الصراط المستقيم: مفاهيم مغلوطة

الصراط المستقيم: مفاهيم مغلوطة

يحتم علينا ما وصلنا إليه من وضع مأساوي، وبعد ما عاناه الشعب السوري وما زال يعانيه، أن نبحث عما قد يصل بنا إلى مستقبل أفضل، على كافة الأصعدة، أولها إعادة بناء الإنسان نفسه، فالطغيان الذي تعرض له، لا يقتصر على الطغيان السياسي فقط، بل يتجاوزه للطغيان الاجتماعي والاقتصادي والديني، وإذا كان الطغيان السياسي يمتد لخمسين عاماً سابقة، فإن الطغيان الديني يمتد لألف ومئتي عام تقريباً، جرى خلالها التسلط على الرقاب والعباد باسم الإسلام، وباسم الحلال والحرام، وجرى قمع العقل لمصلحة النقل، مما أنتج عقلاً جمعياً غير قادر على إنتاج المعرفة، قياسياً غير قادر على الابتكار، بل يحتاج لمثال يأخذ عنه، أما في حياة الإنسان المسلم اليومية فالحرام يدخل في أدق تفاصيل حمامه ونومه وعطاسه وسعاله، وأركان إسلامه خمس تقتصر على الشعائر، ولا تحوي القيم من ضمنها، والحكم على تقاه يكون من خلال الوقت الذي يقضيه في المسجد، وعدد مرات أدائه للحج، لا سيما وأن الحج يجبّ ما قبله.
وللأسف فإن الإسلام الذي بين أيدينا اليوم، لا يمتّ للإسلام الحقيقي بصلة، فالأول دين أرسله إله شبه الجزيرة العربية أو الشرق الأوسط، لسكان المنطقة، وتوقف عند القرن السابع الميلادي، وطلب من متبعيه أن يتوقفوا معه، فأصبحوا خارج التاريخ، بينما الثاني هو دين عالمي تراكمت فيه القيم تدريجياً منذ نوح إلى محمد، فوضع أسساً تتوافق مع كل أهل الأرض حتى قيام الساعة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(المائدة 3)، وترك للاجتهاد الإنساني أن يتحرك ضمن حدود تلك الأسس، وضمن ما يتوافق مع الأرضية المعرفية لكل عصر.
ولعل أكثر المفاهيم التباساً بين ما حمله لنا الفقه الموروث وبين ما ورد في التنزيل الحكيم هو مفهوم العبادة، فنحن نقرأ قوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات 56)، ونفهم وفق ما تعلمناه في المدارس أن الله تعالى خلقنا لنقضي نهارنا وليلنا في الركوع والسجود، فهل تقنع هذه الغاية طفلاً صغيراً يسأل ما الجدوى من خلقنا؟
أما كان الأولى به سبحانه إذاً أن يستجيب للملائكة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة 30)؟ لكن من يقرأ التنزيل الحكيم يجد المعنى مختلف تماماً، فالناس كلهم عباد الله، مؤمنهم وكافرهم، مطيعهم وعاصيهم {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر 53)، فالمسرفون مذمومون {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} (غافر 43)، لكن الله تعالى خاطبهم {يا عبادي}، والله رب الجميع سواء علموا بذلك أم لم يعلموا، في حين أنه إله المؤمن به فقط {قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} (البقرة 139)، أما في الآخرة فنحن لا نملك من أمرنا شيئاً، والأمر كله بيد الله، وبالتالي نحن عبيده حينها{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} (آل عمران 182).
والله تعالى خلق الناس وجعلهم مختلفين{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود 118- 119)، وهذا الاختلاف والتدافع بين طاعة ومعصية هو العبادة، أي ممارسة الحرية في الاختيار في كل مجالات الحياة، لتكون مسؤولاً أمام الله يوم القيامة عن هذا الاختيار، وهو سبحانه قد فرق بين الشعائر كإقامة الصلاة والصيام والحج وبين العبادة {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (طه 14)، وفي قوله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة 5)، يتضح أيضاً أن العبادة أمر آخر مختلف عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
