قلنا إن الرسالة تتألف من الحدود “حدود الله” والعبادات التي تعتبر من الحدود والوصايا. أما في الأمور الأخرى فقد أورد الكتاب مصطلح المعروف والمنكر أي ما تعارف عليه الناس وما أنكره الناس طبقا للزمان والمكان حيث أن الأعراف هي أساس القوانين الوضعية الإنسانية، وقد اعتبرها الكتاب أيضا أساس التشريع ضمن حدود الله.
وهناك أيضا تعليمات جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمقام النبوة وليس بمقام الرسالة بقوله: {يا أيها النبي} وذلك لتبيان أنها تعليمات خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو تعليمات مرحلية جاءت لحقبة معينة مثل توزيع الغنائم، أو تعليمات عامة للمسلمين ولكنها ليست تشريعات.
أولاً – المعروف والمنكر:
{الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} (التوبة 112).
-“المعروف” لغويا جاء من “عرف” ومنه جاء المعرف والتعريف فنقول لغويا إن هناك “ال” التعريف ونقول إن الإضافة في اللغة للتعريف.
-والمنكر جاء من “نكر” وهو يشمل غير المعرف. فعندما جاءت الملائكة إلى إبراهيم قال: {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون} (الذاريات 25). وعندما جاءت الملائكة إلى لوط قال: {فلما جاء آل لوط المرسلون * قال إنكم قوم منكرون} (الحجر 61، 62).
وعندما قدم إبراهيم الطعام إلى الملائكة قال: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا ارسلنا إلى قوم لوط} (هود 70). وقول موسى للعبد الصالح عندما قتل الغلام: {لقد جئت شيئا نكرا} (الكهف 74). وقول سليمان: {قال نكروا لها عرشها} (النمل 41). وعدم معرفة أخوة يوسف في قوله: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون} (يوسف 58). وقوله تعالى: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} (الأنبياء 50). وقوله: {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} (المؤمنون 69).
هنا نلاحظ كيف استعمل فعل نكرهم، ومنكرون للدلالة على عدم معرفتهم، وللدلالة على أنه رآهم للمرة الأولى ولم يعرفهم من قبل. فالنكرة تدل على حالتين: إما الجهل وعدم المعرفة والمفاجأة كحالة إبراهيم أو لوط أو موسى أو سليمان ومنه يتولد مفهوم الاستنكار. لأن الإنسان عندما يرى شيئا لم يألفه فقد يستنكره وهذا هو المعنى الإيجابي للمنكر، كأن يشاهد الإنسان أمورا غير مألوفة فتدخل في مفهوم المنكر فيستنكرها. أو يشاهد أو يسمع أمورا لا تدخل في الذوق العام للمجتمع كقوله تعالى: {واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} (لقمان 19).
أما المعنى السلبي للمنكر فهو إنكار الشيء وتجاهله عن سابق معرفة به كقوله تعالى: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون} (النحل 83). وقوله: {ومن الأحزاب من ينكر بعضه} (الرعد 36).
أما قوله عن العذاب بأنه نكر ونكير فهو عذاب لم يسبق أن عرفه الإنسان وألفه كقوله: {قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا} (الكهف 87). وقوله: {فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا} (الطلاق 8). وقوله: {يوم يدع الداع إلى شيء نكر} (القمر 6).
وعندما أخذ الله قوم نوح بالطوفان وقوم هود بالريح وقوم صالح بالصيحة والرجفة وقوم لوط بحجارة من سجيل وفرعون بالغرق فقد أخذهم الله بعذاب لم يستعدوا له ولم يعرفوه مسبقا لكي يستعدوا له لذا قال: {فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير} (الحج 44). وقوله: {ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير} (الملك 18). وقوله: {وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير} (سبأ 45). أما قوم شعيب فقد حذرهم بأن العذاب سيأتيم على غرار العذاب الذي جاء قبلهم لذا قالك {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد} (هود 89).
