برنامج روافد – 16-23 / 4 / 2010
تقديم: أحمد علي الزين
كلما زادت معرفتنا بالموجودات زاد قضاؤنا فيها وبالتالي زادت حريتنا.
إنها واحدة من قواعد هذا الرجل الذي وضع أمامه مهمة صعبة وهي قراءة النص الديني وفق السقف المعرفي المعاصر كما يقول، وانطلاقاً من جوهر النص جاعلاً لإعمال العقل مساحة رحبة في استنطاق اللغة والإنسان وفق مناهج العلم.
هو محمد شحرور المفكر الإسلامي الذي شغله هذا الغياب المريع عن العصر وهذا العجز في إنتاج المعرفة، وظواهر التطرف والتكفير والتحريم، فمنذ هزيمة سبع وستين كما يقول، راح يبحث عن الأسباب التي أدت إلى هذا التصنيم، إلى تصنيم التراث وجعله مقياساً ثابتاً لكل ما أتى وسيأتي من تحول وتطور.
بدون شك صعبة وشائكة تلك المسالك التي مهدها محمد شحرور للإتيان بجديد متنور وبقراءة متعارضة مع كثير مما سبقها، وإذا كان السؤال هو تجلٍ من تجليات حرية العقل يفتح على سؤال آخر، على شك أو يقين وعلى سياق لحوار في مسائل صماء وجامدة وعلى المعرفة بكل أبعادها، فعسانا في هذا الحوار مع الدكتور محمد شحرور أن نحقق خطوة ونقترب من القاعدة التي تقول: “كلما زادت معرفتنا بالموجودات زاد قضاؤنا فيها وبالتالي زادت حريتنا”.
سؤال: السؤال الأول الذي يخطر في البال عندما يقرأ المرء نصاً أو بحثاً جديداً يحاول إعادة قراءة النص الديني لإثبات أو للبرهان مرة جديدة عن صلاحية هذا النص لكل زمان ومكان، طالما هذا النص الإلهي صالح لكل زمان ومكان لماذا إعادة التأكيد عليه من قبل الباحثين دوماً؟ يعني هل هناك نوع من الخوف من النسيان؟ من تذكير الناس بذلك؟
د. شحرور: نعم، إعادة التأكيد على صلاحية النص القرآني لكل زمان ومكان لأنه قدّم بصيغة واحدة من قبل التراث، هذه الصيغة غير قابلة للنقاش وغير قابلة للتطور، والدنيا تقوم على التطور والتغير، فبالتالي الخطاب الإسلامي العام الآن هو خطاب محلي ولا يحمل أي صفة عالمية، ويجب البرهان على أن هذا الكتاب صالح لكل زمان ومكان وبالتالي كل سقف معرفي خلال تطور الإنسان، تحت أي سقف معرفي وقف، يجب أن يقرأ القرآن كما لو أن الرسول توفي البارحة وترك لنا هذا الكتاب، يجب أن نقرأه بعيوننا لا بعيون التراث، يجب أن نقرأه ضمن سقفنا المعرفي لا ضمن سقوفهم المعرفية.
سؤال: يعني أنت إلى حد ما نقول ما جاء في الكتب التراثية والتفاسير لا تتفق معها كثيراً؟
د. شحرور: المعرفة أسيرة أدواتها، هم استعملوا أدوات معرفية لزمنهم وقدموا ما قدموه، ونحن عندنا أدوات معرفية معاصرة ونظم معرفية يجب، إذا كان الكتاب صالح لكل زمان ومكان، فيجب أن يتجاوب معها.
سؤال: نضعه على مشرحة المعاصرة.
د. شحرور: نعم يجب أن يتجاوب معها، إذا كان هذا الخطاب عالمي، قال تعالى: {وأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها} الناس.
سؤال: جميعاً يعني
د. شحرور: {لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) هذا الخطاب الإسلامي الآن غير صالح أن يوجه لا لأهل طوكيو ولا لأهل لوس أنجلوس.
سؤال: الخطاب الإسلامي المعاصر؟
د. شحرور: نعم، نحن نتكلم مع أنفسنا، نحن نقف أمام المرآة ونتكلم مع أنفسنا.
سؤال: يعني المأزق يكمن في أن الإسلام الواقعي الذي تسميه أنت الإسلام السياسي المتداول هو الذي جعل هناك نوع من المأزق لحياتنا، لسلوكنا، لموقعنا من التاريخ، لموقعنا من الآخر وقرائتنا للآخر؟
د. شحرور: تفصيل وضع أسس الإسلام وأسس الفقه الإسلامي، أو ما يقال عنه الأصول أو ما هو معلوم من الدين في الضرورة، هذه وضعت في القرن الثاني الهجري، هذه الأسس اعتبرت أنها ثابتة، أنا أريد أن أغير هذه الأسس، أن أطرح أسس جديدة متناسبة مع القرآن ومع العصر، أريد أن أتكلم في الخطاب الإسلامي مع أهل لندن، مع أهل طوكيو قبل أن أتكلم مع أهل القاهرة، ليعرفوا أنه أنا أستطيع أن أتواصل معهم.
سؤال: نعم
د. شحرور: هذه العالمية، إذاً العالمية للإسلام أو للقرآن تتطلب ما يلي: أن يكون هذا النص، كونه هو الخاتم وهو عالمي، مصاغ بطريقة يتجاوب مع السقوف المعرفية للناس، يعني السقف المعرفي لعهد الصحابة والسقف المعرفي في القرن السادس والسابع والآن، مختلفة، فكل إنسان يقرأ هذا المصحف في سقفه المعرفي يستطيع أن ينسجم معه، لكن أنا ضمن السقف المعرفي للقرن الثاني الهجري لا أنسجم، يعني أنا قرأت كتب التفسير، هي غير مقنعة، على الأقل بالنسبة لي، غير مقنعة.
سؤال: وهي تعتبر مقدسة لدى البعض.