فكيف نعبد الله؟ يأتينا الجواب {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (يس 61)، ونحن نقرأ فاتحة الكتاب في إقامة صلواتنا كل يوم ونردد {إيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (الفاتحة 5- 6)، والله تعالى لم يغفل عن هدايتنا لهذا الصراط المستقيم {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(الأنعام 151- 152 -153)، ولا يصعب ملاحظة أن هذا الصراط هو الوصايا العشر التي أرسلها إلى موسى، وأن كل أهل الأرض يتفقون عليها، من بوذيين إلى هندوس إلى مسلمين بكل مللهم، إلى ملحدين، ولا أحد من هؤلاء يشرع قتل النفس أو أكل مال اليتيم، فإن كنت مؤمناً بالله واليوم الآخر، أي على صلة بالله، واتبعت الصراط المستقيم فلا خوف عليك في اليوم الآخر {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون} (البقرة 62)، أما ما اعتدنا عليه من تعريف الصراط المستقيم بأنه حبل سيمشي عليه الناس في الآخرة، فمن يقطعه يصل للجنة وإلا يقع في جهنم، فهذا ما تفتق عنه خيال أحدهم بعد أن رأى سيركاً عظيماً، وقرر أن يعيش الناس برعب لا يتفق مع منطق الرحمة والعدل.
وباعتبار الشيطان رمز المعصية في التنزيل الحكيم، فهو سيقعد لنا على الصراط المستقيم، ليوسوس لنا بعقوق الوالدين أوأكل مال اليتيم أوالزنى أوالغش بالمواصفات {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الأعراف 16)، أي في حياتنا اليومية، في الأسواق وأماكن العمل، لا في الجوامع، ولا يعنيه إن أقمت صلاة الفجر أم لم تقم، فهذه علاقتك الوجدانية بالله، أما تلك فعلاقتك العملية مع عباد الله، والله تعالى سيحاسبك على عملك الصالح، فأنت تعبد الله وتستعين به، وهذه الاستعانة تأتي من الصلاة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }(البقرة 153)، ومن كانت علاقته بالله قوية ومتينة فالله سيعينه على اختيار الأفضل.
ومن هنا نفهم الغاية من الخلق، فمن خلال ممارسة حريتك في الطاعة والمعصية، تظهر علاقتك مع الناس حولك، ومن هذه العلاقات تنشأ الحياة وتستمر {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة 251)، ومن خلال العمل تتحقق الخلافة على الأرض{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ} (التوبة 105)، وكلما ارتقى الإنسان بأخلاقه وأعماله اقترب من تحقيق الغاية، وكلما زادت معرفته زاد قضاؤه فيما حوله، وتمكن من تسخير ما أتاه الله من نعم لفائدة هذا الكون.
ومن هنا نفهم أن الأخلاق هي المحور الرئيسي في الإسلام، والتزامها يمثل تقوى الإسلام، وفيها قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (آل عمران 102)، فلا أنصاف حلول، فلا يمكنك أن تغش قليلاً، أو تقتل لأنك لم تستطع ردع نفسك، والإسلام دين ليس كما صوره السادة الفقهاء أركانه الخمسة لا تحوي أخلاق بينها، إذ يكفي برأيهم أن تقرأ دعاء معين سبعين مرة ليغفر الله لك غشك في الميزان، وأن تقيم الصلاة النارية مرة في العام ليغفر لك سرقة أبناء أخيك، ولذلك كنا نجد المساجد عامرة بالمصلين لكن الأخلاق معدومة في المجتمع.
ورغم كون الشعائر على قدر كبير من الأهمية، إلا أن الخلط الحاصل هو بين أركان الإسلام وأركان الإيمان، فأطروحة “بني الإسلام على خمس” هي أطروحة خاطئة، والصحيح هو “بني الإيمان على خمس”، فالإسلام عالمي، والإيمان خاص، قد يكون بموسى أو عيسى أو محمد، والإسلام شامل، أركانه الإيمان بالله واليوم الآخر مضافاً له العمل الصالح، أما أركان الإيمان فإن كنا نتبع عيسى فعلينا أداء الصلاة على طريقته، والصوم على طريقته، وإن كنا نتبع محمد صلى الله عليه وسلم فعلينا أداء خمس صلوات في اليوم وصيام رمضان وإيتاء الزكاة وحج البيت وفق ما فعل محمد، آخذين بالاعتبار أن {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة 286)، أي {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن 16).
واليوم والشعب السوري يعاني ما يعانيه في الداخل والخارج، علينا أن نعود لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة 21)، ونلتزم صراط الله مستقيماً، فنحن في أحوج الأوقات إليه، لا سيما والعالم يتربص بنا من كل حدب وصوب، حتى أصبح السوري المتهم الأول لأي سرقة تحدث في آخر بقعة من الأرض، لذلك علينا التحلي بالأخلاق الحسنة، والعمل على بناء إنسان حر يعرف الله ويستعين به، مسلم مؤمن، يعامل الناس باعتبارهم إخوته في الإنسانية وشركاءه على هذه الأرض.