فعندما عذب الله قوم شعيب كان عذابهم على غرار قوم صالح حيث قال: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} (هود 94). وأتبعها بقوله: {ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود} (هود 95). هنا كان عذاب قوم شعيب معروفا لهم من قبل. أما القول بأن هناك ملكين الأول منكر والآخر نكير يأتيان إلى الميت في القبر فلم نجد له أي أساس في العقيدة الإسلامية.
ومن هنا جاء مفهوم المعروف والمنكر. فالمعروف هو ما عرفه الناس ثم تعارفوا عليه فأصبح مألوفا للذوق والقبول الاجتماعي وهو بهذا له معنى إيجابي. والمنكر هو ما نكره الناس ثم استنكروه اجتماعيا أي أصبح مستهجنا غير مألوف للذوق الاجتماعي. لذا فإن مبدأ (المعروف والمنكر) هو من أهم أس السلوك الإسلامي العام. وهو مفهوم متطور حسب الزمان متغير حسب المكان ويغطي كل سلوكيات المسلم بالأمور التي لا تتعلق بالحدود. فعندما نصح الله سبحانه وتعالى المرأة المؤمنة باللباس الخارجي طلب منها أن يكون حسب الأعراف السائدة في البلد الذي تعيش فيه بقوله: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} (الأحزاب 59).
فهنا ربط المعرفة بالأذى بشكل مباشر تماما. وعندما أمر الله سبحانه وتعالى النبي بسلوكية لا تتعلق بالنصوص قال: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف 199). فهنا تبين لنا أن كل الأحاديث النبوية التي ليس لها علاقة بالعبادات والحدود والغيبيات إن صحت فهي أحاديث تتعلق بالأعراف وخاضعة للتبديل ولا يوجد فيها حرام وحلال، أي أن توافق السلوك الإنساني الاجتماعي ضمن الأعراف السائدة في زمان ومكان محددين حصرا، لذا فلا يقاس عليها. فلباس المرأة المسلمة والرجل المسلم في المدينة المنورة في زمن الخلفاء الراشدين هو ليس لباسا يقاس عليه لباس المسلمين في كل زمان ومكان.
وهكذا يجب أن نفهم مصطلح المعروف في الكتاب. فقد جاء المعروف كمصطلح مطلق استعمل في مجالات عديدة بحيث يفهم ويطبق بشكل نسبي من المسلمين.
لنورد الآيات التالية حول المعروف:
1 – {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا…} (لقمان 15).
لقد أمر الله بطاعة الوالدين وعدم عقوقهما، أما عندما يصل الأمر إلى الشرك “انظر مبحث الفرقان” فعليه أن لا يطيعهما ولكن يجب أن تكون علاقته معهما حسب ما تقتضيه الأعراف السائدة في بر الوالدين. فالمسلم الإنكليزي يبر والديه حسب أعراف الإنكليز، والمسلم اليمني يبر والديه حسب أعراف اليمن… وهكذا.
2 – {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} (البقرة 178).
{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} (البقرة 228).
{فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} (البقرة 231).
{فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بنيهم بالمعروف} (البقرة 232).
{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} (البقرة 233).
{ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف} (البقرة 236).
{فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف} (البقرة 240).
{وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} (البقرة 241).
{ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} (النساء 6).
{وعاشروهن بالمعروف} (النساء 19).
{فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} (الطلاق2).
{وقلن قولا معروفا} (الأحزاب 32).
{فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف} (الطلاق 6).
لقد وضحت الآيات السابقة مفهوم المعروف بشكل صريح، والأعراف بين الناس هي التي تحدد العلاقات العملية، فعلاقة ولي أمر اليتامى باليتامى من حيث النفقة، وعلاقة الرجل بزوجه معاشا أو طلاقا، والأخذ والعطاء بين الناس ينبع من الأعراف، وعلاقة المسلم بزوجته في لندن من حيث المعاش والطعام والكساء حسب أعراف لندن التي تحدد العلاقة العرفية بين الرجل وزوجه. وعلاقة المسلم بزوجه في اليمن تتحدد بأعراف اليمن التي تحدد العلاقة المعروفة المقبولة بينا لرجل وزوجه… وهكذا دواليك.
