قول في البشر والإنسان (1) – مجلة روز اليوسف

قول في البشر والإنسان (1) – مجلة روز اليوسف

قال تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق} (العنكبوت 20)

هذه الآية فيها أمر واضح صريح من خالق الكون بأنه يمكن بالنظر معرفة بداية الخلق، علماً بأننا لم نشهد بداية الخلق بالنسبة للكون، وبالنسبة للنظام الشمسي، وبالنسبة للحياة والكائنات الحية {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا} فإذا ربطنا هذه الآية مع الآية السابقة {قل سيروا في الأرض..} يمكن أن نميز أننا لم نشهد خلق السموات والأرض شهادة شهيد، ولكننا شهدناها شهادة شاهد، فالشهيد سميع بصير، والشاهد خبير عليم. فنحن الآن شاهدو معركة بدر لأننا علمنا بها وبتفاصيلها.

أما شهداء معركة بدر فهم الذين حضروا المعركة من المؤمنين والمشركين، من قُتِلَ ولم لم يُقتل أسوة بقول النبي (ص} (قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار). أما إطلاق الشهادة على القتيل في المعركة فهذا مصطلح ليس له علاقة بالتنزيل الحكيم.

فالشهيد من شهد عقد البيع {ولا يضار كاتب ولا شهيد} ونحن شهداء على الناس، فهل نحن قتلى؟ علماً بأنه تعالى حين قال: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} (البقرة 143) فإن هذا يعني أن الأمة المحمدية سيكون لها وجود إلى أن تقوم الساعة ولن تنقرض، وهذا لا يعني أنها أعلم وأحسن أمة. والشهيد من شهد واقعة الزنا. أقول هذا لأنه لا يوجد أي تناقض بين آية {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق} وبين {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض..}.

فالرسول (ص) شهد على وحدانية الله شهادة شاهد، لا شهادة شهيد {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا} (الأحزاب 45)، وكذلك فإن العلماء – وليس السادة العلماء الأفاضل – هم الشهداء وفي صدر الجنة. فعالم الجيولوجيا شهد العينات من الأرض وبحث واستنتج العصور الجيولوجية، فهو شهيد العينات، شاهدُ العصور الجيولوجية. والصحفي شهيد الحدث، ومن جراء شهادته يصبح بقية الناس شاهدين. فمهنة الصحفيين لا تقل عن مهنة كبار العلماء. (سنتحدث في مقال لاحق عن الشاهد والشهيد بتفصيل أكثر).

نحن لسنا شهداء الانفجار الكوني، ولكننا شاهدو هذا الانفجار، ولسنا شهداء خلق المجموعة الشمسية ولكننا شاهدو خلق هذه المجموعة. ولسنا شهداء بداية الحياة وتطورها حتى الوصول إلى البشر ثم الإنسان، ولكننا شاهدو هذا الخلق. كل هذا بفضل العلماء أمثال نيوتن وكبلر وكوبرنيك وإينشتاين وداروين ومئات آخرين، لأنهم كلهم ساروا في الأرض وتعبوا وأمضوا عمرهم في البحث عن بداية الخلق، ومشوا في الخط الصحيح للآية {قل سيروا في الأرض}. ومع الأسف وصلنا إلى أن نكون شاهدين، ليس من كتب الأثر ولا من تفسيرات ابن عباس ومجاهد وعكرمة.

وإني أسأل السادة العلماء الأفاضل الذين يتحدثون عن خلق الإنسان أن يخبروني من مشى منهم متراً واحداً لينظروا كيف بدأ الخلق. مع الأسف غيرنا مشى في الأرض وحفر وفحص واستنتج. ونحن في هذا نعيش عالة عليهم، وليس عندنا إلا ما ورد في كتب الأثر بأن طول آدم ستون ذراعاً. علماً بأن التنقيبات وصلت إلى آثار بشر منذ أربع ملايين سنة، ولم نعثر على أثر لهذا المخلوق. وأن آدم عاش ألف سنة وعندما مات غسلته الملائكة وكفنته ودفنته. أي أن البشر منذ آدم كانت تعرف التغسيل والتكفين والدفن، فكيف ابنا آدم الواردة قصتهم في سورة المائدة لم يعرفا ذلك؟

