقع حسن في نفسيتها خصوصا إذا كانت أو كن أحوج ما يكن إلى ما زيد لهن في حظوظهن، ففي حالة غنى الوارث وسعة رزقه وجب عليه أن يسوي الحظوظ على الأقل وذاك هو حق المرأة الذي يحرجه الحديث الشريف، أما إذا كان العكس وكانت شريكته غنية ميسورة بفضل كدها ونشاطها أو بفضل زوج غني سخي حق للرجل المحتاج ساعتها أن يضاعف لنفسه ولا حرج، والخلاصة أنه رغم أن الخالق الحكيم قد أذن للوصي أن يأكل من مال يتيمه وأذن للزوج أن ينفق من صداق امرأته وجعل له نصف ما فرض إذا طلق قبل المسيس وجعل القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن الحق سبحانه قال (وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) وذاك حق بين واضح و مفروض لكن من استعفف ولم يقرب مال يتيمه فليتطوع وليتفضل وليترفع على أن ينفق على اليتيم من مال اليتيم نفسه بل ينفق عليه من ماله كما ينفق على عياله، قال الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا)[8]وذاك هو حق اليتيم الذي يحرجه رسولنا الكريم، بل وجب على الوصي إذا كان صاحب تجارة وأعمال أن يستثمر لليتيم ماله وينميه، وأما حق المرأة المحرج في الحديث فهو حقها في صداق معتبر حسب قدرة العريس الملزم إن استطاع أن يبلغ بها أعلى السنة والمحرج أيضا أن تطال يده فلسا واحدا مما كان فرض إذا تم الطلاق قبل المتعة (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ومحرج حقها أيضا في تسوية الحظوظ من المواريث إذا أسعفت الظروف وسمحت الأوضاع..

من بين الأحاديث النبوية التي لها مضمون يفيد ويسند في المقام الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه (استوصوا بالنساء خيرا)[9]أَوْصى الرجلَ ووَصَّاه: عَهِدَ إِليه، وتَواصي القومُ أَي أَوْصى بعضهم بعضاً فيكون المعنى بعد الإسقاط أنه من الواجب أن يوصي بعضنا بعضا عند مصيبة الموت وفاجعة فقدان العزيز بالتنازل للقوارير والرفق بهن و إكرامهن خصوصا إذا كان الوارث الذكر ميسور الحال..

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)[10] وتنازل الرجل عن شيء من الميراث لأخته أو زوجه له وقع حسن في نفسية المكروبة وهو من الإكثار والمبالغة في الاهتمام والعناية واللطف بالمرأة وبها تتحقق وتتجسد قوامة الرجل في باب الإنفاق فيصير قواما فوق قائم وقيم وتكون له عليهن درجة.. وجاء فيما رواه ابن عساكر أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم) وواهم من يعتقد أن الأنثى خصوصا إذا كانت معدمة محتاجة أنها ستستقبل قسمة للذكر مثل حظ الأنثيين بقبول وبصدر رحب وأنها لن تستشعر شيئا من المهانة والحيف (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)[11] تلك طبيعة النفس البشرية وحتما ستستشعر أن القسمة غير منصفة وإن كانت قبل أن تطالها القاعدة وتطبق عليها تعتقد وتقول أن قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين قسمة ربانية وتتلو قول المولى عز وجل (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[12].