حيث أن الحرام عند المسلم لا يدخل تحت الأعراف أي إذا كانت الأعراف في بلد ما تبيح لحم الخنزير، فعلى المسلم أن لا يدخل أكل لحم الخنزير ضمن أعراف الطعام عنده لأن تحريم لحم الخنزير من الحدود لا من الأعراف. وإذا وجد مسلم في بلد ما تبيح أكل لحم الخنزير في أعراف الطعام، فعليه أن يرفض ذلك بكل لباقة وكياسة وبدون تشنج. لذا فقد غطى الإسلام تحت مصطلح المعروف والمنكر كل الأمور التي لم يرد فيها نص صريح واضح أو الحركة بين الحدود، وجعل مفهوم المعروف والمنكر جزءا لا يتجزأ من الدين الإسلامي ومن سلوكية المسلم.
وبما أن الأعراف وليدة العلاقات الاقتصادية وشروط البيئة، لذا فهي متغيرة حسب المكان والزمان. فأعراف أهل البادية والصحراء تختلف عن أعراف أهل الغابات والجبال العالية فيا لطعام والشراب والملبس وأسلوب الضيافة واأفراح والمآتم. وكذلك الوضع الاقتصادي والعلاقات الإنتاجية تؤثر على الأعراف. فأعراف الأغنياء في نفس البلد تختلف عن أعراف الفقراء. وكذلك ظهور سلعة جديدة في الإنتاج تؤثر على الأعراف لأنها ستدخل ضمن دائرة التبادل التجاري والاستعمال وهكذا يجب علينا أن نعرف أن مفهوم “المعروف والمنكر” هو مفهوم حنيفي متطور غير ثابت.
هنا يجب على القارئ أن لا يخلط بين مفهومي الأعراف والأخلاق لأن بعض الناس ما يزالون يخلطون بين هذين المفهومين. فالأخلاق جاءت في الكتاب صراحة وأضيف إليها مفهوم الأعراف إضافة “انظر مبحث الفرقان”.
فمفهوم اللحية ولباس الرجل والمرأة وعلاقة الزوج بزوجه والعلاقات الأسرية المعاشية تدخل تحت بند الأعراف لا تحت بند الحلال والحرام أي لا تدخل تحت بند حدود الله. وهذا ما علينا أن نفعله نحن المسلمين حيث أمرنا الله بذلك: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (آل عمران 104)، {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عنا لمنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران 110). {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله} (التوبة 112).
لاحظ في الآية 112 سورة التوبة كيف فصل المعروف والمنكر عنا لحدود. هذا ما يجب أن نفهمه تماما نحن المسلمين بأن هناك كثيرا من الأحاديث النبوية إن صحت فهي أحاديث أعراف، لا أحاديث حدود. أي أن هذه الأحاديث غير قابلة أن يقاس عليها حتى ولو صحت لأنها وليدة بيئة لها معطياتها وقد تغيرت هذه البيئة وتغيرت معطياتها “انظر فصل السنة النبوية”.
ثانياً – التعليمات للنبي:
-الآيات التي جاءت في أما لكتاب والتي خاطب بها الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “يا أيها النبي” أي من مقام النبوة وليس من مقام الرسالة والتي تشكل التعليمات الخاصة أو العامة.
إن الآيات التي جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا إياه في مقام النبوة هي آيات تعليمات وليست حدودا أو تشريعات عينية، أي ليس لها علاقة بالحلال والحرام. لنورد الآن مثالا ليتبين الفرق بين التشريع والتعليم:
المثال هو: إذا قتل إنسان إنسانا، فإن الدولة والسلة ستقبض عليه وتحاسبه، وقد تحكم عليه بالإعدام حتى لو ادعى أنه لا يعلم أن القتل ممنوع، وأن حادثة القتل هي حرام عند الله سبحانه وتعالى، فقتل النفس يدخل تحت بند الحرام والحلال. لذا فإن حادثة قتل النفس بالنسبة لله تعالى إذا لم يعاقب فاعلها فلها ما بعدها أي سوف لن تمر عند الله بدون أي شيء: {من قتل نفسا…} (المائدة 32).