د. شحرور: أنا آسف غير مقنعة، ثم نحن خضعنا لنوع من الخديعة، أن الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام شرح القرآن، لا يمكن أن يكون شرح القرآن، لا يمكن لأنه لو كان القرآن صالح لأهل القرن السابع، زمن البعثة النبوية، كان عليه أن يشرحه، ولكن بما أنه جاء لأهل القرن السابع ولأهل القرن الأربعين ولأهل القرن الثمانين، فهو سيشرحه لمن؟ لهم أم لي؟ أم لمن يأتي من بعدي؟ لذا هو كان حريص وكان واع لهذه العملية، الرسول لم يشرح القرآن، اقرأ كل كتب التفسير لا تجد فيها شرح إطلاقاً، لأنه هو نبي، وهذه ناحية مهمة جداً، أن شرح القرآن هو على الناس، عندما يتقدم الناس، كلما تقدمت الناس، وبالمناسبة صلاحية الرسالة المحمدية كلما ابتعدت عن الرسول الأعظم زماناً كلما ظهرت صلاحية أكثر، يعني العملية معاكسة تماماً.
سؤال: طبعاُ وفق قراءة وتأويل جديد يعني اجتهاد؟
د. شحرور: وفق السقف المعرفي.
والسؤال الآخر الذي تطرحه إجابة الدكتور محمد شحرور هو أن الكثير من المجتمعات التي تعتنق ديانات أخرى غير الإسلام، سماوية كانت أم أرضية، لا نجد عندها هذا الهوس في العودة الملحة إلى التراث لحل مشاكل العصر والحياة، فناس هذه المجتمعات رتبوا أوضاعهم وصاغوا طرق حياتهم ووضعوا قوانينهم وعلموا حقوقهم وواجباتهم في ظل مؤسسات لا علاقة لها بما هو ديني، فلقد حسموا أمرهم في فصل ما هو غيبي وديني عما هو حياتي ومعاش ومعاصر، وهم أحرار في خياراتهم وإيمانهم دون المساس بما هو أخلاقي وتاريخي ومطلق ومنصوص عليه في كل الشرائع، إذاً لماذا الإصرار عند المسلمين العرب تحديداً أن يكون التراث هو المقياس وهو المرجع في كل تفصيل من حياتهم؟
د. شحرور: بالواقع، نحن أمة مأزومة ومهزومة، والأمة المأزومة والمهزومة تريد أن ترجع إلى تاريخها لتثبت ذاتها، لتحافظ على هويتها، من هذا المنطلق تماماً هو تمسكنا بالتراث، ومن الخوف على الهوية لأننا إلى الآن لم نستطع أن نقدم أي شيء للعالم.
سؤال: فقط الخوف على الهوية جعل الناس يعودون دائماً إلى التراث وإلى النص؟
د. شحرور: نعم لأنه يرى نفسه في الماضي عوضاً عن أن يرى المستقبل.
سؤال: وأنت تكتب وتبحث تحت هذا الهاجس؟
د. شحرور: نعم تحت هذا الهاجس، أن الماضي عندنا أصبح مقدس، نحن حولنا الماضي إلى صنم، الماضي صنم بالنسبة لنا.
سؤال: صح.
د. شحرور: صار مقدس، يجب أن نبحث عن أي شيء في الماضي ولذا فإني أقول إن هذا أحد أسباب عجز العقل العربي الحالي عن إنتاج المعرفة، في القرن العشرين الوطن العربي أنتج أكثر من ثلاثة آلاف شاعر، أو أكثر، ولكن لم ينتج عالم واحد.
سؤال: ما السبب؟
د. شحرور: السبب أن العقل العربي عاجز عن إنتاج المعرفة.
سؤال: من الذي جعله عاجزاً؟ هل نحمّل التراث؟
د. شحرور: العقل الفقهي جعله عاجزاً، أنا أقول العقل الفقهي جعل العقل العربي عاجز عن إنتاج المعرفة، لماذا؟ ثلاثة أمور
سؤال: تفضل.
د. شحرور: الأمر الأول العقل الفقهي رسخ الترادف
سؤال: الترادف بين؟
د. شحرور: في اللغة، يعني أنه لم نعد نفرق بين الكتاب والقرآن، الكتاب أي القرآن والقرآن أي الكتاب، جاء أي أتى، أتى أي جاء، الوالد أي الأب، الأب أي الوالد.
سؤال: في اختلاف بينهم؟ أنت تطرقت إليه في كتابك الأول.
د. شحرور: نعم، الترادف غير موجود، ولكن العقل الفقهي أقر الترادف، لماذا؟ أقر الترادف لأنهم يعلمون أنه لو ألغوا الترادف لسقط الحديث النبوي كله.
سؤال: بأي معنى؟
د. شحرور: الحديث النبوي ورد على المعنى وليس على اللفظ، كونه ورد على المعنى نقول أنتم لا تؤمنون بالترادف، أعطونا اللفظ، الرسول الأعظم لفظ المصحف لفظاً وكما لفظه وصلنا، إذاً أعطونا كيف لفظ الرسول الأعظم هذا الكلام، لا يوجد، كونه جاء على المعنى وليس على اللفظ، يجب أن تقر بالترادف، هذا واحد، العقل الترادفي عقل غير دقيق.
سؤال: غير علمي، غير دقيق، صحيح.
د. شحرور: غير دقيق.
سؤال: ثانياً؟
د. شحرور: العقل الترادفي، الشعر لا يعيبه الترادف.
سؤال: بل يحسن من شروطه الجمالية أحياناً.
د. شحرور: طبعاً، إذا عندك قصيدة بائية تقول أب، وعندك قصيدة داليّة تقول والد، لا فرق، الشعر لا يعيبه الكذب، ثانياً العقل العربي عقل قياسي، الفقه جعلنا هكذا.
سؤال: عقل قياسي؟
د. شحرور: قياسي ماذا يعني؟ يعني العقل القياسي يحتاج إلى نسخة أصلية يقيس عليها.
سؤال: يريد مرجع.
