الفصل السادس: مسألة الردة

الراء والدال والدال (ر د د) أصل صحيح في اللسان، ومفردة قرآنية وردت مشتقاتها في تسعة وخمسين موضعاً في التنزيل الحكيم تحمل عدداً من المعاني، أورد الزمخشري في أساس البلاغة أكثر من عشرين وجهاً من وجوه معانيها على الحقيقة وأكثر من عشرة وجوه على المجاز، رأينا أنها تدور حول بضعة محاور لا تتعداها، سواء في مواضعها من التنزيل أو في وجوه معانيها عند أهل اللسان، ما يهمنا في بحثنا هذا محوران:

1 – الرد بمعنى الإرجاع والإعادة، كما في قوله تعالى:

  • {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن} القصص 13.
  • {ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفاراً} البقرة 109.
  • {ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم} يوسف 65.

2 – الرد بمعنى المنع والصد والإحجام، كما في قوله تعالى:

  • {بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولاهم ينظرون} الأنبياء 40.
  • {وإن يردك بخير فلا راد لفضله} يونس 107.
  • {وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له} الرعد 11.
  • {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} المائدة 21.

ونقف عند آيتين تحديداً من التنزيل الحكيم هما:

آ – {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ..} البقرة 217.

ب – {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ..} المائدة 54.

ونبدأ بتعريف الردة – كما وردت في الآيتين – بأنها سلوك وعمل. تماماً كما عرّفنا الإيمان بأنه سلوك وعمل، وكما عرّفنا الكفر والشرك بأنه موقف وسلوك وعمل. ولما كانت السلوكيات والأعمال هي المعيار الذي يتقرر على أساسه الثواب والعقاب يوم الحساب، بدلالة قوله تعالى في سورة الزلزلة: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَه (8)}، فإن الردة عن الدين أحد هذه الأعمال التي يختارها الإنسان لنفسه ويتقرر مصيره على أساسها إلى الثواب أم إلى العقاب.

ننتقل الآن إلى تعريف موضوع الردة إذ لابد للردة والارتداد من موضوع ومحل تتجلى فيه، جواباً على سؤال منطقي هو: الارتداد عن ماذا؟ والجواب في كلتا الآيتين هو: الدين. والدين هو المنهج السلوكي العام بدءاً من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر والعمل الصالح، والحد الأدنى هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح إذ يكفي هذا الحد الأدنى للدخول في الإسلام، مروراً بالإئتمار بأوامر الله تعالى والانتهاء عن نواهيه، ثم القيام بأداء أركان الإيمان من صلاة وزكاة وصوم وحج، وذلك تحت عنوانين رئيسيين: الأول شهادة أن لا إله إلا الله وهي رأس الإسلام، والثاني شهادة أن محمداً رسول الله وهي رأس الإيمان. ثم الالتزام خلال ذلك كله بالمثل العليا والأخلاق الحسنة المحمودة.

تلك هي الردة عن الدين كما ترسمها آيتا البقرة 217 والمائدة 54. ورأس الدين هو الشهادة الأولى وصاحبها مسلم، والشهادة الثانية وصاحبها مؤمن من أتباع محمد (ص) وهي الملة الحنيفية الإبراهيمية، واليهودية والنصرانية هي ملل وليست أدياناً، إذ لا يوجد إلا دين واحد. والسؤال الآن: ماهي العقوبة التي قررها سبحانه في كتابه العزيز لمرتكب الردة، في ضوء ما نراه من عقوبات وحدود، كحد القتل، وحد الزنا، وحد السرقة، وحد رمي المحصنات علماً بأن الحدود في التنزيل الحكيم هي الحدود العليا للعقوبة؟ والجواب:

آ – عقوبة المرتد في آية البقرة 217 هي حبوط عمله وبطلانه في الدنيا والآخرة.

ب – عقوبة المرتدين في آية المائدة 54 هي أن الله سيستبدلهم بقوم يحبهم ويحبونه.

بعبارة أخرى، ليس في كتاب الله حد شرعي للمرتد سوى ما نصت عليه آيتا البقرة 217 والمائدة 54. وليس في هذا ما يثير العجب أو الاستنكار بل العكس هو الصحيح، لأن الإيمان موقف فكري واعً يختاره الإنسان العاقل دون إكراه ولهذا يحاسبه الله عليه يوم الحساب، وقل مثل ذلك في الكفر والشرك والردة بدلالة قوله تعالى {قُلْ يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقّ مِنْ رَبّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلّ فَإِنّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} يونس 108، وقوله تعالى عن الإنسان {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا} الإنسان 3.

فإذا كان ذلك كذلك – وهو كذلك فعلاً بلا ريب – فمن أين جاء تفسير المفسرين وفقه الفقهاء عن المرتد “إن يقتل عند الظفر به، ويقاتل إلى أن يظفر به، ولا يستحق من المؤمنين موالاة ولا نصراً ولا ثناءً حسناً، وتبين زوجته منه، ولا يستحق الميراث من المسلمين¨ (أنظر التفسير الكبير للرازي ج6 ص33)؟ ومن أين جاؤوا بقولهم “أن أهل الردة كانوا إحدى عشرة فرقة، ثلاث في عهد رسول الله (ص):

1 – بنو مدلج قوم الأسود العنسي.

2 – بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب.

3 – بنو أسد قوم طليحة بن خويلد.

وسبع في عهد أبي بكر:

4 – فزارة قوم عيينة بن حصن.

5 – غطفان قوم قرة بن سلمة القشيري.

6 – بنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل.

7 – بنو يربوع قوم مالك بن نويرة.

8 – بعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر.

9 – كندة قوم الأشعث بن قيس.

10 – بكر بن وائل بالبحرين قوم الخطم بن زيد.

وفرقة واحدة في عهد عمر بن الخطاب هي:

11 – غسان قوم جبلة بن الأيهم

(أنظر تفسير الكشاف للزمخشري ج1 ص 620)

والجواب: تلك حكايا أهل الأخبار ورواة قصص الأحداث، تمت أسلمتها تحت عنوان معصومية الصحابة وقدسية التراث فتحولت إلى تشريع لا أصل له في أحكام التنزيل الحكيم، وكان من خطر ذلك أن أصبح لدينا “إسلام تاريخي¨ بدلاً من “تاريخ إسلامي¨، وأصبحت لدينا نصوص تراثية لها من السلطة والسلطان ما لا يستطيع معه رجل كالزمخشري إلا أن يأخذ بها دون تفكر ولا تدبر ودون تحليل ولا تمحيص ودون زيادة أو نقصان(1).