في هذا الموضوع أستطيع أن أستفيض وأكتب مئات الصفحات، ولكني فضلت هذا المدخل لكي أقول أن ما ورد في الأثر عن خلق الكون والإنسان، وليس في التنزيل الحكيم، يجب أن لا ينظر إليه ولا يؤخذ على محمل الجد. وعلى هذا الأساس نستطيع أن ندخل على مدخل بداية الحياة وتطورها، وظهور الكائنات الحية، وظهور البشر، ثم تحويل هذا البشر إلى إنسان بنفخة الروح.

تبدأ الحياة على الأرض بوحيد الخلية الذي عاش مليارات السنين وهو يطلق الأوكسجين ويتغذى على ثاني أوكسيد الكربون حتى تم إشباع مياه البحار بالأوكسجين، ثم انطلق الأوكسجين في الجو حتى ارتفعت نسبة الأوكسجين من واحد بالمائة إلى واحد وعشرين بالمائة. ومن هنا سمى الكائن الحي نفساً، لأن الكائن الحي يحتاج إلى أوكسجين. والتنفس (استهلاك الأوكسجين) تبدأ من وحيد الخلية إلى البشر. لذا فالنفس والتنفس تدل على الكائن الحي فقط وهذه النفس الحية هي التي تموت {ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله} و {وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} و {الذي خلق الموت والحياة} فالحياة والموت لهما وجود موضوعي (Objective) ولا علاقة له بنا ولا علاقة لهم بالقوانين الذاتية (Subjective).

فانتماؤنا نحن إلى الكائنات الحية ضمن فصيلة هي البشر. والبشر هو تباشير الإنسان. ويجب أن نميز بين البشر والإنسان انطلاقاً مما قلنا سابقاً بأن التنزيل الحكيم خالٍ تماماً من الترادف والحشوية والعبث.

البشر والإنسان:

لقد ورد مصطلح البشر في الكتاب ليعبر عن الوجود الفيزيولوجي لكائن حي له صفة الحياة كبقية المخلوقات الحية وقد نمت الحياة وتطورت عن طريق البث الذي يحتوي على الطفرات الحياتية التي أدت إلى ظهور البشر وقد تميز البشر في الظهور ككائن حي مستقل في الفترة التي ظهرت فيها الأنعام {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلقٍ في ظلمات ثلاثٍ ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون} (الزمر6).

ففي هذه الآية نلاحظ أن وجود الإنسان البشري قد تزامن مع ظهور الأنعام. وكيف أن الإنسان في رحم الأم يمر بكل مراحل التطور التي مر بها وهي الظلمات الثلاث وهي المرحلة الحيوانية البحرية والمرحلة الحيوانية البحرية البرية والمرحلة الحيوانية البرية. وعندما شرح الكتاب إحدى مراحل خلق الإنسان بالمعنى العام وذلك بالمقارنة مع الجان قال: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصالٍ من حمأ مسنون} (الحجر 26). هنا نلاحظ أيضاً أنه استعمل الإنزال للأنعام وليس التنزيل، وكذلك استعمل الإنزال للحديد واللباس. وعلى الباحثين أن يدققوا هذا جيداً وخاصة بالنسبة للحديد.

وعندما أعطى التفصيل أتبعها بقوله: {وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصالٍ من حمأ مسنون} (الحجر 28). {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} (الحجر 29). وبعد نفخة الروح أمر الله إبليس بالسجود فأجاب: {قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون} (الحجر 33). وفي سورة “ص” قال: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين} (ص71)، {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} (ص72).