ولكن إذا شرب إنسان ما الحليب دون غلي، وهذا الحليب يمكن أن يسبب التسمم، وهناك من نبهه بأن شرب الحليب بدون غلي يسبب التسمم وأن الشارب سمع ذلك من التلفاز والصحف والإذاعة وكل وسائل الإعلام، ومع ذلك شرب الحليب بدون غلي وتسمم، فما هو رد فعل السلطة والله عليه؟ الجواب: لا شيء. لأنه هو تسمم وتحمل نتيجة شرب الحليب بنفسه أي أن هذه الحادثة بالنسبة للسلطة ولله سوف تمر بدون أن يكون لها ما بعدها. أما إذا وضعت السلطة تشريعا بالنسبة لشرب الحليب، فإن السلطة تتدخل وتعاقبه.
لنأخذ الآن آية حلال وحرام “حدود” وآية أخرى فيها تعليمات:
الحلال والحرام “الحدود”:
- {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبنا نكالا من الله والله عزيز حكيم} (المائدة 38). عقوبة وتحريم.
- {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} (الأنعام 151). تحريم.
- {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} (المائدة 32). تحريم.
- {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (المائدة 45). عقوبة.
إن كل الوصايا والحدود التي جاءت في الكتاب والفرقان “الوصايا العشر” تعبير عن الحلال والحرام، أي أن التقيد بها يستدعي رضى الله سبحانه وتعالى. وعدم التقيد بها يستدعي غضب الله سبحانه وتعالى. مثل الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل الولد من إملاق والفواحش “الزنا واللواط زواج المحارم” وقتل النفس وأكل مال اليتيم وعدم الوفاء بالكيل والميزان “الإخلال بالمواصفات” وشهادة الزور وحنث اليمين. والوصية العاشرة هي الخاصة بالتقيد بالوصايا التسع السابقة وفيها التقوى الاجتماعية. وكذلك الحدود أي التقيد بها يستدعي رضى الله وبالتالي ثوابه. ومعصيتها يستدعي غضب الله وبالتالي عقابه.
وعلينا أن نعلم أن الفرقان “الوصايا العشر” هو من أهم تشريعات أم الكتاب التي على المسلمين التقيد بها إلى أبعد حد من أجل استقامة حياتهم الاجتماعية. لذا جاء في الوصية العاشرة: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام 153).
أما التعليمات التي جاءت من الله سبحانه وتعالى والتقيد بها فيه مصلحة للناس دون أن يستدعي ذلك غضبا أو رضى من الله، أي دون أن يكون هناك ثواب وعقاب، أو أنها جاءت خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم لمرحلة تاريخية معينة. هذه الآيات بدأت بقوله تعالى: {يا أيها النبي}.
لنورد الآن هذه الآيات:
- {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} (التوبة 73) (التحريم 9).
- {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك يبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم} (التحريم1).
- {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} (الأنفال 64).
- {يا ايها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} (الأنفال 65).
- {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم} (الأنفال 67).
- {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} (الأنفال 68).
- {يا أيها النبي قل لمن في أيدكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم} (الأنفال 70).
- {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} (التوبة 113).
- {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين} (التوبة 120).
- {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} (الأحزاب 28).
- {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} (الأحزاب 59).
- {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كهجر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} (الحجرات 2).
- {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} (الحجرات 3).
- {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} (الأحزاب 53).
- {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} (الطلاق 1).