د. شحرور: نعم يريد مرجع، بالضبط، بلا مرجع لا يعمل، وهذا النشاط العقلي الوحيد الذي أعطاه الفقه للإنسان، حتى الشيوعيون العرب كانوا يحتاجون لنسخة أصلية، وضعوا الاتحاد السوفيتي النسخة الأصلية، العقلية ذاتها، لا تظن أنهم يختلفون، ثالثاً العقل العربي عقل اتصالي ليس عقل علمي.
سؤال: اتصالي بأي معنى؟
د. شحرور: بمعنى إذا ظهر الموبايل، نقول الموبايل حلال أم حرام؟ أول ما نسأله، لا نسأل كيف صنع الموبايل؟ ما هي مبادئ الموبايل؟
سؤال: يعني ليس لديه عدة السؤال، لديه عدة التلقي.
د. شحرور: نعم، تعوّد مسموح أم ممنوع؟
سؤال: حرام وحلال.
د. شحرور: بالضبط، هذه الأمور الثلاث جعلت العقل العربي عاجز عن إنتاج المعرفة، وهذه الجامعات العربية أمامك كلها، أين إنتاج المعرفة؟ اليابان ذهبت هي ومصر إلى أوروبا، مصر لم تتعلم إنتاج المعرفة، اليابان تعلمت إنتاج المعرفة، نحن لا ننتج معرفة، العقل العربي عندما يذهب للخارج، مثل أحمد زويل ذهب لأميركا تخلص من هذه الأمور الثلاث.
سؤال: يحس برحابة الحرية.
د. شحرور: نعم هذه الأمور الثلاث.
الكتاب والقرآن هو الإنجاز أو الكتاب الأساسي والأول الذي حققه الدكتور محمد شحرور، ويعتبر حجر الزاوية في منظومة أعماله الأخرى والتي هي: الإسلام والإيمان، الدولة والمجتمع، تجفيف منابع الإرهاب، والقصص القرآني، بالطبع في هذا الكتاب يبين الدكتور محمد شحرور الفرق ما بين الكتاب والقرآن من خلال ما جاء في الآيات مفنداً إياها، دالاً على المتشابهات منها والقابلة للمعرفة النسبية والتأويل، على تلك التي تتحدث عن الوجود الكوني والإنساني وتفسير التاريخ، وعن آيات العقيدة والتشريع والعبادات والمحرمات والأحوال الشخصية، وباختصار كما يقول الدكتور محمد شحرور، هذا الكتاب هو قراءة معاصرة للذكر وليس تفسيراً أو كتاباً في الفقه، معتمداً على المنهج اللغوي لأبي علي الفارسي وعلى علوم اللسانيات الحديثة، وعلى منهج مقاييس اللغة لابن فارس الذي ينفي وجود الترادف، وعلى اعتبار أن التفاسير والمذاهب الفقهية هي عملية تفاعل تاريخي مع الكتاب، تعكس المرحلة التاريخية التي كتب فيها، فماذا أيضاً في هذا الكتاب؟
د. شحرور: قال تعالى، الفاتحة في المصحف اسمها فاتحة الكتاب وليست فاتحة القرآن، أول سورة البقرة: بسم الله الرحمن الرحيم {ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة….} تمشي بسورة البقرة حتى الآية (185) والكتاب ذكر عشرات المرات.
سؤال: كلمة كتاب؟
د. شحرور: بالضبط، إلا (185) من سورة البقرة {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس} القرآن، ذكر القرآن أول مرة، عندما قال الكتاب قال {هدىً للمتقين}، عندما قال القرآن قال {هدىً للناس}، القرآن للناس والكتاب للمتقين، المتقين الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، الغيبيات هي القرآن، القرآن النبوة، فيه قوانين الوجود، فرّق بين الحق والباطل في الوجود، والرسائل فرّقت بين افعل ولا تفعل في السلوك، الرسالة سلوك والقرآن وجود، إذا جمعتهم هو الكتاب، القرآن هو جزء من الكتاب، يعني إقامة الصلاة ليست قرآن، آيات الإرث ليست قرآن، القرآن ساحق ماحق.
سؤال: أي آيات تشريعية وحياتية؟
د. شحرور: نعم ولا يوجد فيها إعجاز، القرآن جاء من فعل قرن، لا من قرأ، قرن شيء مع شيء، قرن القوانين في اللوح المحفوظ مع أرشيف التاريخ من الإمام المبين، وضعهم مع بعضهم، يعني القصص قرآن {إنا نحن نحيّ الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}.
سؤال: والمفسرون القدماء أتوا على هذا؟
د. شحرور: قالوا، جزء من المفسرين حتى في الآية (185)، في تفسير فخر الرازي قال أن هناك من العلماء قالوا القرآن من قرن، لكن قرن ماذا بماذا؟ قالوا قرن الآيات ببعضها، قرن بين أمرين.
سؤال: يعني أعدت قراءة بعض المفاهيم الراسخة في أذهاننا جميعاً، فكرة القضاء والقدر، كيف أن بنو أمية أتوا بكلام وقالوا أنه نحن سنحكم لأن ذلك أتى قضاء وقدر، ومشت حتى الآن، عندك مفهوم آخر للقضاء والقدر؟
د:القضاء هو حركة واعية بين نفي وإثبات شيء موجود، يعني القاضي يقضي بين خصمين، الخصمين موجودين أم لا؟
سؤال: يفترض أن يكونوا موجودين.
د. شحرور: طيب، القاضي يعرف ما المشكلة بينهم؟
سؤال: صح.