وقد قلنا: إن الخلق هو التقدير قبل التنفيذ. لذا فعندما قال للملائكة: {إني خالق بشراً} فهذا يعني أن البشر لم يظهر بعدُ لذا اتبعها بقوله: {فإذا سويته}. ثم اتبعها بقوله: {ونفخت فيه من روحي} وبين الخلق والتسوية توجد الأداة “إذا” وهي ظرف لما يستقبل من الزمن. لذا قال: {هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون} (الأنعام 2). ثم استعمل أداتين معاً وهما “ثم وإذا” في قوله: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} (الروم 20) وقد استعمل هاتين الأداتين معاً بسبب الفارق الزمني الطويل بين التراب “المواد غير العضوية” وبين البشر هذه المرحلة التي أخذت مئات الملايين من السنين. وقد بين أن الانتشار في الأرض حصل في مرحلة البشر قبل نفخة الروح وأن البشر كان منتشراً قبل مرحلة الأنسنة. وأن البشر هو الشكل المادي الحيوي الفيزيولوجي الظاهري للإنسان حيث أن الإنسان هو كائن بشري مستأنس غير مستوحش “اجتماعي”.

وقد أجمل خلق الإنسان في بداية التنزيل في قوله: {خلق الإنسان من علق} (العلق 2). والعلق جاء من “علق” وفي اللسان العربي علق به وعلقه: نشب به، كقول جرير يصف شجاعاً:

إذا علقت مخالبهُ بقرنٍ * أصاب القلب أو هتك الحجابا

وفي ابن فارس العين واللام والقاف أصل كبير صحيح يرجع إلى معنى واحد وهو أن يناط الشيء بالشيء ثم يتسع الكلام فيه.

لقد فهم المفسرون العلق على أنه الدم الجامد وهو تأويل لا يتطابق تمام التطابق مع الحقيقة وذلك لجهلهم بوجود الخلية المنوية والبويضة واللقاح الخلوي.

فالعلق هو أن يعلق شيء بشيء آخر ومفردها “علقة” لذا قال: {من نطفةٍ ثم من علقةٍ} فوضع العلقة بعد النطفة وهي مفرد وتعني دخول الحيوان المنوي إلى البويضة “تعلق شيء بشيء آخر” وهذا ما نسميه اللقاح وهو ما نقول عنه الآن في المصطلح الحديث “علاقة” فالعلق جمع علقة “أي علاقات” وقوله: {خلق الإنسان من علقٍ}. أي أن الإنسان مخلوق من مجموعة من العلاقات هذه العلاقات التي نقول عنها في المصطلح الحديث علاقات فيزيائية وكيميائية معدنية وعضوية وبيولوجية الخ.

ثم لنلاحظ أن قوله: {خلق الإنسان من علق}. قد جاءت في بداية الوحي للتنويه بأن الوجود المادي هو مجموعة كبيرة من العلاقات المتداخلة بعضها ببعض، ومن هذه العلاقات لا من خارجها تم خلق الإنسان. وذلك للدلالة على أن الوجود المادي خارج الوعي الإنساني هو مجموعة من العلاقات.

1 – الآيات التي ذكر فيها البشر تعني الوجود الفيزيولوجي المادي للإنسان وذلك للدلالة على جنسه كبشر وليس ملكاً أو من جنس آخر:

{قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر} (آل عمران 47).

{قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً} (مريم 20).

{فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً} (مريم 17).

إن هذه الآيات تبين أن مريم قد رأت روح الله في صورة بشرٍ بحت لا في صورة ملكٍ أو جن ولذلك قال: “سويا”.

2 – {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله} (آل عمران 79).

{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم} (الشورى 51).

هنا يؤكد طريقة الوحي للجنس البشري لأنه لو كان جنساً آخر لكان من الممكن أن تكون طريقة الوحي غير الذي ذكر فمثلاً في الوحي للنحل، والنحل ليس بشراً كقوله: {وأوحى ربك إلى النحل} (النحل 68) فهذا يعني أن طريقة وحي الله للنحل غير طريقة وحي الله للبشر. ولكي يؤكد أن المسيح بشر والبشر إذا أوحي إليه من الله لا يقول للناس كونوا عباداً لي. فإذا حصل أن قال أحد من البشر للناس كونوا عباداً لي فهذا يعني أنه دجال ولم يوح إليه شيء.

3 – {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر} (النحل 103).

{إن هذا إلا قول البشر} (المدثر 25).