لقد نظر فقهاء سلاطين الاستبداد في التنزيل الحكيم بحثاً عن الردة يبررون به التصفيات الجسدية التي يمارسها سلاطينهم ضد خصومهم، ويشددون به من إحكام قبضتهم على أعناق الناس باسم الحفاظ على الدين، فلم يجدوا. ونظروا في السنة النبوية العملية بحثاً عن مرتد قتله النبي (ص) بتهمة الردة فلم يجدوا أيضاً، رغم ما تحفل به كتب السيرة من أخبار مرتدين. فزعموا أن النبي (ص) في سنته القولية أمر بقتال بني مدلج وقتل رأسهم في الردة الأسود العنسي، وبقتال بني حنيفة وقتل مسيلمة الكذاب، وبقتال بين أسد وقتل طليحة بن خويلد. وزعموا أن النبي (ص) قال: “من بدل دينه فاقتلوه¨، وأن أبا بكر وعمر سارا بعده على خط سنته القولية تلك. ونقف بالتحليل والتأمل عند هذين الزعمين:

1 – أخرج البخاري وأبو داوود والنسائي وابن ماجة الترمذي وابن حيان والحاكم وأحمد وأبو يعلى والبيهقي والدارقطني والطبراني وابن أبي شيبة عن عكرمة (واللفظ للترمذي) أن علياً حرق قوماً ارتدوا عن الإسلام فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله (ص): من بدّل دينه فاقتلوه. ولم أكن لأحرقهم لقول رسول الله (ص): لا تعذبوا بعذاب الله. فبلغ ذلك علياً فقال: صدق ابن عباس. وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث صحيح حسن، والعمل عليه عند أهل العلم في المرتد، واختلفوا في المرأة إذا ارتدت. فقالت طائفة: تقتل. وهو قول الأوزاعي وأحمد، وقالت طائفة: تحبس ولا تقتل وهو قول سفيان وغيره من أهل الكوفة. أهـ.

وأخرج الإمام مالك في موطئه عن زيد بن أسلم أن رسول الله (ص) قال: من غيّر دينه فاضربوا عنقه. مرسل عند جميع الرواة. ومعنى قول النبي (ص) فيما نرى والله أعلم أن من خرج من الإسلام إلى غيره مثل الزنادقة وأشباههم فأولئك إذا أظهروا ذلك قتلوا ولم يستتابوا، وأما من خرج من الإسلام إلى غيره ولم يظهر ذلك يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ولم يعن النبي (ص) بذلك فيما نرى والله أعلم من خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية أو إلى غيرها. أهـ. مع أن اليهودية والنصرانية هي ملل تنتهي إلى الدين الإسلامي.

ونفهم مما قاله الإمام مالك ثلاثة أمور. الأول، أن حديث زيد بن أسلم عن النبي (ص) صحيح عنده، بدليل أنه أورده في موطئه. والثاني، أن للحديث دلالة على خلاف ظاهره، فالنبي (ص) – عند مالك – يتحدث عن حكم المسلم الذي يغير دينه إلى النصرانية أو اليهودية أو غيرهما من الأديان ولا يتحدث عمن يغير دينه مطلقاً، وإلا فالحديث على ظاهره يشمل اليهودي والنصراني وغيرهما إن هما اعتنقا الإسلام وهذا محال. والثالث وهو الأهم، أنه جعل من ظهار المرتد لردته والإصرار عليها شرطاً لنفاذ حكم القتل فيه.

كما نفهم مما قاله الإمام أبو عيسى الترمذي ثلاثة أمور. الأول، أن حديث عكرمة عن ابن عباس عن النبي (ص) صحيح عنده حسبما صرح حرفياً. الثاني، ثبوت صحة الحكم في الحديث عن الرجل المرتد، الثالث وهو الأهم، استثناء المرأة المرتدة من حكم القتل عند طائفة منهم سفيان الثوري، رغم أن الاسم الموصول (من) في الحديث يشمل الرجل والمرأة لزوماً.

وإذا كان الحديث بروايته الأولى (من بدل دينه فاقتلوه) قد صح عند البخاري والترمذي وغيرهما من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والمستدركات والمصنفات، وإذا كان الحديث بروايته الثانية (من غير دينه فاضربوا عنقه) قد صح عند مالك في موطئه، فإن الحديث بروايتيه لم يصح عند الإمام مسلم، تماماً مثلما لم يصح عندنا.

وإذا كانت حجة الإمام مسلم في رفضه لهذا الحديث غير معروفة، فإن حجتنا في رفضه هي التالية:

آ – خروجه عن عقوبة المرتد المنصوص عنها في آيتي البقرة 217 والمائدة 54.

ب – تعارضه مع التنزيل الحكيم نصاً وروحاً في عشرات الآيات، منها: {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ} آل عمران 128، و{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} النحل 125، و{وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} يونس 99، و {فَذَكّرْ إِنّمَا أَنْتَ مُذَكّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلّا مَنْ تَوَلّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذّبُهُ اللّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)} الغاشية 21 – 24.

ج – تعارضه مع أحاديث نبوية أخرى، منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله. ومنها ما رواه أبو داوود وابن ماجه في سنتهما عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.

د – يلاحظ المتأمل أن حديث (من بدل دينه فاقتلوه) ورد عن عكرمة عن ابن عباس في معرض تعليقه على تحريق الإمام علي لفرقة من الزط اتخذوا لأنفسهم أصناماً يعبدونها مرتدين عن عبادة الله. وهذه حادثة – إن صحت – فالأرجح أنها وقعت في خلافة الإمام علي، أي بعد عام 35 هـ. والسؤال الآن: أين كان هذا الحديث النبوي المزعوم حين اعترض عمر بن الخطاب على أبي بكر في قتال أهل الردة، فقال له أبو بكر: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله (ص) لقاتلتهم على منعه)؟ لو كان هذا الحديث صحيحاً ومعروفاً لاحتج به أبو بكر فكانت حجته أقوى وأوضح، ولا يحتاج معها إلى الاجتهاد.

هـ – هذا الحديث بروايتيه، لم يجر تطبيقه عملياً لافي العصر النبوي على يد الرسول (ص) ولا في العصر الراشدي على يد أي من الخلفاء الأربعة.