د. شحرور: حتى يثبت وينفي، يثبت لأحدهما وينفي عن الآخر، القضاء هو نفي وإثبات، لكن نفي وإثبات ليس في فراغ، في الوجود، القدر هو الوجود، والقضاء هو الحركة الواعية بين نفي وإثبات في هذا الوجود، وبالتالي هناك علاقة بين القضاء والقدر هي المعرفة، فكلما زادت معرفتنا بالموجودات زاد قضاؤنا فيها، وبالتالي زادت حريتنا، فالحرية هي القضاء والقدر مع بعض، فالذي لا يعرف شيئاً لا يطلب شيئاً، فبازدياد المعرفة تزداد الحرية، وبالتالي الحكومات الديكتاتورية دائماً تريد ألا يكون هناك معرفة، حجب المعرفة، حتى المعرفة تعطيك علاقة واعية بين نفي وإثبات، نعم وكلا، تريد ولا تريد، بناءً على ماذا؟ بناءً على المعرفة، لذا القضاء بلا قدر هو أحلام يقظة، يعني أنت تقضي برأسك، والقدر بلا قضاء غنم، يعني غنم يعيش القدر، فقط قطيع لا تقضي.
سؤال: هذه مفاهيم ثورية دكتور، كثير، عسيرة الفهم أيضاً، عندك مفهوم السنة بمعنى “ليس السنة الطائفة السنية” تقول “هي تحويل المطلق إلى نسبي” يعني هذا أنه قائمة على فكرة الاجتهاد المستديم، يعني ديمومة الاجتهاد فيها؟
د. شحرور: أولاً السنة التي لا تتغير وفقاً للتنزيل هي سنة الله {ولن تجد لسنة الله تبديلا} {ولن تجد لسنة الله تحويلا}، الآن الرسول الأعظم برسالته ختم المحرمات، أغلقها.
سؤال: سماها، عددها.
د. شحرور: وأغلقت.
سؤال: وأغلقت.
د. شحرور: يعني بعده لا يوجد محرمات، انتهى، والرسول الأعظم هو نفسه لا يحرم ولا يحلل، لأن الحرام بمفهوم المصحف، الحرام هو قرار شمولي وأبدي، حتى الوصايا العشر مع موسى جاءت بأمر ونهي، لا تقتل لا تزن، أمر ونهي، اتبع تعاليم الرب، أمر ونهي، ولكن هذه الوصايا العشر تحولت في الرسالة المحمدية إلى محرمات {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا بي شيئاً….} نفس الوصايا لكن ماذا وضعها؟ وضعها محرمات.
سؤال: ثلاثة عشر بند أو باب في التحريم.
د. شحرور: الآن عندما يقول إنسان ما
سؤال: لكن عندنا مئات الأبواب في التحريم اليوم.
د. شحرور: كلها ألغيها، عندما يقول إنسان أن التدخين حرام، هذا يعني أن الذي سيلد بعد عشرين ألف سنة في بلد مثل ألاسكا يجب عليه ألا يدخن، هذا يعني الحرام، هل هو يعني ذلك؟ لهذا السبب رب العالمين قال: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب}، كل من يقول حرام عن شيء غير موجود بالمصحف إنه يفتري على الله الكذب كائناً من كان، طيب ماذا فعل الرسول الأعظم في حياته؟ يقولون إنه كان يطلق المقيد ويقيد المطلق، المطلق هو الحلال والحلال لا يمارس إلا مقيد، ولكن السادة العلماء ما قالوا لنا أن المطلق هو الحلال، يعني أن الرسول الأعظم عندما كان يطلق المقيد ويقيد المطلق كان يعمل في الحلال حصراً.
سؤال: طيب دكتور هذه القراءات التي تفضلتم بها من مفاهيم والنص إلى ما هنالك، ألا تلغي الكثير من الأدوار والوظائف لدى البعض ورجال الدين، ستعمل نوع من البطالة عند الناس الذين يعملون في هذه القضايا؟
د. شحرور: ليجدوا عمل آخر، أين المشكلة؟
سؤال: في سؤال أريد أن أسألك إياه، أنت أيضاً تسأله لنفسك في مقدمة الكتاب: ماذا نفعل بكل كتب التراث التي كل سنة يعاد طبع آلاف النسخ منها، كتب التفاسير والتراث، أنت كأنك أتيت بممحاة تقريباً ومحيت هذا التراث؟
د. شحرور: طيب أريد أن أسألك سؤال.
سؤال: تفضل.
د. شحرور: علماؤنا يقولون، بين قوسين علماؤنا، يقولون إن ابن رشد أثر على أوروبا، وهناك الرشدية اللاتينية، صح وابن رشد على العرب لم يؤثر، لأن العرب لم يتأثروا به، الآن في مكتبات باريس أو في أي دولة أوروبية هل تجد كتب ابن رشد؟ غير موجودة. يعني هل تجد بالمكتبات كتب الفلاسفة القدماء قبل سبعمائة سنة أو ثمانمائة؟ غير موجودة، عندنا فقط لأننا نحن لم نتجاوزهم، يعني هم تجاوزوا ابن رشد، الذي أثر عليهم تجاوزوه.
سؤال: بنوا عليه وتجاوزوه.
د. شحرور: نحن تجاوزنا هذا؟ أبداً لم نقدر تجاوزه لليوم، وممنوع أن تتجاوزه.
سؤال: واجهت دكتور نتيجة هذه الطروحات والقراءات للفكر الديني، للنصوص الدينية، أظن واجهت بعض الحملات التكفيرية؟
د. شحرور: شيء طبيعي.
سؤال: قرأنا هنا وهناك كثيراً من، أنت تخترع ديناً جديداً كما قال بعض رجال الدين؟
د. شحرور: أخترع فقهاً جديداً، نعم، يعني أصول الفقه التي وضعت في القرن الثاني والثالث الهجري هذه الأصول وضعت لتتناسب مع الوضع الاقتصادي والسياسي لذاك الوقت، هذه الأصول لم تعد صالحة، أقولها بصراحة لم تعد صالحة، نحتاج إلى أصول جديدة، والأصول الجديدة جاهزة وموجودة، لأنها جاهزة، عندما أقترح شيء يجب أن أعمله.
سؤال: لازم بديل؟
د. شحرور: طبعاً لازم بديل يكون موجود.
سؤال: يعني البديل فيما نقرأه في كتاباتك؟
د. شحرور: وفي المستقبل إن شاء الله.