الرابط على موقع السوري الجديد

(5) تعليقات
  1. ماشاء الله حولك يادكتور. استقراء علمي ممتاز معتمد على المنطق

  2. HI DR SHAHROUR
    YOU SAID TEN COMMITMENTS FOR MOSSES I RETURN TO SEE WHAT ARE THESE COMMITMENT I SEEM TO BE ONLY FIVE OF THEM ARE ABOUT NOT TO KILL OR STEAL OR TELL LIE S THE OTHER FIVE WAS RELATED TO GOD HIMSELF
    WHAT ALLAH SAID ABOUT DETAILS OF HALAL AND HARAM ARE INDEED NINE AND WHAT YOU CONSIDER THE TENTH IS VERSE TELLING THAT IS IS THE WAY ‘SERAT’ IF YOU CONTINUE WITH SAME VERSE YOU WILL SEE THAT ALLAH SAID THIS IS MY WAY FOR THE SERAT MUSTAQEEM SO FELLOW IT AND DO NOT FELLOW ANY OTHER WAY
    NOW WE CAN SEE THE SERAT MEANS WAY AND SUBUL IS PLURAL OF WAY ALSO ,YOU SAID QURAN HAS NO TRADUF . I CAN SEE NOW YOU MAKE FRAUD EXPLANATION AND YOU BREAK THE LAWS YOU INVENT
    OTHER THINK IS ALLAH SAID INVITE TO YOU LORD WAY WITH WISDOM AND DON’T ARGUE BUT IN THE BEST WAY , I UNDERSTAND NOW THAT SEBEEL OF ALLAH IS NOT ONLY WHAT YOU INDICATE AS THE ?COMMITMENTS BUT EXTENDED TO INCLUDE OTHER MEANING I.E ALL GOOD DEEDS AND AND PROHIBITING THE BAD ONES. SO WHEN YOU ACCUSED SCHOLARS WITH INSUFFICIENT UNDERSTANDING AND FOUND ESCAPING WAYS FOR EXPLANATION ‘TAKHREAJAT’ . I CAN SEE YOU DOING THE SAME THINGS ‘TAKHRAEJAT ‘ . I THINK YOU STILL NEED TO LEARN MANY OTHER THING IN COSMOLOGY SCIENCES AND QUANTUM PHYSICS I ADVICE YOU TO DEPEND ON MORE CLEAR SCIENTIFIC EVIDENCES RATHER THAN ASSUMPTION S . I CAN SHOW YOU SOME EVEDENCES. I THING YOU STILL NEED TO EXPLAIN A LOT OF ABNORMAL THOUGHTS , THOUGH I CAN
    SEE YOU ARE RIGHT IN OTHER THINGS/ EXPLANATIONS
    ACCEPT MY REGARDS

  3. احيك سياة الدكتور على شرح الصراط المستقيم على تنزله الحق ،وهذا اذا ما دل فانه يدل على وحدانية الخلق عزا وجل وعلى ان جميع الديانات من نبع واحد و يوجه الخلق لما هو خير للعباد اجمعين

  4. فضيلة الدكتور اولا شكرا لك على اجتهادك
    وسؤالي ماهو تفسيرك للاية :ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين
    .وشكرا


    الأخ رضوان
    الإسلام الذي يقبله الله هو الإيمان بالله واليوم الآخر مقترناً بالعمل الصالح {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، ومن المنطقي ألا يقبل الله تعالى دين هو غير موجود فيه، علماً أن معظم أهل الأرض يدخلون ضمن تعريف الإسلام الشامل، سواء علموا بذلك أم لا يعلموا، وهذا يتضح في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 62) حيث “الصابئين هم من خالفوا المؤمنين والنصارى واليهود (صبأوا عنهم).

  5. دع عنك الرغوة، و انظر الى ما تحتها مِن لبن صريح، تجد الؤلف يقول لك تسرّباً: نص القرآن ثابت، و نبدّل محتواه !!
    هذه هي النظرية !! فاحذف جانبها الاول: “نص القرآن ثابت” و قل لي ما الذي يبقى.