صحيح أن النبي (ص) أمر بقتال وقتل ذي الخمار عبهلة بن كعب المشهور باسم الأسود العنسي مع من انضم إليه من عوام مذحج، وأمر بقتال وقتل طليحة بن خويلد مع من انضم إليه من بني أسد، وأمر بقتال وقتل مسيلمة بن حبيب مع من ناصره من بني حنيفة، إلا أن صدور مثل تلك الأوامر بالقتال والقتل عن النبي (ص) في أواخر السنة العاشرة للهجرة كانت لها أسباب موجبة ولا علاقة لها بالردة عن الدين لا من قريب ولا من بعيد، سنعرض لها بالتفصيل في الفقرة التالية ونحن نقف بالتأمل والتحليل أمام الزعم الثاني.

2 – يبدأ ذكر الردة عن أهل التفسير بآيتي البقرة 217 والمائدة 54، ويبدأ فقه فقهاء الردة بهما أيضاً، تماماً كما يبدأ ذكرها عند أهل الأخبار وأصحاب كتب السير والتراجم في أواخر السنة العاشرة للهجرة أي بعد حجة الوداع. والسؤال الآن: ألم تكن هناك ردة ومرتدون قبلها؟ والجواب: بلى، لكنها كانت تأتي تحت عنوان آخر هو النفاق. (يروي الفخر الرازي في تفسيره الكبير (ج12 ص 18) عن أم المؤمنين عائشة قولها: مات رسول الله (ص) وارتدت العرب وأُشهر النفاق).

والإمام الزمخشري حين يعدد في تفسيره الفرق المرتدة الإحدى عشرة، ومثله باقي المفسرين كالفخر الرازي، يبدأها بثلاث في عهد النبي (ص)، ثم بسبع في عهد أبي بكر، وينتهي بواحدة أخيرة في عهد عمر. والسؤال الآن: ألم تحصل ردات بعد عهد الخليفة الثاني عمر؟ والجواب: بلى، لكنها صارت تحمل عناوين فقهية أخرى كالحرابة والصيال ونقض البيعة والخروج عن الجماعة والزندقة ورفض طاعة أولي الأمر وغيرها. ولقد شرحنا فيما سبق ما رأيناه في قول الإمام الزمخشري من مآخذ فلا نعيد. بقي أن نشير إلى أن لقائمة الفرق المرتدة عند الزمخشري فائدة واحدة رغم مالها من مآخذ، هي أن الردة عنده لا تكون إلا جماعية.

فإذا نحن نظرنا في هذه الفرق كلها على ضوء:

آ – الإظهار عند الإمام مالك..

ب – الإشهار عند الرازي نقلاً عن عائشة (رض)..

ج – الجماعية عند الزمخشري. وجدناها تحمل جميعها هذه الصفات الثلاثة. إضافة إلى صفة رابعة أهم من ذلك كله، هي أنها جميعاً حركات انفصالية معارضة تعلن العصيان المسلح على الحكومة المركزية.

يقول الطبري في تاريخه (ج3 ص 229 وما بعدها) عن الأسود العنسي: “ثم توجه إلى نجران حتى أخذها في عشر لمخرجه، وطابقه عوام مذحج، ثم قتل شهر بن باذام (أحد عمال رسول الله (ص) على اليمن بعد موت أبيه) وهزم الأنباء وغلب على صنعاء، وغلب الأسود على ما بين صهيد – مفازة حضرموت – إلى البحرين قبل عدن، وطابقت عليه اليمن، وجعل يستطير استطارة الحريق. وكان معه يوم لقي شهراً سبعمئة فارس سوى الركبان، وكان خليفته في مذحج عمرو بن معد يكرب الزبيدي، (وكان قد كتب كتاباً لمن جاء لقتاله قال فيه: أيها المتوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا فنحن أولى به) أهـ”.

ويقول عن طليحة بن خويلد (المرجع نفسه ص 253 وما بعدها) “..لما أرزت عبس وذيبان ولفها إلى بُزاخة (ماء لبني أسد أقام عنده طليحة وأنصاره قادمين من سميراء) أرسل طليحة إلى جديلة والغوث أن ينضموا إليهم فتعجل إليه أناس من الحيين. وكانت خيل طيء تلقى خيل أسد وفزارة فلا يقتتلون، فتقول أسد وفزارة: لا والله لا نبايع أبا الفصيل أبداً (يعنون أبا بكر تحقيراً) فتقول طيء: نشهد ليقاتلنكم حتى تكنوه أبا الفحل الأكبر¨ أهـ .

مرة أخرى نجد أن المسألة مسألة بيعة لرجل من أفناء الناس بالمعيار القبلي استقرت في سقيفة بني ساعدة، ولا علاقة لها بالردة عن الدين من قريب ولا من بعيد. ولعل أفضل من عبّر عن استياء المعارضين ومخاوفهم هو جرول بن أوس (الحطيئة) في أبيات نسبها إليه صاحب الأغاني:

أطعنا رسول الله ماكان بيننا فيا لعباد الله ما لأبي بكر

أيورثها بكراً إذا مات بعده وتلك لعمر الله قاصمة الظهر

فهلا رددتم رفدنا بزمانه وهلا خشيتم حس راغية البكر

ومرة أخرى نجد أن الحديث النبوي المزعوم بروايتيه (من بدل دينه فاقتلوه) و(من غير دينه فاضربوا عنقه) لم يتم تطبيقه والعمل به في العصر النبوي ولا في عهد أبي بكر وعمر، بدليل أننا نجد في تاريخ الطبري عشرات الأسماء لأشخاص لم يقتلوا رغم اشتراكهم في العصيان المسلح وفي قتال جيوش الحكومة المركزية، وفيهم مشهورون وردت أخبارهم في كتب الأخبار والتراجم. نذكر منهم:

الأشعث بن قيس، الزبرقان بن بدر، جرول بن أوس (الحطيئة)، عوف بن سنان، علقمة بن علاثة، عيينة بن حصن، زُميل بن قطبة القيني.

يقول العسقلاني في كتاب “الإصابة في تمييز الصحابة¨ تحت رقم 205: “الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي، كنيته أبو محمد، وفد على النبي (ص) في سبعين راكباً من كنده. وكان من ملوك كندة، وهو صاحب مرباع حضرموت روى عنه البخاري ومسلم في صحيحهما، وكان قد ارتد فيمن ارتد من الكنديين وأسر، فلما جيء به إلى أبي بكر أطلق وثاقه وزوجه أخته، فاخترط سيفه ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملاً ولا ناقة إلا عرقبه، فصاح الناس: كفر الأشعث. فلما فرغ طرح سيفه وقال: إني والله ما كفرت، ولكن هذا الرجل زوجني أخته ولو كنا في بلادنا لكانت وليمة غير هذه، يا أهل المدينة كلوا، ويا أصحاب الإبل تعالوا فخذوا شرواها. شهد اليرموك والقادسية وشهد صفين مع علي، ومات سنة اثنتين وأربعين بعد مقتل علي¨ أهـ.

