المنهج اللغوي في الكتاب – بقلم: الدكتور جعفر دك الباب

تقديم

يسعدني أن أقدم للقارئ الكريم كتاب الصديق الدكتور المهندس محمد شحرور وعنوانه “الكتاب والقرآن”. لن أركز في تقديمي على الموضوعات الهامة التي بحثها المؤلف في الكتاب، لأنه سيعرضها بنفسه في المقدمة. ولن أطنب في ذكر الجوانب الإيجابية، في بنية الكتاب، التي مكنت المؤلف من الأخذ تدريجياً، بيد القارئ للسير معه خطوة خطوة، من أجل الوصول إلى الأمور الجديدة، التي ينطبق عليها بحق وصف “قراءة معاصرة”. ولن أعمد إلى الإشادة بحرص المؤلف الشديد على الدقة المتناهية في صياغة أفكاره، الشكل الذي يمكن من إيصالها إلى القارئ كما أراد هو، لا كما قد يحاول كثيرون، لمآرب شتى، تسليط الضوء على جوانب منها فقط، والتعتيم على جوانب أخرى، وذلك بغية استغلالها في خدمة مقاصد يسعون إلى تحقيقها.

ولكني أنوه بأن الصديق الدكتور المهندس محمد شحرور مؤمن إيماناً راسخاً بأن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لمحمد صلى الله عليه وسلم، لأنه خاتم الأنبياء والرسل. لذا فإن المؤلف يتمسك بيقين لا يتزعزع بمسلمة أن “القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان إلى يوم الدين”، ويرى أن الدليل على كون القرآن معجزاً، لأنه من عند الله، هو دليل علمي يجب أن تتضافر جهود أكابر العلماء، في شتى فروع المعرفة الإنسانية، من أجل تقديمه.
لقد توصل الدكتور شحرور في قراءته المعاصرة إلى نتائج جديدة مغايرة لما هو سائد الآن في التراث العربي الإسلامي. ولبيان كيف توصل الباحث إلى هذه النتائج، لا بد في البدء من عرض المنهج اللغوي الذي تبناه المؤلف، ثم الإشارة إلى أهم النتائج التي توصل إليها بفضل ذلك المنهج.

المنهج اللغوي الذي تبناه المؤلف

تبنى الدكتور شحرور المنهج التاريخي العلمي في الدراسة اللغوية، الذي طرحته لدى دراستي الخصائص البنوية للعربية، في ضوء الدراسات اللسانية الحديثة. لقد استنبطت أسس ذلك المنهج من اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية. فما هي الملامح العامة لهذا الاتجاه؟

الملامح العامة لاتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية

بلور ابن جني في “الخصائص” والإمام الجرجاني في “دلائل الإعجاز” اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية في نظريتين متتامتين.

بعض جوانب نظرية ابن جني التي بلورها في “الخصائص”

أ – انطلق ابن جني من منطلق وصف البنية اللغوية، لأن بحثه في “الخصائص” كحان يدور بشكل رئيسي في نطاق بنية الكلمة المفردة. فعمد إلى دراسة الأصوات التي تتألف الكلمات منها، وسعى إلى اكتشاف القوانين التي تنظم العلاقة بين الأصوات في الكلمة. فبحث في الاشتقاق وأنواعه، ودرس التقليبات الممكنة للكلمة الواحدة. وبيّن أن الأمر المشترك الذي يجمع التقليبات هو وحدة المعنى. وأفضى ذلك به إلى القول بوجود علاقة مناسبة طبيعية بين الصوت والمدلول. ويعني هذا أن ابن جني لجأ إلى الوصف التطوري لبنية الكلمة الذي يأخذ بالاعتبار عامل الزمن.
ب – اهتم ابن جني باكتشاف القوانين العامة للنظام اللغوي. لذا يتبين –لدى البحث في نشأة اللغات- نظرية التوقيف أو الاصطلاح، بل جوزهما على حد سواء لأن ذلك لا يغير من حقيقة القوانين اللغوية. ولكن ابن جني أكد بشكل حازم على أمرين:
1 – لم تنشأ اللغة في وقت واحد، بل نشأت في أوقات متلاحقة.
2 – كانت اللغة باستمرار تحافظ على اتساق نظامها.
جـ- بحث ابن جني في القوانين الصوتية العامة التي ترجع إلى الخصائص الفيزيولوجية للإنسان (وعبر عنها بحسن المتكلم). كما وازن بين لغة العرب ولغة العجم.