لنأخذ الآن الآيات المذكورة:
1 – لنأخذ قوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم} (التحريم 1). هنا خاطب محمدا صلى الله عليه وسلم بمقام النبوة بقوله “يا أيها النبي” فهذا يعني أن هناك تصرفا شخصيا من النبي صلى الله عليه وسلم حرم فيه أشياء على نفسه فقط من أجل إرضاء زوجاته، وهنا نريد أن نضرب مثالا على ذلك: فإذا امتنع إنسان عن لبس لون من اللباس أو أكل نوع معين من الطعام المحلل إكراما لزوجته فهذا تصرف شخصي بحت ومسموح ولكنه غير إجباري. وهذا ما فعل النبي، إذ أنه امتنع هو بنفسه عن أشياء معينة ولم يأمر الناس أن يقلدوه بهذا الامتناع ومع ذلك فقد عاتبه الله سبحانه وتعالى على ذلك دون أن يكون هناك أية تبعة من ثواب أو عقاب بقوله: {والله غفور رحيم} (التحريم 1).
الآن لو بدأ الآية بقوله طيا أيها الرسول لم تحرم ما أحل الله…) فهذا يعني أن أمر الرسالة يصبح مشكوكا فيه، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم يحرم الحلال من الناحية التشريعية، لا من جهة الامتناع الشخصي عن شيء محلل. وهذا مما يدل على أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان معصوما في تبليغ التشريعات عن ربه “الرسالة” ومعصوما في أداء الأمانة عن ربه “
القرآن” وهوا لنبوة وهنا تكمن عصمته حصرا.
ثم إن الله تعالى لو قال يا أيها الرسول لحذف الضمير المنفصل “لك” أي لقال “يا أيها الرسول لم تحرم ما أحل الله تبتغي مرضاة أزواجك…” ولحذف تعبير “والله غفور رحيم”. وهذا جاء في مقال آخر بقوله: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين} (الحاقة 44، 45، 46). أما المنهج النسبي لتطبيق هذه الرسالة عمليا فكان في اسنة لذا قال: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} (التوبة 117). ولو قال “لقد تاب الله على الرسول” فهذا يعني أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم عصى أوامر الله في أمور تتعلق بالرسالة وهذا ما هو معصوم عنه.
هنا يجب أن نفهم القاعدة التالية مرة أخرى وهي أنا لحدود والوصايا من الناحية التشريعية فيها حلال وحرام وعليها تبعة. والأوامر من الناحية التعليمية ليس فيها حلال وحرام وليس عليها أية تبعة من ثواب وعقاب.
2- لنأخذ الآن قوله تعالى: {يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} (التوبة 73، التحريم 9). هنا خاطب اله محمد صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظ عليهم ولم يعط الآية مقام الحكم التشريعي أي أنه لو أعطاها مقام الحكم التشريعي لبين التبعية من ثواب وعقاب وعوضا عن أن يعطي التبعية للمأمور وهو النبي وضع التبعية على الكفار والمنافقين أنفسهم بقوله: {ومأويهم جهنم وبئس المصير} (التوبة 73، التحريم 9).
فهذه الآية تعليمية وليست تشريعية أي أنك إذا لم تجاهد الكفار والمنافقين وتغلظ عليهم يمكن أن ينتصروا عليك وعقوبتك هي انتصارهم عليك. ونضرب مثالا آخر: إذا لم يحافظ الإنسان على نفسه من المرض ولم يأخذ لقاحات ضد الأمراض السارية يمكن لهذه الأمراض أن تنتصر عليه، فهذا أمر تعليمي لا تشريعي.
3- {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألف من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} (الأنفال 65). هنا جاءت الآية بشكل واضح إخباري تعليمي أي الآية: تحريض المؤمنين على القتال وهو أمر تعليمي لا تشيعي، لذا فإن التحريض يمكن أن يكون بالترغيب والترهيب أي يمكن أن يكون بالمال والغنائم وبالموسيقى والشعر أو بالوطنية، ثم أتبع التحريض بأمر إخباري هو المعادلة بينهم وبين الكافرين.
4- {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} (الأنفال 64). نرى أن هذه الآية خبرية بحتة “تعليمية”.
5- {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم} (الأنفال 67).
{لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} (الأنفال 68).