ما هي الثقافة؟ وماهي الأخلاق؟ وماهي الديمقراطية؟ وهل ثمة ثقافة تراثية وأخلاق تراثية لم تعد تجدي في عصرنا والمطلوب تحديثها؟ وكيف؟ هذه الأسئلة وسواها يطرحا دكتور محمد شحرور في كتاب آخر له هو “الإسلام والإيمان” حيث يقول: أن الإسلام هو توحيد ومثل عليا إنسانية غير قابلة للتسييس، وإن محاولة البعض تسييس الإسلام ومحاولة البعض الآخر أسلمة السياسة، أضاعت الإسلام والسياسة معاً.
د. شحرور: وقت الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا، هل اختلفوا على ركن من أركان الإسلام أو من أركان الإيمان؟ لم يختلفوا، وصار قطع رؤوس بينهم، يعني سياسة فهنا عندما يدخل الدين في السلطة أو السلطة في الدين يضيع الاثنان مع بعض، إدخال تكتيكات السياسة نفسها في الدين يفسد الدين أكثر مما يفسد السياسة لأنه في حالة عندما أنت تمارس السياسة باسم الدين فأي خطيئة تحسب على الدين وليس عليك، المطلوب من السياسي المحافظة على القيم الإسلامية شخصياً ويحق لي أن أحاسبه على القيم، فإذا كذب سأحاسبه وإذا غش سأحاسبه، بينما القرارات السياسية نفسها، لا تؤخذ شرعية السلطة من الدين، وإذا أخذت شرعية السلطة من الدين، السلطة ستكون ديكتاتورية لا محالة، لأنها لا تقبل الآخر.
سؤال: يعني الآن الدولة الدينية في إيران تعتبرها دولة تمارس الديكتاتورية؟
د. شحرور: لا تقبل الآخر.
سؤال: والأنظمة الأخرى التي تحكم بإيديولوجيا وضعية غير دينية مثلاً، ماذا نسميها أليست ديكتاتورية أيضاً؟
د. شحرور: في سلطات تتناسب بين سلطة الضبط إلى سلطة القمع، وما بينهما، كلما اقتربت السلطة من القمع كلما ابتعدت عن الدين، يعني إذا السلطة تريد أن تقترب من الدين يجب أن تبتعد عن ممارسة القمع، يجب أن تعطي الناس حقوقها، يجب أن تعطي الناس أن تعبر عن نفسها، معنى هذا أنها اقتربت من الدين، هي اقتربت لكن لا يمكن للسلطة أن تحكم باسم الدين لا يمكن، لأن الشرعية ستصير تأخذها من الدين وليس من الناس، الفرق كبير بين أن تأخذ شرعيتك من الدين أم من الناس.
سؤال: في كتابك الدولة والمجتمع تقول: هناك داء، داء العرب والمسلمين داء يكمن في الآبائية والإستبداد، يعني أنت تحكي عن الدولة والمجتمع، برأيك هل يوجد في العالم العربي الآن الإسلامي، العالم العربي تحديداً، يوجد دولة بالمفهوم الحديث ومجتمع مبني على أسس ديمقراطية؟
د. شحرور: على مفهوم المواطنة لا، لا يوجد ما زلنا بعيدين، يعني أنا برأيي أقرب دولة تعبر عن وضعها الاجتماعي هي المملكة العربية السعودية، والدولة تماماً تعبر عن هذا المجتمع ولهذا دولة قوية وليست ضعيفة، لأنها تعبر عن المجتمع، فمجتمعنا ما زال مجتمع آبائي، مجتمع قبلي، مجتمع عشائري، تؤثر فيه العشيرة والقبيلة والأسرة ثم المذهب والطائفة، هذه الأمور إذا أخذتها بعين الاعتبار تنتج السلطة، ولكن السلطة بعيدة عن أن تكون مدنية، ما زالت.
سؤال: نعم.
د. شحرور: لا لأنها لا تريد، لأنها لا تستطيع.
سؤال: بالعودة إلى السياسة والدين، أنت مع فصل الدين عن الدولة؟
د. شحرور: أنا مع فصل الدين عن السياسة، الدين لا يفصل عن الدولة والمجتمع هذه استحالة، فصل الدين عن السياسة، يعني انتخبوا الحاج فلان، لماذا تقول لي الحاج فلان؟ يعني ماذا تعني الحاج هنا هل لأنه حاج أنتخبه؟
سؤال: لكن في أوروبا هذه تجربة برهنت عن جدوى وعن فعالية؟
د. شحرور: لأنهم وصلوا لها قبلنا.
سؤال: يعني أنت تنتظر أن نصل؟
د. شحرور: بدون شك.
سؤال: أي نحتاج خمسمائة سنة بعد؟
د. شحرور: لا أدري لكن بدون شك، في سوء تفاهم بالعلمانية أنا أقول فصل الدين عن السياسة، أي أن الإنسان يجب ألا يأخذ شرعية الحكم من الدين إطلاقاً، ولا يأخذ شرعية القرار السياسي من الدين، هذا هو الفصل، وهذه الحالة لماذا؟ لأنه في جزء من الدين غيبي وإلا ليس دين، طيب إذا كان في جزء من الدين غيبي وأنت تريد إدخال الدين في السياسة، والسياسة تقوم على عالم الشهادة، يعني إذا أنت من عالم الشهادة أنقصت أي شيء تفشل؟
سؤال: عالم الشهادة؟
د. شحرور: عالم الحضور يعني، السياسة لا تقوم على الغيبيات، تقوم على معطيات أمامك والدين جزء كبير منه غيبي، فإذا كنت تريد إدخال الدين في السياسة أصبح لديك جزء غيبي، وقد تصل لأمور كارثية، وبالنسبة للدين استعمال المصطلحات التي استعملتها الدولة في ذاك الوقت هذا الاستعمال غير صحيح، يعني دار الكفر ودار الإيمان أو دار الإسلام ودار كذا، هذا التقسيم غير صحيح، غير موجود أصلاً.