هنا أكد أن الذي يكلم النبي (ص) ليس من البشر أي ليس من جنس النبي (ص) وإنما يعلمه الله عن طريق الوحي وهو ليس من البشر. وقول الوليد بن المغيرة إن الذي يوحى إلى محمد هو من قول البشر أي من قول مخلوق من جنسنا.

4- {ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه} (المؤمنون 33). هنا أكد أن الطعام من صفات البشر وأن الرسل الذين أرسلهم الله كانوا من البشر يأكلون كما تأكل بقية الناس.

5 – {بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذبُ من يشاء} (المائدة 18} {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشرٍ من شيء} (الأنعام 91)، والآية (إبراهيم 10)، والآية (إبراهيم 11). والآية (الكهف 110). والآية (المؤمنون 24)، والآية (الشعراء 186). والآية (هود 27)، والآية (يوسف 31)، والآية (الإسراء 94)، والآية (المؤمنون 34)، والآية (القمر 24)، والآية (المؤمنون 47).

هنا نلاحظ في تلك الآيات السابقة ذكر البشر في مجال الجنس الفيزيولوجي المادي أي أنه كبقية الناس لهم أيدٍ ومعدة ووجه وباقي الأعضاء ويأكلون كبقية الناس ولكن يتميزون عنهم فقط بالوحي لذا قال: {بشر مثلنا}، {لبشرين مثلنا}. وقد قارن البشر كجنس بأنه ليس ملائكة بقوله في مجال المقارنة مع البشر. {ولو شاء الله لأنزل ملائكةً} (المؤمنون 24) والملائكة ليسوا من جنس البشر وذلك أن الناس تعودوا بأن ينزل الله ملائكة رسلاً قبل أن يبعث الله رسلاً منهم بصفة بشرية ولذا كان هذا الاستغراب الكبير.

6 – {سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحةٌ للبشر * عليها تسعة عشر} (المدثر 26، 30).

هنا بين أن العذاب جسدي فيزيولوجي بحت قال عن سقر بأنها (لواحة للبشر) ولكي يبين أن إيراد ذكر سقر في الكتاب هو لهذا الجنس الذي هو البشر.

7 – الآيات التي جاء فيها الإنسان “الناس” تعني الكائن العاقل:

لقد ورد الإنسان والناس في عدة آيات بمعنى الكائن العاقل ولكن يجب أن نميز بين أصل إنسان وهو من “أنسن” وتعني في اللسان العربي ظهور الشيء وكل شيء خالف طريقة التوحش ومنه الإنس أي أنس الإنسان بالشيء إذا لم يستوحش منه ويقال إنسان وإنسانان وأناسي.

فالإنسان هو البشر المستأنس غير المتوحش، أي له علاقة اجتماعية وصلة مع غيره، أما الناس فقد جاءت من “نوس” وهو في اللسان العربي أصل يدل على اضطراب وتذبذب فعندما اجتمع الإنسان مع أخيه الإنسان تولد عن هذا الاجتماع اضطراب وتذبذب في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أي لم تسر الحياة بشكل رتيب كما عند بقية المخلوقات كالنحل وأصبحوا ينوسون أي ينتقلون من مكان إلى آخر بشكل واع. وكلما ازداد الإنسان في تقدمه الإنساني زاد النوسان.

فإذا تصفحنا آيات الكتاب التي تحتوي على لفظة الإنسان والناس نراها تدور حول المواضيع التالية:

1 – {ومن الناس من يقول..} (البقرة 8)، {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس.. الآية} (البقرة 13)، {يا أيها الناس اعبدوا ربكم.. الآية} (البقرة 21)، والآية (البقرة 83)، والآية (البقرة 44)، والآية (البقرة 96)، والآية (البقرة 142)، والآية (البقرة 164)، والآية (الروم 41)، والآية (البقرة 185)، والآية (النساء 174)، والآية (المائدة 44)، والآية (المائدة 49)، والآية (الناس 5)، والآية (سبأ 28)، والآية (البقرة 188)، والآية (هود 103)، والآية (يوسف 103).

نلاحظ أن هذه الصيغة كلها صيغ للعاقل ودائماً يوجه الخطاب في الكتاب في قوله: {يا أيها الناس). ولم يقل أبداً يا أيها البشر.