هذه الآية جاءت تعليمية بحتة وليست تشريعية حيث أن الله تعالى يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب قتل الأسرى في بداي القتال إلى أن تميل الكفة، فعند ذلك يمكن أن يأخذ أسرى. وهنا وضع في الآي التي بعدها وهي الآي 68 قوله: {لولا كتاب} وكما قلت فالكتاب هو مجموعة الشروط الموضوعية الموجودة في الطبيعة بالقوة أو مجموعة التشريعات لاتي فرضت على الإنسان بالفعل، وهذا الكتاب الذي سبق هو كتاب الحرية أي أن الإنسان خلق حرا ويمارس أفعاله بنفسه، وقد مارس النبي هذه الحرية في الخيارات واختار عدم قتل الأسرى وكان خاطئا، ففهمه الله أن هذا خطأ وليس حراما.
ولو قال “ما كان لرسول أن يكون له أسرى…” لأصبح هذا القول حكما شرعيا له ما بعده من ثواب وعقاب. ولأصبحنا نحن المسلمين مطالبين بأن نقتل الأسرى، وإذا لم نقتلهم نكون قد عصينا الله تعالى وعلينا تبعة عند الله.
6- {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم} (الأنفال 70). أيضا هنا الآية إخبارية بحتة ولا يوجد فيها ثواب وعقاب ولا حدود.
7- {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تين لهم أنهم أصحاب الجحيم} (التوبة 113). هنا يخبر الله النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يجب أن لا يستغفر للمشركين أي أنه لو استغفر لهم فإن الله لن يستجيب لدعائه لا أكثر من ذلك ولا أقل منه، أي أنه إذا استغفر مؤمن لمشرك حتى ولو كان النبي هو المستغفر فإن الله لن يستجيب لهذا الاستغفار ولكن لا يوجد هناك أي عقاب لهذا قال: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} (التوبة 80).
8- {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} (الأحزاب 28). لاحظ هنا أن الأمر تعليمي إخباري بحت، أي أنه إذا أراد أزواج النبي الحياة الدنيا فإنه سوف يعطيهن إياها أي أنه لا يوجد أي تشريع في ذلك. وعندما حرم الله نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه تحت بند الحرام قال: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} (الأحزاب53). وأتبعها بقوله: {إن ذلكم كان عند الله عظيما} (الأحزاب 53). علما بأنه في بداية الآية ذكر من باب التعليم لا من باب التشريع الدخول إلى بيت النبي {لا تدخلوا بيوت النبي} (الأحزاب 53).
وعندما ذكر الثواب والعقاب في أوامر القتال ذكرها في مقام الرسالة وهو {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} (التوبة 120) فأتبع ذلك بذكر الثواب والعقاب بقوله: {ذلك بأنهم لا يصبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين} (التوبة 120).
وعندما أمر أهل الكتاب باتباع محمد صلى الله عليه وسلم قال: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} (الأعراف 157). هنا لاحظ ذكر الرسالة بعد فعل يتبعون. وذكر في مقام الرسالة: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} (الأعراف 157). هنا لاحظ كيف ذكر الأمور التشريعية التي هي من مقام الرسالة ثم ذكر التبعية فأتم الآية بقوله: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} (الأعراف 157) لاحظ كيف ذكر التبعية من اتباع الرسالة.
وبما أن القرآن ليس من الرسالة وإنما معها قال: {واتبعوا النور الذي أنزل معه}. هنا قال “معه” ولم يقل “عليه” أو “إليه” ثم ذكر في الآية التي بعدها خطابا إلى الناس بشأن الرسالة بقوله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (الأعراف 158).
هنا لاحظ كيف ذكر أولا الرسالة، وبما أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي ذكر النبوة، وأن النبوة علم وليست تشريعا لذا قال: {ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته} هنا قال الإيمان بالله وكلماته، وكما قلنا إن كلام الله هو كل الموجودات لذا فهي تشمل جميع أنواع الإيمان باليوم الآخر وكتبه ورسله والملائكة والبعث والساعة والجنة والنار لأنها كلها كلمات الله وهي كلها مخلوقة لذا قال: {يؤمن بالله وكلماته}. ثم ذكر التبعية بقوله: {واتبعوه لعلكم تهتدون}.