يقول في المرجع نفسه تحت رقم 6151: “عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري، كنيته أبو مالك، كان من المؤلفة قلوبهم، له صحبة ولم تصح له رواية. أسلم قبل الفتح وشهد فتح مكة وحنيناً والطائف، ثم كان ممن ارتد في عهد أبي بكر ومال إلى طليحة فبايعه، وكان فيه جفاء سكان البوادي. قال إبراهيم النخعي: جاء عيينة بن حصن إلى النبي (ص) وعنده عائشة فقال: من هذه الجالسة إلى جانبك؟ قال: عائشة. قال: أفلا أنزل لك عن خير منها؟ يعني امرأته أم البنين. وقرأت في كتاب الأم للشافعي أن عمر بن الخطاب قتل عيينة بن حصن على الردة ولم ار من ذكر ذلك غيره، فقد عاش عيينة إلى خلافة عثمان¨ أهـ.

أما بالنسبة للزبرقان بن بدر، فلم يذكر صاحب الإصابة شيئاً عن ردته التي ذكرها الطبري في تاريخه، إلا أنه عده في المعمرين، فقد عاش إلى خلافة معاوية، بدليل ما ذكره الجاحظ في البيان والتبيين من أن الزبرقان دخل على زياد بن أبيه وقد كف بصره فسلّم خفيفاً، فأدناه زياد وأجلسه معه وقال: يا أبا عباس إن القوم يضحكون من جفائك. فقال: وإن ضحكوا، والله إن رجلاً إلا يود أني أبوه لغيّةٍ أو لرشدةٍ.

والسؤال الآن: هل كان يجوز لأبي بكر أو غيره – إن صح حديث قتل المرتد – أن يأسر مرتداً، أو يعفو عنه ويطلقه من وثاقه، أو يزوجه أخته؟ وهل يجوز – إن صح ما فعله خالد بن الوليد بمالك بن نويرة وقومه – السكوت عن مخازٍ وتجاوزات تكفي اليوم لترسل صاحبها إلى محكمة مجرمي الحرب في لاهاي؟

إننا لا نحاول هنا محاكمة التاريخ وأهله كما صاغه لنا فقهاء عبد الملك بن مروان وأبي جعفر المنصور فـ {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} البقرة 141، لولا أن بدعة القول بالردة وتوظيفها كغطاء شرعي في تصفية خصوم السلطان ومعارضيه، مازالت تمارس دورها حتى اليوم عند أكثر الجماعات الإسلامية إرهاباً. فقد أباح أيمن الظواهري قتل الحكام العرب لأنهم مرتدون، أي نفس السلاح الذي استعمل سابقاً من قبل السلاطين يستعمل الآن كمبرر شرعي لقتل الحكام.

لقد دخلت مسألة الردة في الجانب السياسي من العقل العربي الإسلامي، فأصبح ما حصل في سقيفة بني ساعدة جزءاً من الشرع الإسلامي، وما حصل في حروب الردة في السنتين العاشرة والحادية عشرة للهجرة أصبح معياراً شرعياً مازال الحاكم وغيره من الجماعات السلفية الجهادية حتى اليوم يشهرونه كالسيف فوق رؤوس معارضيهم أفراداً وجماعات. كما دخلت في الجوانب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية من الوعي العربي. ولقد أسهم عدد من العوامل والظواهر في تكريس وتثبيت هذه المسألة في الفكر العربي، سواء عند الراعي الحاكم أم عند الرعية المحكومة، والسيف واحد في الحالتين: من غير دينه فاضربوا عنقه.

1 – الفهم التشخيصي العيني، للنص القرآني والنبوي والتاريخي، طبع جانباً من الثقافة العربية الإسلامية، ومازال حتى اليوم مؤثراً في تشكيل هذه الثقافة، ولعل أبرز أمثلة ذلك أن البعض مازال يصر على إخراج زكاة الفطر وصدقات الصيام بشكل قمح، ولا يقتنع بأن النقد يجوز كبديل. مما أسهم في دخول الجانب الخرافي في التاريخ العربي الإسلامي عبر كتب السيرة النبوية وكتب الأخبار والتراجم.

2 – الغلو في احترام التراث والسلف (عدا التنزيل الحكيم فهو ليس تراثاً) ودخوله في الوعي الثقافي كمقدسات لا يجوز المساس بها، جعلنا نتمسك حتى اليوم بذكورية المجتمع، وبفهم قوامة الرجال على النساء، بأنهم مسلطون عليهن بالتأديب والأخذ على اليد لفضلهم عليهن بالعلم والعقل والولاية، مما نتج عنه عدد من التشريعات التي تنص على عدم السماح للمرأة مهما بلغت من العمر والثقافة بالزواج أو السفر دون ولي.

3 – تعاظم أثر التقاليد الاجتماعية إلى حد يعطل أحكام التنزيل الحكيم، ومثاله الإرث والزنا، فالله تعالى يقول: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً} النساء 7. ومع ذلك فما زالت النسبة الغالبة من العرب المسلمين لا تعطي البنت حقها بالإرث. فإذا قال قائل: أولئك جهلة لا يعتد بهم، أجبناه بأن تشريعات (علم الفرائض) المعمول بها، تعتبر الولد الذي يحجب ذكراً، أما الأنثى فلا، وكذلك في الزنا، فرغم أن العقوبة شملت الزانية والزاني في التنزيل الحكيم، فما زالت تقاليدنا تدين المرأة وتفخر بالرجل، ومازالت قوانيننا تمنح الأعذار المحلة من العقوبة للرجل الذي يقتل زوجته بالجرم المشهود، ولا تمنحها للمرأة التي تقتل زوجها بالجرم المشهود.

4 – الغلو المتطرف في التعصب المذهبي، طبع بدوره جانباً آخر من ثقافتنا، مثاله ابن عابدين من أئمة الأحناف الذي يقول في حاشيته: إن أفتى أصحابنا بما يخالف كتاب الله، أخذنا بما أفتى به أصحابنا. ومثاله ما نراه اليوم سائداً من تكفير بعضنا بعضاً، منطلقين من أن كل من لا يقول بما نقول فهو كافر.