بقي أن أشير إلى أن اللفظ القرآني جاء كما نعرف (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) حتى يعلم الذكر ويفهم الرجل أن حقوق الإناث والنساء مصونة محفوظة أيام كانت المرأة هي نفسها تورث وليس فقط لا ترث، هي نفسها ضمن المتاع إذا مات زوجها تصرف فيها الورثة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا)[13]، لم يقل الرب المبين ” للأنثى نصف حظ الذكر ” فيتضح المعنى و يغلق الباب ولم يقل المولى القدير ” للأنثى ما للذكر ” واضحة جلية دون تدرج في الفهم وسيأتي بيان ما أعنيه، لو قال الحق سبحانه للأنثى نصف ما للذكر فستكون وحدة القياس نصيب الذكر بل قال (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) وحدة القياس نصيب الأنثى ودلالة ذلك ومرماه أن حقوق الإناث محفوظة مصونة و حتى لا يأتي أحدنا فيقول ويعتقد أن لا حرج إذا احتاز نصيب من تشاركه أو تشاركنه بناء على أنه يعولها ويرعاها وماله مالها، وأنه قد ينفق عليها إذا لزم الأمر واستوجبت الظروف كل مالَه ومالَه – أي مالها في الثانية – ويضحي بالغالي والنفيس لأجلهن .. وحتى لو كان كما يقول وكان مثاليا وصادقا وأنجز وينجز ما يقول فبنص الآية لا يحق له بأي حال من الأحوال أن يضم إلى حقه ويحتاز نصيب الشريكة أو الشريكات، أو قد يقول مثلا كيف يكون لأختي نصيب تتصرف فيه كما شاءت وزوجها مبذر ومسرف بل وسفيه سكير وسيسطو على نصيبها يوم تسلمها له، أو قد يسفه أخته ذاتها ويقول هو الحجر.. ولسد الباب وغلق المنافذ جاء اللفظ كما هو! بل المعنى كذلك أنه حتى لو تنازلت له عن نصيبها برضاها بل وأصرت وألحت فلا يجوز له أن يقبل عرضها وتنازلها ويكون بموقفه قد أكرمها ولم يهنها.. نعم، لا يجوز بأي حال من الأحوال لا طوعا ولا كرها و خداعا كما يحصل حين يمتزج الطوع والكره والمكر والخداع، عندما تتنازل الأخت لأخيها عن نصيبها قانونيا وبلا رجعة مخافة أن يتحدث الناس عن أخ تفلتت منه أخته وخرجت عن طوعه وعن النظام، أو عن أخت شذت عن العادة وحوطت ما كان من المفروض أن تتنازل عنه لأخيها أو إخوتها..أو ربما ساءها قولهم إنها أخذت ما لإخوتها ووضعته في جيب زوجها ذاك الذي يتوجب عليه هو أن ينفق عليها وينعمها، لست أدري كيف ينظر للموضوع عند بعض أفراد المجتمع الأردني ومجتمعات أخرى، غير أني شاهدت حالة في برنامج بث على قناة فضائية، سيدة أردنية تنازلت لأخيها أو إخوتها عن نصيبها قانونيا بعد أن أفهمها أو أفهموها وعاهدوها على أن يعيدوا لها تحت الطاولة ما صار ملكا لهم بالقانون وأن المسألة فقط صورية لسد الأفواه وحفاظا على الصورة والنمط، وبعد أن استجابت المسكينة الضحية لما أملاه أو أملوه عليها ” قُلبت عليها الطاولة ” وعوض أن تتسلم عشرين ألف دينار وهو قيمة نصيبها حسب قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين تبرع الأخ الكريم أو الإخوة الأسخياء بعشر المبلغ فقط، وإن لم تخني الذاكرة الضحية أرملة أو مطلقة والأكيد أنها أم عيال.. ولو صح ما أسلفت عند ساداتنا العلماء ومشايخنا الأخيار وقبلوه وراقهم الفهم وتبنوه وزكوه ونقلوه إلى المريدين والعامة من الناس فلا شك أنه بعد فترة من الزمن سينقلب الوضع ويعكس الأمر وتصير قاعدة ” للذكر مثل حظ الأنثيين ” حسب الفهم القائم إذا طبقها وعمل بها من يسمح له وضعه بالتنازل وإيثار الأنثى على نفسه مسبة في حقه ومنقصة من قدره وتلازمه كوصمة عار، حينها لن نحتاج إلى مراجعة الأنصبة ولا إلى قوانين مرغمة تخضع لها الرقاب بعد أن نعي أن القرآن الكريم قد راعى وضع الرجل المحتاج المحدود الدخل والملزم بالإنفاق فمكنه من بعض ما هو لأخته أو زوجه في حال قدر الله عليه رزقه وندبه إلى التنازل والكرم إذا نعمه الرب المنعم الكريم وأغناه وضعه المالي عما جعله الخالق الحكيم حقا لسواه.. أما