بعض جوانب نظرية الإمام الجرجاني التي بلورها في “دلائل الإعجاز”

أ – انطلق عبد القاهر الجرجاني من منطلق وصف البنية اللغوية وبيان وظيفتها الإبلاغية لأنه بحث في نظم الكلم. فعمد إلى بيان ارتباط خصائص بنية الكلمة الإبلاغية لأنه بحث في نظم الكل. فعمد إلى بيان ارتباط خصائص بنية الكلمة المفردة بالوظيفة الإبلاغية التي تؤديها في الكلام، انطلاقاً من الوظيفة الأساسية للغة كوسيلة لاتصال الناس بعضهم ببعض. وكان يرى ان اللغة نظام لربط الكلمات. ولدى السعي لاكتشاف هذا النظام، لم يكن الجرجاني بحاجة إلى وصفه وصفاً تطورياً، بل عمد إلى وصفه وصفاً تزامنياً. وأدى ذلك إلى القول باعتباطية الإشارة اللغوية.
ب – انصب اهتمام الجرجاني على اكتشاف القوانين العامة للنظام اللغوي وأكد ارتباط اللغة بالتفكير. ولدى البحث في نشأة اللغات، بين دور التفكير في نشأة اللغة. وجوّز الجرجاني-كما فعل ابن جني- القول بأن اللغة تواضع أو إلهام. ولكنه أكد أن مهمة الكلمات المفردة لم تقتصر منذ بداية وضعها على (التسمية) فقط، بل كانت مهمتها مرتبطة أيضاً بـ”الإبلاغ”.
جـ- بحث الجرجاني في القوانين اللسانية العامة. وقرر ما يلي:
1 – لا يمكن أن تكون الكلمة المفردة أدل على معناها الذي وضعت له من كلمة أخرى، سواء أكان ذلك في لغة واحدة أم في لغات مختلفة.
2 – الخبر معنى بين شيئين، وليس في الدنيا خبر يعرف من غير هذا السبيل.
إنني أرى أن نظريتي ابن جني والجرجاني متتامتان، بل يصح القول أنهما تؤلفان جانبين لنظرية لسانية واحدة تعبر-برأيي- عن اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية. ويظهر التتام بين النظريتين جلياً في الأمرين التاليين:
أ – ضرورة البط بين الدراسة التزامنية لنظام اللغوي (التي تقدمها نظرية الجرجاني) والدراسة التطورية له (التي تقدمها نظرية ابن جني).
ب – ضرورة الربط بين القول بأن اللغة لم تنشأ دفعة واحدة (الذي اعتمدته نظرية ابن جني) والقول بارتباط نشأة اللغة بالتفكير (الذي اعتمدته نظرية الجرجاني) ويعني ذلك أن اللغة قد نشأت وتطور نظامها واكتمل، بشكل مواز لنشأة التفكير الإنساني وتطور نظامه واكتماله.
وأرى أن الملامح العامة لاتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية يمكن تحديدها في المبادئ التالية:
1 – الانطلاق من أن اللغة نظام.
2 – اللغة ظاهرة اجتماعية، وترتبط البنية اللغوية بوظيفة الاتصال التي تؤديها اللغة.
3 – تلازم اللغة والتفكير.
وبما أن النظام اللغوي في حركة مستمرة، لذا يجب أن يستخدم في دراسته منهج تاريخي علمي. ويقوم المنهج التاريخي العلمي-الذي استنبطناه من التتام بين نظريتي ابن جني وعبد القاهر الجرجاني-على المبادئ التالية:
1 – التلازم بين النطق والتفكير ووظيفة الإبلاغ منذ بداية نشأة الكلام الإنسان. وإدراك العلاقة الذهنية بين الصوت وما يشير إليه كان البداية الأولى في تكون التفكير الإنساني. وقد نطق الإنسان الأصوات بشكل واعٍ ليستخدمها وسيلة لنقل أغراضه للآخرين.
2 – لم ينشأ التفكير الإنساني مكتملاً طفرة واحدة، وانطلق خط السير العام لتطوره من إدراك المشخص المحسوس واكتمل بالانتقال إلى المجرد. كما أن النظام اللغوي لم ينشأ مكتملاً طفرة واحدة، بل نشأ واكتمل تدريجياً بشكل مواز لنشأة التفكير الإنساني واكتماله. ويتجلى اكتمال النظام اللغوي في اكتمال أصوات اللغة وتعبير مفرداتها عن المجردات واكتمال نظامها القواعدي “الصرفي والنحوي” أي صيغ تغير “تصرف” كلماتها المفردة وأنماط علاقاتها التركيبية. أما مرحلة ما قبل اكتمال النظام اللغوي فتتجلى في عدم اكتمال أصوات اللغة، وفي تعبير مفرداتها عن المحسوسات فقط، وفي عدم اكتمال صيغ تصرف الكلمات المفردة فيها، وأنماط علاقاتها التركيبية.
3 – إنكار الترادف الذي قد يظنه بعضهم سبباً لتميز لغة ما بثراء مفرداتها وسعة التعبير فيها. والنظر إلى ما يعد الترادف في لغة ما على أنه يعكس مرحلة تاريخية قديمة كانت فيها ألفاظ تلك اللغة تعبر عن التفكير القائم على إدراك المشخص ولم تكن فيها التسميات الحسية قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات.