5 – حرية الاختيار لدى الإنسان، بدءاً من اختيار العقيدة التي يريد وانتهاءً بلون الملابس التي يرتدي، غير موجودة أصلاً لافي ثقافتنا السابقة ولا في ثقافتنا الحالية، فهي ليست بذات أهمية إن سلبت. فبوسع أي نظام عرفي اعتقال الآلاف من المواطنين في يوم واحد دون أن يخاف من عصيان مدني. لكنه يخاف أن ينزع الحجاب عن عشر نساء في الطريق لأن هذا يؤدي إلى إشكالات لا يؤدي الاعتقال إليها.

6 – الحياة أيضاً ليست ذات قيمة في ثقافتنا، فالأعمار مكتوبة سلفاً، والأطباء تعامل المرضى كما يعامل عامل المخبر فئران التجارب، إن ماتت فالمكتوب أنها ستموت بهذه اللحظة. أما السادة المشايخ فيؤنبوننا يومياً على حبنا للحياة وحرصنا عليها، علماً أن حب الحياة وكره الموت فطرة فطر الله كل مخلوقاته عليها عاقلة وغير عاقلة. لذا فلا عجب مما نراه من استهتار بالحياة الإنسانية ونحن نرى إنساناً يقتل نفسه مع آخرين لا يعرفهم أصلاً فيهم النساء والشيوخ والأطفال. والإنسان الذي يفعل ذلك يحمل ثقافة مريضة.

ثمة الكثير الكثير من الأمثلة عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية من ثقافتنا العربية الإسلامية، نكتفي بما أوردناه منها، لنعود إلى الجانب الذي يعني بحثنا هنا، وهو الجانب السياسي.

قلنا إن وفاة الرسول الأعظم (ص) لم تخلق فراغاً دينياً، لا على المستوى العقائدي ولا على المستوى الشعائري أو القيمي أو التشريعي، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة 3. ولكنها تركت فراغاً سياسياً لأنه كان المؤسس فقط ولم يكن لحظة واحدة ملكاً ولا رئيس دولة بل كان نبياً ورسولاً، فالدولة بحاجة إلى من يقودها ويديرها. وقلنا إن الإجراءات التي تم اتخاذها في اجتماع السقيفة كانت خطوات سياسية بحتة لا علاقة لها بالإسلام ولا بالإيمان، ومع ذلك فقد دخلت وعينا السياسي، بذاتها وبما أحدثته من آثار لاحقة، كأحكام شرعية يقاس عليها، منطلقين في ذلك من مفهومين: عصمة الأئمة وعدالة الصحابة، ثم تلا ذلك حروب الردة، تبعتها الحروب الأهلية في الجمل وصفين، ليبدأ بعدها ترسيخ الحكم الوراثي على يد معاوية، مؤسس حكم الأسرة السفيانية في العصر الأموي. وكانت هذه المرحلة الانتقالية من العهد النبوي إلى الدولة الإمبراطورية المتناغمة والمنسجمة مع الدول في العالم في ذلك الوقت.

نعود لنتأمل في مصطلح الردة، وكيف نشأ في العصر الراشدي، وكيف تحدد هذا المفهوم ودخل ثقافتنا ووعينا السياسي والديني، ومازال إلى يومنا هذا، سلاحاً أساسياً للقضاء على المعارضة بكل أنواعها وأشكالها.

ونعود لنتساءل: ما هي الردة؟ ومن هو المرتد؟ ولماذا نجد المرتدين في التنزيل الحكيم يوصفون بالخاسرين الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة دون تحديد معين للعقوبة الدنيوية؟ وهل نفهم أن الله تعالى قصد بذلك أن يترك أمر تحديد العقوبة للسلطان الإمام بحسب معطيات الحالة وظروفها الزمانية والمكانية؟ وهل كان الحكم النبوي على المرتد بالقتل يدخل ضمن هذا القصد الإلهي؟ وهل يشمل مفهوم الردة الخروج على الجماعة إطلاقاً أياً كانت هذه الجماعة، والخروج على السلطان الحاكم؟ وهل الارتداد عن البيعة ارتداد عن الدين؟ وما علاقة الردة بحرية الاختيار؟

إن القراءة المتأنية للتاريخ العربي الإسلامي تجعلنا نعترف بأن مفهوم الردة قد اصطبغ بصباغات شتى، وأن حدود هذا المصطلح كانت هلامية مطاطة، أساء البعض الاتكاء عليه أكثر من مرة، ولن ندعي هنا الإجابة على كل هذه الأسئلة، وغيرها كثير، وتوضيح العديد من الأحداث التي وقعت تحت شعار الردة في التاريخ العربي الإسلامي، فالكل يعلم أن الحجاج حين قتل سعيد بن جبير، لم يقتله لأنه ارتد عن دينه، بل قتله لأنه بايع الزبير على الخلافة، أي أن الحجاج رأى في ذلك ردة سياسية تستوجب القتل، والكل يعلم أن بيعة الزبير تمت قبل بيعة مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، ومع ذلك لم يقتلا بتهمة الردة، والعجيب أن الذي حصل هو العكس تماماً.

هناك إذاً ردة عقائدية هي الارتداد عن الدين، وهناك ردة سياسية لا علاقة لها بدين ولا بإسلام ولا بإيمان، وقد اختلطت هاتان في الوعي العربي الإسلامي الثقافي والسياسي، حتى كأنهما عنده شيء واحد.

الردة عن الإسلام:

لقد قلنا بأن الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر كحد أدنى، كمسألة غير قابلة للنقاش، وهو العمل الصالح والقيم العليا (القانون الأخلاقي) التي بدأت بنوح حتى اكتملت وتمت بمحمد (ص)، وهو دين الفطرة الوحيد الذي ارتضاه الله للناس، وهو الدين الذي أغلق المحرمات، فلا محرمات بعده، حيث يأتي بعده أمر ونهي حسب ما يراه المجتمع في مؤسساته التشريعية والمدنية، وهو المنتشر اليوم بين معظم أهل الأرض، ولهذا فنحن ننظر إلى الردة عن الإسلام بالمستويات التالية:

آ – المستوى العقائدي: وهو الإيمان بالله واليوم الآخر. الذي يتحول بالارتداد عنه إلى مجرم قاطع لصلته بالله منكر اليوم الآخر وهو ما نقول عنه الملحد، أو دخل في دين آخر وثني غير توحيدي، أي خرج عن شهادة أن لا إله إلا الله، ولا يهم بعدها أشَهِد أن محمداً رسول الله أم لم يشهد. في هذا المستوى للإنسان مطلق الحرية بأن يكون مسلماً أو مجرماً (ملحداً) ولا سبيل لأحد عليه بإكراهه لأنه مستوى شخصي بحت لا يحمل الصفة الاجتماعية. وله الحق أن يعلن عن ذلك بالوسائل السلمية المتاحة.