وعندما أعطى تعليمات لا تشريعات بأن لا نرفع أصواتنا فوق صوت النبي قال: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كهجر بعضكم لبعض}. ثم أتبعها إخبارا {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} (الحجرات 2).
ثم عندما أراد أن يحول هذه التعليمات إلى تشريعات أتبعها بالآية التي بعدها بقوله تعالى: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} (الحجرات 3) لاحظ كيف ذكر التقوى مع الرسالة ثم ذكر التبعية وهي {لهم مغفرة وأجر عظيم}.
وعندما ذكر المثل الحسن والأسوة ذكرها في مقام الرسالة: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب 21).
9- لنأخذ الآن الآية الأولى من سورة الطلاق والتي يبدأ الخطاب فيها بقوله تعالى: {يا أيها النبي}:
{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} (الطلاق 1). هنا جاء الخطاب بصيغة “يا أيها النبي” ونلاحظ هنا أيضا أن التعدي فيه ظلم للنفس لقوله: {فقد ظلم نفسه}. كما قلنا سابقا إن من قتل نفسا بغير حق فعليه تبعة من الله “عقاب” وأما من يشرب الحليب بدون غلي فإنه أضر نفسه ولكن بدون تبعة لذا قال: {فقد ظلم نفسه}.
أما في حدود أخرى كالإرث فتعديها فيه نار جهنم. وعندما ذكر التقوى ذكرها في الآي التي تليها “انتبه لمواقع النجوم” وذلك عند بلوغ الأجل وذلك بإحسان بمعروف أو فراق بمعروف لذا وضعها على شكل موعظة، وتنفيذ هذه الآية فيه تقوى لذا قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} (الطلاق 2). هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى لماذا قال: {تلك حدود الله}. أي أكد أنها من الحدود وبدأها بقوله: {يا أيها النبي}؟
أقول: إن السبب هو قوله: {وأحصوا العدة} وكما قلت في مبحث نظرية المعرفة إن الإحصاء يختلف عن العد، فالإحصاء هو تعقل الأشياء وربط أجزاء الأشياء بعضها ببعض للحصول على تصور كامل وهذا ما سميته بالكم المتصل فهنا أعطانا حدودا مرتبطة بالمعلومات المتوفرة لدينا.
فالسبب الأساسي للعدة هو أن تكون المرأة غير حامل لذا قال: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (الطلاق 4)
. فالمرأة الحامل أجلها وضع الحمل. هنا نلاحظ الدقة الكبيرة في التعبير قال وضع الحمل ولم يقل الولادة. لأن وضع الحمل يمكن أن يكون بالولادة أو بالإجهاض، فإن حصلت الولادة، فالعدة منتهية. وإن حصل الإجهاض فالعدة منتهية.
قد يقول قائل إذا كان هناك ريبة أو شك في الطريقة العلمية لكشف الحمل ففي هذه الحالة أعطى البديل على الأشكال الثلاثة التالية:
أ – اللاتي يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر.
ب – اللاتي لم يحضن بعد فعدتهن ثلاثة أشهر.
ت – المرأة ذات الحيض ولم تبلغ سن اليأس، أي في سن بين بداية الحيض وسن اليأس، فعدتها ثلاثة قروء والقرء الواحد هو مجموع فترة الطهر وفترة الحيض.
هنا نلاحظ أن عدة المطلقة هي من الحدود وقد ذكرها صراحة. فالحد الأعلى هو ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء، والحد الأدنى يتبع المستوى المعرفي في الطب وهو التأكد بأنها غير حامل. ونلاحظ أن زمن الثلاثة قروء هو زمن أقل أو أكثر أو يساوي الثلاثة أشهر: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} (البقرة 228). ولكن يضع الأمر الأول والثاني مع إضافة أولات الأحمال قال: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} (الطلاق 4). ثم أتبعها {ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا} (الطلاق 5).
لنأخذ الآن الآية رقم 50 من سورة الأحزاب.
{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملك أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما} (الأحزاب 50).