4 – يؤلف النظام اللغوي كلاً واحداً، توجد المستويات المتدرجة للبنية اللغوية فيه، في علاقة تأثير متبادل فيما بينها. ويحتل مستوى البنية الصوتية مرتبة المستوى الأساسي والموجه بالنسبة لبقية المستويات، لذا تنعكس خصائصه في المستويات اللغوية الأعلى. ولا يمكن تفسير خصائص المستوى الصوتي بحقائق من المستويات الأعلى، في حين أن العكس ممكن.
5 – يجب علينا-لدى دراسة النظام اللغوي- أن نهتم بما هو عام ومطرد، دون أن نهمل الاستثناءات، لأنها تعتبر شواهد على مراحل سابقة أو بدايات لتطور جديد. وبذا نتمكن من دراسة النظام اللغوي في وضعه الراهن (المتزامن) وفي تطوره في آن واحد. وخير دليل علمي، وأفضل الشواهد التاريخية، هو المادة اللغوية نفسها للغة حقيقية معروفة. وعليه فمن أجل دراسة تاريخ اللغات، يجب الاستناد إلى مادة لغوية تثبت الشواهد التاريخية أنها كانت موجودة فعلاً وليست مفترضة الوجود فقط.
وبالاستناد إلى المنهج التاريخي العلمي في الدراسات اللغوية نفهم الوظائف العامة للغات الإنسانية وخصائصها البنوية، فنقرر ما يلي:
كانت اللغة الإنسانية منذ نشأتها الأولى أصواتاً نطقها الإنسان بشكل واع لاستخدامها وسيلة لإبلاغ الآخرين أغراضه وفهم أغراضهم، في عيشة المشترك معهم من ناحية، ولاستخدامها من ناحية أخرى وسيلة يصوغ بواسطتها أفكاره، ويعبر عن مشاعره. والصفات العامة للغات الإنسانية تحددها الأمور المشتركة بين الناس جميعاً والمتمثلة فيما يلي:
1 – البنية التشريحية الواحدة لجهاز النطق الإنساني.
2 – الطرائق العامة الواحدة للتفكير الإنساني.
3- النزوع الإنساني الواعي للحياة الاجتماعية.
وتتلخص هذه الأمور المشتركة في العبارة القديمة التي عرفت الإنسان بأنه كائن ناطق مفكر اجتماعي.
وبما أن اللسانيات العامة تبحث في القوانين المشتركة بين جميع اللغات الإنسانية فإنها تدرس الأصوات اللغوية وتبين كيف تستخدم تلك الأصوات أوعية للمعاني (أي للأفكار الإنسانية) ووسيلة للإبلاغ (أي للاتصال) في المجتمع الإنساني.
وعلى الرغم من وجود صفات عامة، تشترك فيها جميع اللغات الإنسانية، فإنه توجد صفات أخرى غير مشتركة، تتجلى في وجود بعض خصائص بنوية تتمتع بها لغة أو مجموعة من اللغات. ويرجع ذلك برأينا إلى بداية العلاقة بين البنية اللغوية والتفكير الإنساني.
إننا نرى أنه كان هناك تلازم بين اللغة والتفكير ووظيفة الإبلاغ منذ بداية نشأة الكلام الإنساني، إضافة إلى أن اللغة الإنسانية كانت في نشأتها الأولى منطوقة. وعليه فإن الصيغة الأولى كانت لفظة تعبر عن فكرة وتؤدي غرضاً إبلاغياً.
ومن استعراض التاريخ الحضاري للإنسانية يظهر أن التفكير الإنساني لم ينشأ مكتملاً طفرة واحدة، وأن خط السير العام لتطور التفكير الإنساني انطلق من إدراك المشخص المحدد “بحاستي السمع والبصر”. واكتمل بالإنتقال إلى المجرد العام، كما يظهر أن البنية اللغوية لم تنشأ مكتملة دفعة واحدة. وقد تطورت البنية اللغوية واكتملت تدريجياً بشكل مواز لتطور التفكير الإنساني واكتماله. ونرى أن اختلاف طرائق تطور البنى اللغوية واكتمالها قد أدى إلى اختلافات بنوية بين اللغات، وترتب عنه تمتع لغة أو مجموعة من اللغات بخصائص بنوية متميزة.
وبما أن الدكتور شحرور تبنى المنهج التاريخي العلمي، فقد ركز على التلازم بين اللغة والتفكير ووظيفة الاتصال منذ بداية نشأة الكلام الإنساني، وانطلق من أن اللغة الإنسانية كانت منطوقة في نشأتها الأولى، وأنكر ظاهرة الترادف في العربية. لذا اختار الباحث (معجم مقاييس اللغة) لابن فارس واعتمده مرجعاً هاماً يستند إليه في تحديد فروق معاني الألفاظ التي بحث فيها، لأن ابن فارس تلميذ ثعلب وقد أخذ برأي أستاذه حول التباين بين اسم الذات واسم الصفة، وعبارة ثعلب مشهورة “ما يظن في الدراسة اللغوية من المترادفات هو من المتباينات”.