ب – المستوى العملي: وهو العمل الصالح والقانون الأخلاقي، الذي تعتبر الردة عنه مستحيلة، إذ لا يمكن لإنسان أن يضرب والديه، ويمارس الفاحشة العلنية، ويدعو مجتمعه إلى الغش في المواصفات وشهادة الزور وإشاعة والغيبة والنميمة والتجسس، فإن حصل ذلك، قام أفراد المجتمع أنفسهم بغض النظر عن ملتهم وديانتهم بتوقيفه وإيداعه المشفى على أنه مجنون أو مجرم بحق المجتمع. وفي هذا المستوى يجب أن يقوم التعاون بين المؤمنين وبقية العالم.

من هنا . من اعتبار أن الإسلام مثل عليا تنظم العلاقات الاجتماعية الإنسانية تعتبر حقوق الإنسان جزءا ًمنها، يتفق عليها الرأي والرأي الآخر، نقول أن الردة عن الإسلام، وبعبارة أخرى أن الردة العملية مستحيلة.

ج – المستوى التشريعي: حيث أن التشريع الإسلامي تشريع مدني إنساني ضمن حدود الله، فكلما زادت الأمم تحضراً زادت اقتراباً من التشريع الحدودي الذي يمثل حنيفية الإسلام، والدول البرلمانية الحقيقية تتمثل في قوانينها حنيفية الإسلام.

الردة عن الإيمان:

حين كتبنا عن الإسلام والإيمان، أوضحنا أن رأس أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن رأس أركان الإيمان شهادة أن محمد رسول الله، وانطلقنا من آيات التنزيل الحكيم التي تسمي نوحا وإبراهيم ويعقوب وموسى وعيسى وأتباعهم المسلمين، وتسمي أتباع محمد (ص) المؤمنين. ففي التنزيل الحكيم سور كاملة تتحدث عن المؤمنين حصراً كسورة محمد وسورة الأنفال. لذا قلنا أن اليهودية والنصرانية هي ملل وليست أدياناً في قوله تعالى {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} البقرة 120 والذي يتحول من التبعية لمحمد (ص) أي من الملة الحنيفية إلى ملل أخرى وهي اليهودية والنصرانية فقد خرج من الإيمان فقط. إذا بقي على التوحيد وهذا حقه أيضاً ونلاحظ هذا في قوله تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلّا نَعْبُدَ إِلّا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ} آل عمران 64.

لدينا الإستنتاجات التالية:

آ – الخطاب لأهل الكتاب اليهود والنصارى وفي عهد رسول الله.

ب – اشترط التوحيد على نفسه وعليهم.

ج – عدم اتخاذ الربوبية بعضهم لبعض.

د – إن لم يرضوا بذلك فطلب منهم أن يشهدوا بأنه النبي وبأنهم مسلمون.

السؤال: لماذا طلب منهم أن يشهدوا بأنه مسلم وهل هو بحاجة إلى شهادتهم؟ الجواب لأنه يعتقد بأنهم مسلمون وأنه مسلم مثلهم وطلب منهم الدخول في الإيمان والمحافظة على التوحيد.

فإذا نظرنا إلى الدعوة المحمدية من الزاوية السياسية المجردة، نجد أن محمداً (ص) إضافة إلى دوره كرسول يبلّغ وحي ربه، استطاع كنبي أن يؤسس بمساعدة أتباعه من المؤمنين به، دولة مركزية عاصمتها يثرب، تضم بين مواطنيها المؤمنين والنصارى واليهود وغيرهم، وقد كانت قفزة في التاريخ فرضت سلطانها على ما حولها من مناطق وقبائل، بشكل لم يعرفه العرب في تاريخهم من قبل، وكان من الطبيعي أن تبقى زعامة وقيادة وإمارة هذه الدولة محصورة بأيدي من أقامها، ومن هنا نشأ مصطلح أمير المؤمنين بعد العصر النبوي ونشأ معه مصطلح بيت مال المسلمين، فالإمارة في الدولة للمؤمنين أتباع محمد (ص)، أما الخزينة العامة وبيت المال فهي لجميع المواطنين على حد سواء وهذا ما يبين من أن العرب منذ بداية الدعوة النبوية لم يفرقوا بين الملك والنبوة، فمحمد (ص) كان نبياً ولم يكن ملكاً إطلاقاً، للمزيد من التفاصيل في هذا الموضوع راجع كتاب الخلافة الإسلامية للمستشار محمد سعيد عشماوي حيث شرح هذا الموضوع بشكل علمي ودقيق.

ضمن هذا المفهوم، نقرأ في التراث خبر الإمام علي (رض) وهو يعطي النصراني واليهودي من بيت المال، ونقرأ خبر أبي ذر الغفاري يعارض معاوية حين حاول إطلاق تسمية جديدة “مال الله¨ بدلاً من “مال المسلمين¨ على الخزينة العامة.

وضمن هذا المفهوم نرى اليوم في بريطانيا مثلاً، أن إمارة الدولة بيد حزب العمال برئاسة توني بلير، بينما الخزينة العامة لكل الشعب البريطاني من محافظين وعمال وغيرهم.

فالطريقة الوحيدة في البلاد الديموقراطية، اليوم، لاستلام الحكم والإمارة، هي الانضمام إلى أحد الأحزاب في البلاد، ثم استلام رئاسته، ثم النجاح في الانتخابات، أما الطريقة الوحيدة التي دخلت الوعي السياسي العربي الإسلامي خلال العصر النبوي وبعده، فهي ادعاء النبوة والاستقلال المالي بالدخل والإنفاق، تمهيدا للانسلاخ عن الدولة المركزية القائمة، وهذا بالضبط ما حصل في حروب الردة أيام أبي بكر الصديق (ر).