2 – {إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم 34)، {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} (الإسراء 11)، {إن الإنسان لكفور مبين} (الزخرف 15)، {إن الإنسان خلق هلوعاً} (المعارج 19)، {يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر} (القيامة 10)، {ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً} (الأحقاف 15). هذه الصفات كلها للمخلوق العاقل.

3 – عندما ذكر خلق الإنسان أعطاه في جملة كقوله: {خلق الإنسان من علق). وعندما أعطى التفاصيل وطريقة الخلق ذكر البشر كقوله: {إني خالق بشراً).

نلاحظ الفرق الواضح بين البشر والإنسان فالبشر هو الوجود الفيزيولوجي المادي للإنسان ككائن حي ضمن مجموعة مخلوقات حية. إن القردة كائنات حية والأنعام كائنات حية لذا عندما ندرس جسم الإنسان في الجامعة ككائن حي فقط نقول” كلية الطب البشري” ولا نقول كلية الطب الإنساني. فالبشر هو تباشير الإنسان أوله حيث تباشير كل شيء أوائله. وعندما نقول العلوم الإنسانية فإننا نقصد علوم اللغات والتاريخ والفلسفة والحقوق والشريعة والسياسة والاقتصاد وعلم النفس والفنون بأنواعها.

أي العلوم التي تتعلق بالإنسان ككائن حي عاقل له سلوك واع. والعلم الوحيد الذي يجمع البشر والإنسان هو علم النفس الذي يجمع البشرية والإنسانية، وهو يدرس في كلية الطب، وفي علوم الاجتماع والسياسة. وآدم هو أبو الإنسان وليس والد البشر، ولو ميز السادة العلماء الأفاضل بين الأب والوالد لعرفوا ذلك. فالوالد والوالدة لهما مفهوم بيولوجي، والأب والأم له مفهوم إنساني. وإن النسب للأب والأم وليس للوالد والوالدة، لأن الحيوانات لها والدان ولا أنساب لها. ويجب أن نعلم أن الله نفخ الروح في آدم فتأنسن، ولم ينفخ الروح في بقية المخلوقات (كالقردة وغيرها) لذلك لم تتأنسن هذه المخلوقات. أي أن نفخة الروح هي الحلقة المفقودة في نظرية النشوء والارتقاء.

أي أن لدينا المعادلة التالية:

بشر + روح = إنسان، وهذا يعني أن البشر هو (النفس)، والروح هي (المعرفة والتشريع). وبما أن الوحي عبارة عن مجموعة من التشريعات والمعلومات فقد سماه روح.

بشر = وجود موضوعي، روح = ذاتي، إنسان = الذات والموضوع.

على ضوء ما سلف لنناقش قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} (آل عمران 59) نقول ما يلي: بما أن الله سبحانه وتعالى لا تنطبق عليه معادلة الزمكان (الزمان والمكان) لذا فالثانية عند الله والمليون سنة سيان. فإذا خلق الله عيسى خلال ثانية أو دقيقة أو تسعة أشهر، وتم خلق آدم وتسويته خلال مئات ملايين السنين، فالفترة الزمنية لعيسى وآدم عند الله سيان يكون عند عيسى ثوانٍ أو دقائق أو أشهر، ويكون عند آدم مئات الملايين من السنين. أما بالنسبة لنا، ونحن نعيش على محور الزمن ولسنا خارجه، فإن عيسى وآدم عندنا ليسا متماثلين لأننا لسنا آلهة. والدقيقة عندنا تختلف عن المليون سنة.