هنا نلاحظ في هذه الآية أنها بدأت بقوله “يا أيها النبي” ولم تبدأ بقوله “يا أيها الرسول” ففي هذه الآية يوجد تعليمات ليس لها علاقة بالحلال والحرام جاءت حصرا للنبي صلى الله عليه وسلم حسب الشروط الموضوعية التاريخية. ولو كان هناك حرام وحلال لذكرها صراحة بقوله: “يا أيها الرسول”.
والمهم في هذه الآية أمران: الأول: لماذا قال: {أحللنا لك}. وذكر بنات العم والعمات والخال والخالات وأتبعها بـ {اللاتي هاجرن معك}؟ هنا جاءت في هذه الصيغة لأن الأساس في الزواج وفي الحياة الاجتماعية أن لا يتزوج الإنسان من أقاربه المذكورين في هذه الآية، وأن الزواج من الأقارب حالة خاصة وليست عامة، علما بأن التحريم القطعي للأقارب “المحارم” جاء بقوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} (النساء 23). هنا لاحظ قوله: {حرمت عليكم}. في مقام الرسالة وبالنسبة للأقارب {إنا أحللنا لك}. والخطاب في مقام النبوة.
إن على العرب والمسلمين أن ينتبهوا إلى هذه الحالة ويضعوا حدا لزواج الأقارب لأنه إذا فهمنا أن الأساس في زواج الأقارب هو المنع، هذا الأساس ينسجم مع نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بأن يتباعدوا بالزواج. أي إذا سمح بزواج الأقارب أو منع فالأمر من الناحية الشرعية سيان لأن الحدود الدنيا لتحريم نكاح المحارم جاءت في سورة النساء. فأي منع للنساء المذكورات في هذه الآي هو زيادة لا يوجد فيه تجاوز للحد الأدنى لذا قال: {يا أيها النبي}.
لذا فعلى المشرعين في الدول العربية والإسلامية وخاصة الدول العربية بأن يصدروا تشريعا يمنع زواج الأقارب وعليهم أن يعلموا تماما بأن تشريعا من هذا النوع ليس له تبعة عند الله من ثواب أو عقاب. أي أنهم لا يحرمون ما أحل الله ولكن تبعيته على أنفسهم، فإذا سن مثل هذا التشريع فله التبعات التالية على المجتمع:
- تحسين النسل حيث ثبت علميا أن التباعد في الزواج يحسن النسل والتقارب يضعفه.
- توسيع دائرة الأسرة، ففي حالة منع زواج الأقارب ينظر الرجل إلى ابنة عمه وبقية الأقارب وبالعكس نظرته إلى أخته وتنظر المرأة إليهم نظرتها إلى أخيها وبذلك تقوى الروابط الأسرية وتتوسع.
- حسم كثير من المشاكل التي تنشأ من جراء زواج الأقارب، فإذا أرادت فتاة أن تتزوج فابن عمها أحق بها. هذه العادات المنتشرة في الأرياف والتي تتسبب بكثير من المآسي.
- تركز الثروات ضمن الأسرة، ففي حالة وجود أسرة غنية فإن الزواج يتم ضمن الأسرة الواحدة لعدم خروج الثروة إلى خارجها. وفي تحريم زواج الأقارب فإن هذا المحذور سيزول.
وإذا لم يسن مثل هذا التشريع فإن تبعته على أنفسهم.
وأما عند الله فالأمر سيان فلا ثواب ولا عقاب. أما التبعات من عدم سن مثل هذا التشريع فهي على المجتمع فقط وهي:
- ضعف النسل.
- تضييق الدائرة الاجتماعية للأسرة والترابط الأسري.
- المشاكل والمآسي الناجمة بين الأقارب بزواج بعضهم من بعض.
- تركز الثروة في يد مجموعة من الأسر.
أما الآية 59 من سورة الأحزاب حول لباس المرأة فانظر شرحها في مبحث المرأة في الإسلام.
(1) تعليقات
ابوا محمد
لقد شرحت صدورنا جزاك الله خيرا