أهم النتائج التي توصل المؤلف إليها بفضل المنهج التاريخي العلمي في الدراسة اللغوية

يعتبر الباب الأول “الذكر” الأرضية النظرية الجديدة التي استند الباحث فيها إلى إنكار ظاهرة الترادف في العربية، متابعاً في ذلك عدداً من كبار علماء العربية، “ومنهم ثعلب وابن فارس وأبو علي الفارسي”. لذا رفض الباحث المقولة السائدة التي ترى أن لفظتي “الكتاب” و”القرآن” مترادفتان، وأكد تباينهما وعدم ترادفهما.
قال المؤلف هذا انطلاقاً من فهمه أسرار اللسان العربي، حيث أن القرآن عربي وأنزل بلسان عربي مبين. لقد وصل الباحث إلى ذلك انطلاقاً من فهم جديد قدمه لمعنى “ترتيل القرآن”.
إن المعنى السائد للترتيل هو التأنق في تلاوته(1) وأشار الزمخشري في “أساس البلاغة” في مادة “ر ت ل” أن من المجاز: {ورتل القرآن ترتيلا} إذا ترسل في تلاوته وأحسن تأليف حروفه، وهو يسترسل في كلامه ويترتل. ولكن الباحث استند إلى الأصل اللغوية في المادة “ر ت ل” رتل الشيء: نسقه ونظمه. وقال لا يمكن أن يكون المقصود في عبارة {ورتل القرآن ترتيلا} الوارد في سورة المزمل {يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا} (الآيات 1-5) تأنق في تلاوته، لأن ما جاء في الآية التالية (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا) لا يرتبط من قريب أو بعيد بالتأنق في التلاوة، حيث أن “وصف القول بالثقيل” لا يقصد به الثقل في التلفظ والنطق، بل وعورة فهم معنى ما يشتمل عليه القرآن من علم. وإذا كان ذلك كذلك اتضح أن معنى {ورتل القرآن ترتيلا} هو رتب أو نظم الموضوعات الواحدة الواردة في آيات مختلفة من القرآن، في نسق واحد كي يسهل فهمها.
وانطلاقاً من هذا الفهم الجديد لترتيل القرآن، قام الباحث بجمع “ترتيل” جميع الآيات التي وردت فيها لفظة “القرآن” وجميع الآيات التي وردت فيها لفظة “الكتاب”، واستنطقها، فظهر حينئذ بجلاء الفرق بينهما.
قد يصاب القارئ بصدمة عند وصوله إلى النتيجة المعروضة في باب “الذكر” والتي تقول بعدم ترادف القرآن والكتاب، ووجود فرق بينهما، لأن هذه النتيجة تهدم التصور السائد في فهم الإسلام القائم على ترادف القرآن والكتاب.
وبعد قبول النتيجة قد يصاب القارئ بحيرة، لأن قبول هذه النتيجة يستوجب بالضرورة تقديم تصور جديد في فهم الإسلام قائم على تباين القرآن والكتاب.