ومن جهة أخرى، وقعنا في حبائل الشيطان عندما افترضنا أن الله سبحانه وتعالى عنده احتمال واحد في الخلق واحتمال واحد في المعرفة، فإذا تم خلق الإنسان كما ورد في كتب الأثر، فهذا يعني أن الله خلقه وأن الله له علاقة بهذا الخلق. وإن قلنا إنه تم بغير ذلك فيفهمونه كما لو أن الله لا علاقة له بذلك. ولماذا لا نقول إنه منذ أن تم خلق وحيد الخلية على الأرض منذ ملايين السنين، والإنسان مبرمج ليظهر على سلم التطور والارتقاء. وكل هذا بتدبير من الله عز وجل. فنحن لا نسأل عند خلق الإنسان عن قدرة الله في الخلق، ولكننا نسأل كيف تمت إرادة الله في خلق الإنسان. وهنا يدخل العلم والمنهج العلمي والسير في الأرض، لا قراءة كتب الأثر. (لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع كتابنا الأول (الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة) الصادر عام 1990).

وسنبحث موضوع آدم ونشأة الإنسان في مقال آخر إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

مجلة روز اليوسف

(7) تعليقات
  1. تحية طيبة للدكتور شحرور
    ما قرأته منطقي جداً وانا احاول التخلص من كل ما توارثناه من معلومات ويرجع الفضل الى المنهج الصحيح الذي تقومون عليه وبالنسبة للموضوع اعلاه فانني لم استطع فهم الاية التالية والتي تخص نفس الموضوع لذلك ارجو تفسيرها لي حسب ما تقدم من معلومات والاية هي :
    قال تعالى في سورة آل عمران
    (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49))

    من الاية السابقة يتضح ان عيسى عليه السلام عندا قال اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فهذا يعني انه يقوم بتشكيل هيئة الطير مثل التماثيل ثم ينفخ فيه – ولا ادري ما معنى انفخ فيه – فيصبح طيرا حقيقيا.
    الا يمكن الاعتماد على هذه الاية لنستنتج ان ادم تم خلقه بنفس الطريقة وايضا جميع الكائنات الحية؟؟
    ارجو ان اجد الاجابة عندكم
    وجزاكم الله خيرا

  2. الاخت  فاطمة
    تحية طيبة
    انصحك بالاطلاع على الجزء الاول من بحثي(النفس والروح في المفهوم القراني ) المنشور في الصفحة الحرة في هذا الموقع
    لعلك تجدين الفرق بين الانسان والبشر  بشكل مفصل  …. مع تحياتي
     

  3. لماذا يقال في مجال الادارة التمنية البشرية اذا كان البشر ليس له عقل او روح كما ورد في المقال؟

  4. السلام عليكم, وردت كلمتي البشر والانس في ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)

    فهل يستخدم بشر مع فعل الرؤية للشيئ الفيزيائي (الجسد) والانس مع الحديث للشيء العاقل ( الروح) ؟

    ودمتم

  5. شرح جميل دكتور ، ولكن نقطة عيسى عليه السلام وآدم مازالت غير واضحة عندي ، كيف يكون التطور الذي وصل إلى إدم هو نفسه الذي أوجد غيسى غليه السلام في رحم مريم ؟؟؟؟ حصلت طفرات وراِثية عن طريق ال natuaral selection فكيف نفسر هذه الطريقة( التطور ) مع عيسى عليه السلام ؟؟؟ العامل الزمني مفهوما عند آدم أما في عيسى فهو غير مفهوم ؟؟ وإذا كان موضوع التطور ممكن أن يحدث بسرعات زمنية مختلفة فلماذا ارتقاء آدم احتاج كل هذا الوقت وارتقاء عيسى لم يحتاج ؟؟؟؟ أظن أن خلق عيسى يحتاج لتفسير أكثر على ضوء الآية الكريمة التي ممكن أن تقود نظرية التطور من جذورها ( مع العلم بأنني لاأجد مشكلة بنظرية التطور طالما أنها تبحث في كيفية خلق الله وليس في قدرته تعالى على الخلق فهذا أمر نسلم به بدون نقاش ) . وبذلك نقف عند هذه الآية بنظري عاجزين فهي تحت بند التدخل الإلهي الغيبي بكن فيكون وهو نفس تدخله تعالى بخلق آدم .

    لمى


    الأخت لمى
    خلق عيسى ما زال غير قابل للتفسير بالنسبة لنا، وقوله تعالى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (آل عمران 59) يشير إلى الطبيعة البشرية لعيسى عليه السلام، و التشابه “عند الله” لا عندنا.

اترك تعليقاً