سؤال: في كتابه “نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي” يقول الدكتور محمد شحرور: “مع كل إشراقة شمس في عالمنا تولد إشكالية جديدة لم تكن موجودة في الأمس، وهي نتاج لتطور المعرفة واتساعها، ونتاج لتطور أدوات المعرفة وتنوعها وتعددها، فالذي كنت أعتبره من المسلمات لم يعد كذلك” في هذا السياق بحث الدكتور شحرور في مفاهيم عديدة تخص حياتنا ووجودنا وعلاقتنا بالعالم، بحث في مفاهيم الكينونة والسيرورة والصيرورة مقترحاً أصولاً جديدة لفهم العالم، وبحث في قضايا المرأة ليخلص إلى علم جديد للمواريث يختلف عن السائد، ويجد دكتور شحرور أن للمرأة وضعان وضع في الكتاب المقدس، ووضع في الفقه الإسلامي.
د. شحرور: يعني أولاً البعثة النبوية فتحت “قصت شريط” تحرير الرق والمرأة، ولم تحررهما لكن قصت الشريط، يعني بدأت، نحن ظننا أن ما حصل في ذلك الوقت انتهى، هذا كل شيء، هو البداية، نحن نعرف مثلاً أن إلغاء الرق تم بعد وفاة الرسول بـ 1228 سنة، ألغوا الرق في الولايات المتحدة الأميركية صارت حرب أهلية، فما بالك بإلغاؤه في ذاك الوقت، لهذا السبب الرسول الأعظم وضع قاعدة أن حرق المراحل لا يجوز.
سؤال: للمرأة وضعان، وضع في الكتاب المقدس ووضع في الفقه؟
د. شحرور: الفقه الإسلامي فقه ذكوري، كله ذكوري وأعطى للذكر كل شيء.
سؤال: والنص الديني أيضاً هو بالمصطلح، مصطلحاته ذكورية أيضاً.
د. شحرور: لا، أولاً في الصحف عندما يقول النساء لا تعني دائماً الإناث.
سؤال: ماذا تعني؟
د. شحرور: قد تعني مجموعة من الذكور والإناث، وعندما يقول رجال لا يعني الذكور فقط، قد يكون هناك نساء، وسأعطيك الآيات كلها: نساء إما جمع نسيء أو جمع امرأة.
سؤال: نسيء؟
د. شحرور: نعم تأخير، أو جمع امرأة {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا} متاع يعني أغراض أشياء، هنا إذا كان النساء جمع امرأة، وضعها مع الدواب، الأنعام هي الخيل والبغال والحمير.
سؤال: يعني النساء هنا ليست جمع امرأة؟
د. شحرور: لا هنا جمع نسيء، وهو قال زين للناس، ليس للرجال للناس، الناس يعني ذكور وإناث.
سؤال: نعم.
د. شحرور: النسيء هو ما أتى متأخراً، كل شيء تأخر فهو نسيء، سأسألك سؤال: سيارة موديل 2010 نسأت عن 2009 أم لا؟
سؤال: نسأت كثيراً.
د. شحرور: تأخرت.
سؤال: تأخرت سنة.
د. شحرور: يعني الإنسان يحب كل جديد، وقال {زين للناس} أيضاً ووضع الشهوات، فالناس ذكور وإناث تشتهي، ترغب بكل شيء جديد، اثنين {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} الحرث لا تعني الجنس إطلاقاً {من كان يريد حرث الدنيا ومن كان يريد حرث الآخرة}
سؤال: ماذا تعني؟
د. شحرور: الحرث هو المكاسب، والغلة الزراعية، فالحرث، الناس تحب الحرث تحب المكاسب، فعندما قال: {نساؤكم حرث لكم} أي يقول للناس من ذكور وإناث أن كل ما استجد من الأشياء هو مكسب لكم، يعني لا تسأل عن الموبايل حلال أم حرام، ولا تسأل عن التلفزيون حلال أم حرام، ولا تسأل عن غيره، هذا كله حلال، كل شيء استجد إلى أن تقوم الساعة هو مكسب لكم {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} كيف ما تريد استعمله {واتقوا الله} قال اتق الله في استعماله. {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} علماً بأن أول قتيل في الإسلام هو امرأة، يعني هي أصبحت خارجاً.
سؤال: من هي؟
د. شحرور: سمية، أم عمار أول إنسان قتل وهي امرأة فإذا كان {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}
سؤال: المعنى أيضاً رجال يعني رجال ونساء؟
د. شحرور: نعم، رجال من الترجل قال: {أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا} يعني ترجلت على رجلين ووقفت، ليس رجل يعني ذكر، أنا بالنسبة لي أقاطع الآيات كلها مع بعضها، هذه القاعدة يعني إذا كنت أريد كلمة القرآن فيجب أن أرى كلمة القرآن أين وردت بكل آيات المصحف لأقاطعهم مع بعض، أنا بقواميس اللغة لم أجد الفرق بين جاء وأتى.
سؤال: لا يوجد فرق كبير.
د. شحرور: لا، يوجد فرق كثير، في حوالي (859) آية، 13% تقريباً من المصحف فيه جاء وأتى، طيب أنا إذا لم أعرف الفرق بينهم فأنا ما فهمت الآية، معناها ما فهمت.
سؤال: نقدر نضرب مثل على ذلك؟
د. شحرور: طبعاً، {الذين يؤتون الزكاة}، {اللاتي يأتين الفاحشة}، {فليأتوا بسورة من مثله} يعني من عندهم، يعني أنت تزكي بمالك أم بمال جارك؟ بمالك من عندك، {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} رب العالمين قال آتيناك يعني من عندي، أما بالنسبة لك إذا من عند جارك تقول جاء، {قال يا أبتي قد جاءني من العلم ما لم يأتك} يعني جاءني من الوحي شيء ما عندك منه.