إذا أقر المراجع والعلماء والدعاة والوعاظ ما تقدم وتبنوه ونقلوه إلى العامة والمريدين وبقي الوضع على ما هو عليه وظل العمل بفهم السلف قائما ودائما للذكر ضعف ما للأنثى فلا مناص ساعتها من الأخذ بفهم فضيلة الشيخ المهندس محمد شحرور، وعجيب أمر من ينادي بإعادة النظر في المواريث ويدعو إلى تكاثف جهود أهل العلم وقد طرق سمعه ما تفضل به الشيخ المهندس ولم يرقه ولم يستحسنه ولم يقدر كلام الشيخ المهندس حق قدره وضالة القوم والتام والبديع مما جاد به فضيلة الشيخ قراءته لقوله تعالى (يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْل ُحَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ)[14]وقد فهم جنابه الكريم أن للذكر ما للأنثى وصح الفهم ورشد فيكون نصيب الذكر في حال شاركه أنثيين مساويا لنصيب الأنثيين أي مساويا لنصيب الأنثى الواحدة المساوي نصيبها لنصيب الثانية فيكون للأنثيين الثلثين وللذكر الثلث، وفهم الشيخ المهندس حفظه الله من قوله تعالى (فَإِن كُنّ َنِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَت ْوَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْف)فهم أنه في حال قابل كل ذكر أكثر من أنثيين فلهن الثلثين وللذكر الثلث ويكون بذلك فهم السلف الصالح لقوله تعالى (لِلذَّكَر ِمِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ) لا يتحقق إلا في حال وجود أربع إناث مقابل الذكر الواحد وله ثلاثة أضعاف ما للأنثى في حال قابله ست إناث وله أربعة أضعاف في حال كن ثمان إناث و هكذا دواليك ولنلحظ ولنسجل هنا أنه قلما تقابل الذكر أكثر من أنثيين ولأهل علم الإحصاء أن يؤكدوا المقولة وبالتالي قلما يزيد حظ الذكر عن نصيب الأنثى بفهم الشيخ المهندس، قد يقول قائل أن الفهم ينتظم ويصح لو جاء اللفظ القرآني كالتالي (فإن كن فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) أما وقد وردت مفردة (نساء) فيفهم فقط أنه إن كان الأولاد المذكورين في مطلع الآية (يوصيكم الله في أولادكم) إن كانوا كلهم إناثا، و الجواب أي نعم ذاك أحد شقي المعنى أي إن كان الأولاد إناثا جميعهم والشق الثاني أي إن كان مقابل كل ذكر فوق أنثيين ومفحم ما نافح به الشيخ المهندس ودعم به قوله حيث ذكر أن القرآن الكريم في العدد الصحيح يستعمل (أكثر) كقوله (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ)[15] وقوله (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَو ٱمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ فَإِن كَانُوۤاْ أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِ)[16] ولنلحظ أنه في الآية الأخيرة قال المولى القدير (فإن كانوا أكثر من ذلك) ولم يقل (إن كانوا فوق ذلك) لأن العدد قطعا صحيح إذ لا يعقل أن يكون لهالك أخ ونصف أو أخت وثلث أو أخ وأخت وأربعة أخماس الأخ أو الأخت وغير ذلك من استعمالات أكثر للعدد الصحيح كثير لكن في المقام ومادامت احتمالية أن يقابل الذكر من الإناث عدد غير صحيح قائمة كأن يوجد مثلا خمس إناث وذكرين فيكون المقابل كسرا لا عددا صحيحا أي مقابل كل ذكر أنثيين ونصف استعمل القرآن لفظ (فوق) بدل (أكثر) والمعنى أنه إذا قابل كل ذكر فوق اثنتين ولو بعشر واحد كان لهن ولا أقول لهما لأن عشر الأنثى صير الأنثيين نساء وللمعنى كذلك ورد لفظ ” نساء ” أي فوق اثنتين فهن نساء شريكات في الثلثين وللذكر الثلث الباقي، وقوله (وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْف) يُحمل كذلك على الوجهين أي إذا كانت هناك أنثى واحدة مع غياب الذكر فلها نصف ما ترك وإذا قابلت كل ذكر أنثى واحدة فلها النصف وللذكر النصف، قد يقول قائل أنه لو كان الأمر و القسمة كما نقول لقال المولى القدير (يوصيكم الله في أولادكم للذكر ما للأنثى) وينتهي