    و أما الثانية: فهي أن كل من يضيق صدره بما في الدين من فروض و أحكام، و أوامر و نواهٍ، يتمنى لو يفسر القرآن تفسيراً يوافق اعتقاده و هواه، و إن كان يتورّع و يتحرّز: المرابي الذي يسوؤه أن يُحَرَّم الربا، يتمنى لو يفسر القرآن تفسيراً يبيح له ذلك. و مثله الزاني، و مثلهما شارب الخمر. و قُلْ مثل ذلك في كل ما أَوْجَبه القرآن، و كل ما نهى عنه. فإن هذا و نحوه هو غابة “تحرك المحتوى”.

    قال لي محاوري: لكن هذا المحتوى إنما يُحَرَّك من خلال اللغة العربية، و هي لغة القرآن.

    قلت: كيف يَقْدِر على هذا من حظُّه من العربية أن يعطف المرفوع على المجرور، و ياتي بالشرط لا جواب له؟ و كيف يستطيعه من لا ترقى معارفه الى التفريق بين ما ينصرف و ما لا ينصرف. و كيف يتأتى لذلك من سَقْفُ علمه بالعربية، أن يُطْلِعه صديقه على آراء أبي علي و ابن جني و الجرجاني ؟

    إن حقائق الواقع لا يغيّر منها شيئا زَعْمُ الأبكم أنه سَحْبَانٌ وائل، و ادّعاء الأعمى أنه زرقاء اليمامة، و إصرارُ الأصمِّ أنه سليمانُ آتياً على وادي النمل.

    و زَعْمُ تَحَرُّك محتواه على حسب العصور، إنما هو وسيلة للتخلص من أحكامه تحت راية “إعجازه”.

    و دعوى المعرفة باللغة استناداً الى ذكر أسماء أئمة اللغة، إنما هي جواز مرور إلى الضحك على ذقون الغَفَلة، و السخريةِ من عقول الأغرار، و إذنٌ “شرعي” بِسَوْقِ مراهقي الفِكر و العلم إلى فراغِ الجهل و التجهيل.

    و أما إعلان التمسك بالدين فمِظَلَّةٌ يُتَّقى بها ما يشوي الوجوه من الشُواظ، و يُسْتَبْعَدُ بها الأخذُ بالنواصي و الأقدام.

    فأين التحوّي في العتَمَة، مِن نَصْب حُرِّ الوَجْه في نور الحق ؟!

    و بعد، فإن كتاب “القراءة المعاصرة” لَبِدْعٌ -و الله- في الكتب:
    ففي كل كتاب حق أو ما يشبهه: إلا هذا الكتاب (يقصد كتاب محمد شحرور)
    و في كل كتاب صحة أو ما يشبهها: إلا هذا (يقصد كتاب محمد شحرور)
    و في كل كتاب علم و معرفة: إلا هذا
    و في كل كتاب مراجع و مصادر: إلا هذا
    و في كل كتاب غلطة أو غلطات: إلا هذا
    فالسمين في هذا الكتاب: ثمين
    و النساء فيه: رجال
    و الجيب فيه: فرج و أليتان ..
    و الحجلة: بلبل
    و الصفة: تسبق الموصوف
    و المرفوع: منصوب
    و المجرور: مرفوع
    و النبي: محدود المعرفة
    و المذكر: مؤنث
    و المؤنث: مذكر
    و ضمير ما لا يعقل: هم
    و سبحان الله: الجدلية الهيغلية الماركسية
    و حَلف اليمين: التقسيم و التجزيئ
    و مواقع النجوم: الفراغ بين الآيات
    …. إلى آخر ما في الكتاب من هذه البضاعة.

    و والله لقد أنفقت من عمري -منذ بلغت أن اقرأ حتى اليوم- نحواً من خمسين عاماً، و ما يشغلني في اثناء ذاك شيئ، كما يشغلني الكتاب. و لا والله، ما رأيت كتاباً -على اختلاف مناحي ما قرأت من الكتب- فيه اغتيال غفلة القارئ، و شهوة تجهيله، و التلذّذ بصرفه إلى الفراغ، كما رأيت في هذا الكتاب الذي سماه مؤلفه “الكتاب و القرآن – قراءة معاصرة-”

    فما أقسى الانسان حين تكون قسوته شهوة !!
    و ما أفظع ما يدمّر حين يغدو التدمير لذّة !!
    ولأمرٍ ما يُباد البشر بالقنبلة الذرية في شرق الارض، فتُحتسى الخمرة ابتهاجاً في غربها !! ](انتهى الاقتباس من كتاب “بيضة الديك: نقد لغوي لكتاب الكتاب والقرآن”، الصفحة 235 الى 237). ….
    ..

اترك تعليقاً