سؤال: يعني جاء من طرف آخر؟
د. شحرور: تماماً من دائرة ثانية.
سؤال: أتاني يأتيني من داخلي.
د. شحرور: لهذا السبب هذه الآية مستحيل يرضوا، مستحيل يعرفوها، لأنه قال تعالى {ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} يعني الرسول من عنده وليس وحي، لأنه الرسول من حقه يعني أشياء من عند الرسول فقال لهم {ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} لكن هنا لا يحكي عن الوحي لو كان يحكي عن الوحي ماذا يقول؟ يقول ما جاءكم.
سؤال: لنبقى في قضية النساء والمرأة، يعني مسألة الحجاب التي أثارت لغط كبير في أوروبا خاصة يعني ظاهرة يبدو تعممت أكثر في آخر عشرين سنة، ما كانت واردة كثيراً؟
د. شحرور: أنا أريد أن أسأل الناس، الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام بعث في مكة وعاش في شبه جزيرة العرب، الآن في شبه جزيرة العرب، الآن نحن في القرن الواحد والعشرين الرجال تضع غطاء رأس وليس النساء، قال تعالى للرسول الأعظم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ماذا كانت تلبس النساء قبل بعثة الرسول هل كانوا عراة؟ هل كانوا عراة؟ كانوا يلبسون وفق الأمور التالية: الطقس أي الجو، طبقاً لمستوى النظافة، وطبقاً للمستوى الإنتاجي للألبسة، يعني ماذا عندهم يلبسون، كانت المرأة العربية، المرأة والرجل يضعون غطاء رأس من الحر، فهو كان لباس عرفي، الرسول يأمر بالعرف.
سؤال: الآن صار تعبير عن الهوية وصار أخذ أبعاد أخرى وضرورة غير حاجة الجسد لهذا اللباس.
د. شحرور: الآن الحجاب الشرعي الذي يقال عنه الحجاب الشرعي هو تعصب للعروبة وليس للإسلام.
سؤال: وإيران نفس الشيء
د. شحرور: هو حولوه لدين، يعني هو تحويل عادات العرب في القرن السابع إلى دين هذا الإشكال، تحويل عادات العرب إلى دين هذا يحتاج إلى إصلاح، هذه عادات العرب وليست دين، ثم في أكثر من هذا بالحجاب.
أحمد: تفضل
د. شحرور: حتى بكتب الفقه يوجد حجاب الحرة وحجاب الأمة، الجارية مع أنها امرأة، يحق لها بالصلاة أن تصلي توبلس، يعني عورتها كعورة الرجل من السرة إلى الركبة، طيب هل أنتم تظنون أن هذا دين طبقي؟ يعني ما خطر ببالكم ماذا تعملون؟ إذا كان لباس الأمة من السرة إلى الركبة وهي امرأة.
سؤال: نعم.
د. شحرور: اثنين، أمر آخر، ذكرت الفتنة مع مشتقاتها في المصحف 60 مرة، ولا مرة واحدة ذكرت مع المرأة، المرأة لا علاقة لها بالفتنة إطلاقاً.
سؤال: كلمة عورة؟
د. شحرور: العورة هي عملياً، الفقهاء شوهوا اللغة بالمناسبة أيضاً، شوهوا لنا اللغة، العورة من الحياء، العورة هي ما لا يرغب المرء في إظهاره.
سؤال: من الذي قال المرأة عورة وكل ما فيها عورة؟
د. شحرور: كلام الرسول الأعظم مع الناس كان ظرفي ولا يحمل، هذ الإشكال كبير، ولا يحمل الطابع الأبدي.
سؤال: تقول ذلك؟
د. شحرور: نعم أقول، لا يحمل الطابع الأبدي، أقولها وبجرأة، يعني أنا أفترض أننا سمعنا الآن تسجيل من الرسول الأعظم، تسجيل، يقول “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” أقول أنه كان يخاطب الناس الذين معه، يعلق على حدث معين، كان لا يضع تشريعاً، أقولها بجرأة.
سؤال: نعم.
د. شحرور: الله يخاطب الناس إلى أن تقوم الساعة في المصحف.
سؤال: تقول في سياق بحث ما “إنّ ما كنت أعتبره من المسلمات هو ليس كذلك”؟
د. شحرور: صح.
سؤال: ما هي المسلمات حسب قولك؟
د. شحرور: مثلاً في الكتاب الأول كنت اعتبرت أنا أن الناسخ والمنسوخ في المصحف من المسلمات، لأني صدقت كتب التراث في هذه الأطروحة، أنه في ناسخ ومنسوخ في المصحف، في الكتاب الأول، الناسخ والمنسوخ غير موجود، موجود بين الرسالات.
سؤال: بين الرسالات النبوية؟
د. شحرور: بين الرسالات السماوية، يعني بين موسى ومحمد في، يعني في شريعة موسى وفي شريعة محمد في تغيير نعم، في تغيير، أما بنفس الشريعة الواحدة إطلاقاً.
سؤال: ما المسلمات التي تؤمن بها حضرتك؟
د. شحرور: أولاً التي أؤمن بها أن القرآن فرق بين الحق والباطل في الوجود، الرسالة فرقت بين افعل ولا تفعل في السلوك، القصص القرآني لا يؤخذ منه أحكام وإنما يؤخذ منه عبر، وجزء من القصص القرآني هو القصص المحمدي، يعني سورة التوبة لا علاقة لها بالرسالة ولا يؤخذ منها أحكام هي قصص محمدي مثل قصة موسى وقصة يوسف، هي ليست رسالة.
سؤال: نعم.
د. شحرور: الآن يأخذون منها أحكام، لا يؤخذ منها أحكام، كل شيء قصص أحداث صارت مع الرسول الأعظم وسجلت في المصحف هذه من القصص وليست من الرسالة، ولهذا السبب، الرسول خاض حروب لتأسيس دولة، ولكن هذه ليست من الرسالة، لهذا السبب هي من القصص التي تؤخذ منها العبر فقط.
سؤال: نعم.