وقد أدرك الدكتور شحرور ذلك، فلم يترك القارئ في حيرته بعد الصدمة، بل قدم له التصور الجديد الذي يقترحه في فهم الإسلام، بالاستناد إلى نتائج استخدام المنهج التاريخي العلمي في دراسة آيات الذكر الذي تعهد الله بحفظه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر 9). ومعروف أن الذكر هو الصيغة الصوتية المنطوقة لما يشتمل عليه المصحف بين دفتيه.
في الباب الثاني “جدل الكون والإنسان” عمد الباحث إلى جمع “ترتيل” الآيات التي اشتملت على موضوعات خلق الكون، وخلق الإنسان، ونشأة الألسن، واستنطقها. فأكدت هذه الآيات أن القرآن يشتمل على قانون الجدل العام {كل شيء هالك إلا وجهه} (القصص 88) من ناحية، ويشتمل من ناحية أخرى، على قانون الجدل الخاص بالإنسان، الذي أبانه الله عن الحيوان بنفخة الروح، التي مكنته م الارتقاء عن عالم الحيوان بالعقل، ليصبح خليفة الله في الأرض بواسطة العلم.
كما أكدت تلك الآيات ارتباط اللغة والتفكير ووظيفة الإبلاغ منذ بداية نشأة الكلام الإنساني، وأن اللغة الإنسانية الأولى كانت منطوقة في نشأتها الأولى، وأن مصدر المعرفة الإنسانية هو العالم الخارجي المادي الذي يتعرف الإنسان عليه بواسطة القلم أي بمنهج تقليم “تمييز” سماته المختلفة.
وفي الباب الثالث “أم الكتاب والسنة والفقه” وصل المؤلف في الفصل الأول “أم الكتاب الرسالة” إلى فهم جديد للحدود الواردة في آيات الذكر الحكيم، وقدم رؤية جديدة للصراط المستقيم ولمعروف والمنكر. وفي الفصل الثاني “السنة” طرح المؤلف فهماً جديداً للسنة النبوية. وفي الفصل الثالث “الفقه الإسلامي” دعا الباحث إلى فقه جديد، ينطلق من مبدأ التلازم بين الاستقامة والحنيفية، وقدّم المؤلف هنا نموذجاً للفقه الجديد في دراسة موضوع المرأة في الإسلام.
وفي الباب الرابع “الشهوات الانسانية والقصص في القرآن” قدم المؤلف في الفصل الثاني نموذجاً للترتيل والتأويل في القصص القرآني.
وفي ختام هذا التقديم للمنهج اللغوي، في كتاب الدكتور المهندس محمد شحرور، الموسوم “الكتاب والقرآن” أرجو أن أكون قد وفقت في تعريف قارئ الكتاب بأسس المنهج اللغوي الذي تبناه المؤلف، وآمل أن أكون قد نجحت في بيان أهم النتائج التي توصل المؤلف إليها، بفضل ذلك المنهج اللغوي وأسهمت بالتالي في تهيئة القارئ لفهم الأمور الجديدة التي طرحها الدكتور محمد شحرور في دراسته المعاصرة للكتاب والقرآن.

دمشق في 15 رجب 1410 هـ، 10 شباط 1990م

الدكتور جعفر دك الباب

(1) كما ورد في “المعجم الوسيط” الذي وضعه مجمع اللغة العربية في القاهرة – إصدار المكتبة العلمية – طهران

اترك تعليقاً