من هنا نشأ الفهم التاريخي للجزية التي كان يدفعها مواطنو الدولة من غير المؤمنين، حيث أن دخل هذه الدولة (الميزانية) كان يجمع من المواطنين المؤمنين وغير المؤمنين، فالمؤمنون يدفعون الصدقات، أما المواطنون من غير المؤمنين، كانوا يدفعون مقابل هذه الصدقات الجزية لبيت مال المسلمين.

وجاء اسم أمير المؤمنين، باعتباره أعلى سلطة تنفيذية وتشريعية، في سلطة الدولة، واضحاً على أن المؤمنين أتباع محمد (ص) هم الذين وقع على عاتقهم تأسيس وقيام الدولة، بينما بيت مال المسلمين كان يجمع ويصرف على جميع المواطنين، مؤمنين وغير مؤمنين ، لذا جاءت تسميته معممة بالمسلمين وليست مخصصة بالمؤمنين ، ويمكننا أن نلاحظ اليوم بأن ميزانية الدولة تجمع من قبل مواطني الدولة بالتساوي (حسب قانون الضرائب) أما الصدقات التي يدفعها المؤمنون من مواطني هذه الدولة، يمكنهم أن يدفعوها وفق قناعاتهم الخاصة، وكذلك فإن مواطني الدولة من غير المؤمنين، يقومون بأعمال الخير والبر والإحسان، حسب قناعاتهم، لذا فإن مفهوم الجزية، لغير المؤمنين، عبارة عن مفهوم تاريخي بحت، لا توظيف له اليوم، حيث أن الضرائب التي تفرض على المواطنين جميعاً حلت محل مفهوم الصدقات والجزية التاريخيين التي كانت تشرف عليهما الدولة.

لذا فإن كل من يطالب اليوم بدفع الجزية، لغير المسلمين المؤمنين في أي دولة، إنما يطرح وهماً، لأن شكل وبناء الدخل القومي للدولة تغير كلياً، وإحدى نتائجه الهامة فصل الصدقات عن هذا الدخل، وبالمقابل فإنه لا مبرر لمطالبة المسلمين من غير المؤمنين بدفع الجزية، لأن الجزية المطلوبة اليوم عبارة عن دال تاريخي فقد مدلوله، وأخذ مدلولاً آخر في قانون الضرائب العامة، وإن أي دعوة لتكريس هذا المفهوم وتعميقه وفرضه، لن يؤدي إلا إلى طريق مسدود وسفك دماء لامعنى لها.

كان المؤمنون من أتباع محمد (ص) سياسياً عبارة عن حزب سياسي برئاسة النبي (ص)، يحمل كل الأبعاد الايبستمولوجية والأيديولوجية المتقدمة على كل ما كان سائداً آنذاك، وكان رؤوس المهاجرين والأنصار يشكلون نواة هذا الحزب بحسب قدمهم وأولوياتهم في الدخول بالإيمان بمحمد (ص)، وأصبحت هذه الأقدمية التنظيمية عاملاً مهماً فيما بعد في استلام المناصب وتوزيع الغنائم. وهذا يعتبر اختراقاً كبيراً جداً في مجتمع يقوم على القبلية والعشيرة سرعان ما تم إلغاؤه بعد وفاة النبي (ص).

في ضوء هذا كله، نجد أن الوعي العربي الإسلامي السياسي قام على أمرين: الأول أن كل إنسان يريد أن يؤسس دولة يرأسها، كما فعل محمد (ص)، عليه أن يكون نبياً أولاً، والثاني كل من يريد إمارة المؤمنين، عليه أن ينتظر ذهاب الرعيل الأول الذين قامت الدولة على أكتافهم أول مرة. وهذان الأمران حصلا في التاريخ العربي الإسلامي.

فأخبار الأسود العنسي وطلحة ومسيلمة، توضح لنا الأمر الأول، وكيف أن إدعاء النبوة طريقة لاقتسام السلطة وتقسيم الدولة، وكيف أن الموضوع برمته ليس أكثر من ردة سياسية انفصالية، لم يملك الرسول (ص) وأبو بكر بعده، إلا الأمر بالقتل والقتال.

أما فيما يخص الأمر الثاني، فقد قام المؤمنون الأولون برئاسة محمد (ص) بتأسيس دولة في يثرب، استطاعت أن تفتح مكة، مركز قوى المعارضة، وكما يحصل في كل حزب يستلم السلطة ويقضي على المعارضة، فقد توافد الانتهازيون قبيل فتح مكة بقليل وبعد الدخول في دين الحزب الجديد، كأبي سفيان وعمرو بن العاص وغيرهم، لكن وجود الرعيل الأول ذي الأقدمية والسبق التنظيمي لم يكن يسمح للأعضاء الجدد بالوصول إلى ما يصبون إليه، ولهذا رأينا أن هذا الأمر لم يستتب لمعاوية إلا بعد ذهاب رؤوس الرعيل الأول من الراشدين الأربعة. من هنا فنحن نذهب إلى القول بأن الردة العملية مستحيلة، وإن حصلت على الصعيد الفردي فعقوبتها ليست القتل، وإن الردة الوحيدة التي تستوجب القتل والقتال هي الردة السياسية التي تستهدف بالفعل المادي شق الصفوف والإنفراد بالحكم، والانفصال عن الدولة وتهديد وحدة الأراضي.

وإن هذا المفهوم السياسي للردة، والذي ينتج عنه سفك للدماء موجود عبر الزمان والمكان، وليس في الدولة العربية المركزية الأولى، فعندما قرر الجنوب الانفصال عن الشمال، في الولايات المتحدة الأمريكية، لم تسمح به الحكومة المركزية برئاسة لنكولن، حيث حصلت الحرب الأهلية التي ذهب ضحيتها مليون قتيل أمريكي، مبرر هؤلاء جميعاً، أن الدولة لن تسمح بوقوع ردة سياسية، يسلخ من خلالها جزء من جسم الدولة، من أجل قيام دولة أخرى، أما حين يؤمن نصراني ما في أمريكا، فلا تتدخل الدولة بأمره أبداً، في حين أنه إذا اجتمع المسلمون المؤمنون أتباع محمد (ص) في ولاية من الولايات الأمريكية، وقرروا الانفصال عن الدولة المركزية، فسوف تمنع الدولة ذلك بالقوة، كذلك إذا أراد إنسان ما، تحت أي شعار، أن يفصل حلب عن جسم الدولة في القطر العربي السوري، فإن قتله وقتاله واجب، لأنه يخلق ردة سياسية، هذه الردة ستؤدي إلى انفصال أراضي الدولة وتجزئتها، وقد حدث الانفصال بين سوريا ومصر عام 1961، وكان ردة سياسية، لا علاقة لهذا الانفصال بالدين لا من قريب ولا من بعيد ، والردة السياسية قد تستوجب التدخل بالقوة لمنعها وقد تنجح القوة بمنعها وقد لا تنجح، وكان من حق الرئيس عبد الناصر أن يتدخل لمنع الانفصال ولكنه لم يفعل ونجح الانفصال. وتدخل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بالقوة لمنع انفصال جنوب اليمن عن شماله، وهو ردة سياسية بامتياز، ونجح بمنع الانفصال. والغريب أن ما يسري الآن هو رأي عمر بن الخطاب حيث المرتدون من مانعي الزكاة امتنعوا عن دفع الزكاة للدولة المركزية (المدنية) وقالوا أننا سندفعها لأهلنا وقبيلتنا، وتم إعلان النبوة لترسيخ الانفصال السياسي بعد الانفصال المالي، فحصل قتل وقتال. والآن لا تتدخل الدولة في الزكاة، لوجود الضرائب، والناس تدفعها لمن تشاء من الجمعيات الخيرية وأولي القربى.