د. شحرور: يعني كل آيات سورة التوبة هي عبر وليست أحكام، إذا تأخذ منها أحكام تقع بمأزق، مأزق الآن هو هذا.
سؤال: مأزق؟
د. شحرور: مأزق الناس الآن والحركات الجهادية والأصولية أنهم يأخذون من سورة التوبة أحكام، وهي لا يؤخذ منها أحكام، هي من القصص المحمدي كقصة يوسف، كقصة موسى.
أسئلة جادة وواضحة وعميقة يطرحها الدكتور محمد شحرور على ما هو موروث، يسأل عن علاقتنا بالحياة والموت وكيفية استقبالنا لهما ويسأل عن علاقتنا بالآخر، وعن حريتنا في الاختيار وطغيان مفاهيم استبدادية رسخت ما هو مناف للعقل البشري وللحرية، ففي كتابه “تجفيف منابع الإرهاب” يذهب محمد شحرور إلى موضع العلة ليبين أسبابه ومصادره في هذا الموروث.
د. شحرور: أنا قرأت كتاب “الجهاد” لعبد الله عزام وهو مؤسس القاعدة، لا يوجد سطر واحد عبد الله عزام كتبه لم يأخذه من الفقهاء.
سؤال: أخذه من الفقهاء؟
د. شحرور: إطلاقاً، كله من الفقهاء أخذه، ومن كبارهم، الشافعي، أبو حنيفة، مالك، أحمد بن حنبل، ابن قدامة، أخذه كله من الفقهاء، وسيقوا له إياه ووافقوا له عليه وقالوا مظبوط، مرجع الذين يقولون عن أنفسهم أنهم من الإسلام الوسطي، مرجعهم هو ذاته مثل مرجع القاعدة وابن لادن، ما في مرجعين عندهم، ولكن هو الانتقاء فقط، يعني إلى الآن أنا لم أر شيخ وسطي مع واحد جهادي علناً يتناقشون وذاك يقيم عليه الحجة، نفس المرجعية، في ناسخ ومنسوخ عندهم، والاثنين عندهم أسباب نزول، والاثنين عندهم الحديث، والاثنين عندهم الفقهاء، يعني شو بتفرقوا عن بعضكم؟ المشكلة أنه وضع الفقه الإسلامي عندما كانت الدولة أقوى دولة في العالم، ووضع ليتوافق معها، ثانياً إدخال مفهوم الشهيد من أين دخلوا هذا؟ الشهيد ما له علاقة بالقتال إطلاقاً، هذا المصحف أمامك افتحه لي من أوله لآخره وأعطني أين في شهيد وقتال؟ {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} حتى الرسول الأعظم وقت قال لهم بقتلى بدر قال: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، والشهيد يجب أن يؤدي شهادة حتى يقال عنه شهيد، يعني الشهيد مذكور في المصحف هو شهيد عقد البيع {ولا يضار كاتب ولا شهيد} عقد البيع، الشهيد بالمصحف هو الذي يشهد حادثة الزنا {يأتوا بأربعة شهداء} أربعة شهداء، فاستشهدوا، {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} استشهدوا أي اطلبوا للشهادة، رب العالمين من أسمائه الشهيد.
سؤال: من أسمائه الشهيد؟
د. شحرور: طبعاً، المسيح {لقد كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم} بدك أوضح من هيك {لقد كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم}.
سؤال: نعم.
د. شحرور: فالشهيد حضوري، الآن القتال في سبيل الله في حالة واحدة فقط، الجهاد في سبيل الله في حالة واحدة، رفع الإكراه عن الناس حتى ولو كانوا نصارى، حتى ولو كانوا غير مؤمنين، القتال في سبيل رفع الإكراه عنهم هذا في سبيل الله، هي كلمة الله العليا، كلمة الله العليا هي ألا يوجد هناك إكراه في الأرض.
ولد محمد شحرور في مدينة دمشق عام 1938، نشأ وسط عائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، والده كان صباغاً وقد أمضى سنواته الأولى في صحبته في أحياء دمشق، حاز محمد شحرور على الثانوية العامة عام 1957، وكان ذلك التاريخ بداية الانفتاح بين سوريا والاتحاد السوفيتي فسهل عليه آنذاك الانضمام إلى بعثة للتخصص في جامعات موسكو حيث درس الهندسة، عام 1964 عاد إلى دمشق وعمل معيداً في الجامعة، عام 1968 سافر ثانية إلى إيرلندا لمتابعة دراسته وحاز على شهادة الدكتوراه ليعود مجدداً إلى التدريس في جامعة دمشق مستمراً حتى عام 1998، عام 1990 صدر لمحمد شحرور أول كتاب هو “الكتاب والقرآن” ليأتي من بعده بسلسلة أخرى من الأعمال، وكما يروي جاء إلى البحث بالفكر الديني نتيجة أسئلة كانت تراوده منذ هزيمة 67، فراح يبحث عن الأسباب التي جعلت العقل العربي بشكل عام في حالة شلل وعجز واستقالة.
سؤال: يعني تعتقد أنه ما في أمل؟
د. شحرور: لا، في أمل، في شغلة كتير مهمة خلال هذه التجربة الطويلة، في القرن العشرين في البلاد العربية صار ثورات سياسية، لكن أي ثورة سياسية بدون تمهيد ثقافي لها وفكري يسبقها، سينتج عنها ديكتاتورية، الثقافة العربية الآن ثقافة مسطحة، هي عبارة عن كينونة وسيرورة، صيرورة ما في، يعني لا تتطور، يعني الزمن ماشي علينا؟ ماشي، ونحن موجودون؟ موجودون، لكن هل نتطور؟ لا، لهذا السبب اسمها ثقافة مسطحة ليس لها بعد ثالث، البعد الثالث هو البعد الإنساني، بعد الإنتاج الإنساني هذا البعد الثالث، لأن البهائم موجودة ويمشي عليها الزمن، لكن البهائم ما عندها صيرورة، ونحن كذلك.