الجدال بصيغة بسيطة ومفهومة وواضحة والجواب أن القائل المجادل لو كان راعى ووضع في الحسبان ما كان عليه الحال وما كانت عليه العرب أيام الدعوة لعلم أن اللفظ القرآني جاء كما نعلم حتى يكون هناك تدرج في الفهم وخطوة خطوة يكون الإنصاف والمناصفة وذاك أدعى للقبول إذ ليس من السهل تغيير الموروث الذي اعتاده الناس وألفوه ضربة واحدة وقد حصل التدرج حيث فهم السلف الصالح في الوسط والمجتمع الذي كان يحرم المرأة من الميراث بل كانت المرأة نفسها ضمن المتاع، هي نفسها تورث وليس فقط لا ترث، فهموا أن للأنثى نصف ما للذكر وكان ذلك إنصافا للمرأة باعتبار ما كان ومقارنة بما كانت عليه الأمم والشعوب ويروى أن بعض صحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لم تعجبهم القسمة وما فهموه من آيات المواريث رغم أن فهمهم ضاعف للذكر وأملوا أن ينسى بعض ما أنزل الله، واليوم ومع الثورة الحقوقية و القيم الكونية لنا أن نخطو خطوة أخرى فنفهم كما يفهم الشيخ المهندس أي للذكر ما للأنثى ويزيد حظ الذكر عن حظ الأنثى حتى يصير أضعافا مضاعفة – وقلما يكون ذلك – ابتداء من وجود فوق انثيين مقابل كل ذكر، ولو تأملنا من موقع الحياد وبعد التجرد من كل تقديس للأفهام الموروثة وآمنا بإمكانية وجود قراءة أو قراءات أخر أدق وأحكم لما تحرج الكثيرون ممن يعتبر رأيهم وخلافهم من إقرار ما جاء به الشيخ المهندس وأختم بالقول أنه لو كان معنى ” للذكر مثل حظ الأنثيين ” أي للذكر ضعف ما للأنثى لجاء اللفظ القرآني كالتالي ” للذكر مثلي أو مثلا حظ الأنثى ” لمَ يا ترى؟ لأنها هي الصيغة التي تقر للأنثى بحقها في التملك وتحقق لها الاستقلالية وتجعل للذكر في آن ضعف ما للأنثى أما أن نتبنى الفهم القائم ويكون للذكر ضعف حظ الأنثى فنحن بالضرورة وضمن الفهم وبالقسمة القائمة لا نقر للأنثى بحقها في التملك ولا تصرفها فيما تملك ولا نعرف لها استقلاليتها وفردانيتها وبين الفهمين المختلفين للفظ القرآني يصير الرجل والمشرع مخيرين بين أن تسوى الحظوظ وتكون الأنثى كيانا مستقلا وفردا يتملك ويشري ويشتري أو أن تركم الإناث وتجعل مثنى مثنى ودزينات دزينات وكأنهن شيئا أو سلعة يضم بعضها إلى بعض.. قد يقول حقوقي ممن لهم مواقف مسبقة من كل ما تعلق بالدين والشرع السماوي وبعد أن أثبتنا له وأرضينا نزعته الحقوقية وصار للذكر ما للأنثى في حال كانت واحدة أو كانتا اثنتين ويزيد حظ الذكر عن الأنثى حتى يضاعف إذا قابل الذكر فوق أنثيين، قد يقول ما زالت السماء جائرة وما زالت حقوق الأناث مهضومة ولمَ يزيد نصيب الذكر عن نصيب الأنثى؟ والجواب أنه مثلا لو كانت ست إناث مقابل الذكر وقلما يكون فساعتها سيكون حظ الذكر ثلاثة أضعاف حظ الأنثى لكن سيكون احتمال أن تكون إحدى أخواته الست مريضة عليلة أو عاطلة و عانس وارد وقد تكون إحدى أخواته أرملة أو مطلقة ولها عيال ضمهم إلى عياله وهو من يعول ويمون ويداوي وقد راعى الشرع القويم حال الأسر ووضع الأخ المعيل فزيد له في حقه مراعاة لأعبائه ونفقاته وليهنأ المناضل الحقوقي فقد تقدم أن الرجل مندوب بالفهمين معا، الفهم الموروث وفهم الشيخ المهندس، مندوب إلى التنازل عن شيء من نصيبه حتى تكون له عليهن درجة ويكون قواما .. هذا والله تعالى ورسوله أعلم.

[1] سورة النساء، الآية 11

[2] سورة النساء، الآية 34

[3] سورة البقرة، الآية 228

[4] رواه ابن ماجة وأحمد

[5] سورة النساء، الآية 6

[6] سورة النساء، الآية 4

[7] سورة البقرة، الآية 237

[8] رواه البخاري

[9] رواه البخاري ومسلم

[10] رواه الترمذي وصححه الألباني

[11] سورة الفجر، الآية 16

[12] سورة النساء، الآية 65

[13] سورة النساء، الآية 19

[14] الآية 11 من سورة النساء

[15] الآية 7 من سورة المجادلة

[16] الآية 12 من سورة النساء

اترك تعليقاً