أما ما يذهب إليه البعض اليوم، من توسيع مصطلح الردة، إلى حد فاحش يشمل قتل تارك الصلاة عمداً، وقتل كل من يقول جديداً لم يقل به التراث يعارض من يعتبرون أنفسهم أوصياء على عقول الناس ومصائرهم، فهذا عندنا ليس من الإسلام والإيمان في شيء، ولا يزيد برأينا عن امتداد لديوان الزندقة عند أبي جعفر المنصور وعند المأمون بن الرشيد الذي تم تحت عناوين الزندقة والردة قطع عشرات الألوف من الرؤوس المعارضة. ومع الأسف يستعمل هذا المصطلح الآن من قبل أكثر الناس قتلاً وفتكاً من الذين يقتلون الشيوخ والنساء والأطفال حتى دون أن يعرفوهم من هم، وحتى الآن لانرى من يتجرأ على إعادة النظر في المصطلحات الفقهية ومنها مصطلح الردة.

نحن نرى أن بوسع أي إنسان مسيحي في أمريكا أو فرنسا، أن يعلن إيمانه وارتداده عنه عقائدياً، دون أن يمس أحد شعرة في رأسه، طالما أنه لم يخرج في سلوكه وعلاقاته مع الناس والدولة عن الخطوط العامة المرسومة في قانون البلد الذي هو فيه، وعن الولاء للوطن الذي يعيش فيه، وبالمقابل فنحن لا نرى أي حرج في أن يعلن أحد أتباع محمد (ص) تحوله إلى المسيحية ليصبح من أتباع عيسى (ع)، انطلاقاً من قوله تعالى {لا إكراه في الدين} ومن قوله تعالى {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس 99، طالما أنه يلتزم بالمثل والقيم الإنسانية العليا، ولا يخرج في علاقاته بفعل مادي عن حدود المقاييس والأطر التي وضعها مجتمعه، ولكنه يستطيع ويحق له أن يعلن عن عدم موافقته على كثير من العادات والتقاليد في مجتمعه ولكنه لا يستطيع أن يخرج عن القيم الإنسانية العليا والممثلة في الوصايا. وهناك من ارتد دينياً في زمن الرسول (ص) ولم يتخذ الرسول (ص) أي إجراء ضدهم.

إن ما حصل بعد وفاة الرسول (ص) هو انقسام سياسي بحت بين المؤمنين أنفسهم، ثم تحول الانقسام إلى كتل سياسية مختلفة كانت الأساس إلى تشكل كتل دينية عقائدية مختلفة، فالخلاف بداية لم يقم أبداً على أركان الإسلام ولا على أركان الإيمان، ولكن ما حصل بعد ذلك أن أركان الإيمان تم تقديمها على أركان الإسلام.

ومن هنا فنحن نرى أن التنادي إلى التركيز على إنسانية الإسلام، هو اتجاه عالمي، وليس اتجاهاً حزبياً ضيقاً! فحقيقة الإسلام ليست حقيقة رأسمالية أو اشتراكية، وليست حقيقة عمالية أو محافظة، بل هي حقيقة إنسانية قبل أي شيء آخر، إذ ليس ثمة بالأساس حقائق مخصصة، وكما أنه لا يوجد حقيقة طبقية كذلك لا يوجد حقيقة فقهية ولا حقيقة صحابية أو تراثية، فالحقيقة لا تكون إلا إنسانية، وكذلك القانون الأخلاقي لا يمكن إلا أن يكون إنسانياً فليس هناك أخلاق عربية وأخرى عجمية وإنما هي عادات فقط يمكن تجاوزها ولكن بصعوبة ومع الزمن.

ونصل أخيراً إلى مسألة الصراع بين الحداثة والسلفية في الخطاب المعاصر، فنرى فيها صراعاً بين شكل تاريخي سياسي، وأسلوب تاريخي معاصر للسياسة كفن لإدارة المصالح المتنازعة، وبين شكل حقوقي فقهي كانت دالاته متطابقة مع مدلولاتها في زمنها، ثم غابت المدلولات خلال مسيرة التاريخ، وبقيت الدالات بدون مدلولات في عالم الواقع. وأصبحت المصطلحات الفقهية الإسلامية تدور في العدم لأنها تاريخية بحتة.

هذا الصراع يدور بين قطبين:

  • المعاصرة: وهي إيجاد مدلولات معاصرة في العالم القائم لدالات موجودة في التنزيل الحكيم، تحقيقاً للانسجام بين الدال والمدلول وهذا ما نطلق عليه التأويل والاجتهاد ونقد الواقع.
  • السلفية: وهي إيجاد مدلولات قسرية أو وهمية للدالات الموجودة في كتب الفقه والتراث، ولهذا فإن الطرح السلفي الآن لا يمكن إلا أن يكون مستبداً، ويمكن أن يمارس العنف عندما تسنح له الفرصة بذلك، والسبب أن معظم طروحاته السياسية تنتمي إلى عالم الوهم أو عالم الذاكرة التاريخية أكثر مما تنتمي إلى عالم الواقع. والطرح السلفي هو المرحلة الأولى في غسيل دماغ الشباب لإرسالهم إلى حتفهم لقتل أنفسهم والآخرين دون تمييز.

 

اترك تعليقاً