الغرب …والإسلام – صحيفة الاتحاد الاماراتية

الغرب …والإسلام – صحيفة الاتحاد الاماراتية

يخطئ كثيراً من يظن أن الغرب عموماً – بما فيه أميركا واليابان – ينقسم إلى قسمين: جاهل لا يعرف شيئاً عن الإسلام، ومستشرق يعرف شيئاً ويخفيه لغايات في نفس يعقوب. ونحن لا ننكر أن القسمين موجودان بنسب تختلف من بلد غربي لآخر، لكنهما لا يمثلان كل الغرب.

فاليابان قبل الثورة الإيرانية رغم ضخامة الجامعات ومراكز البحث العلمي عندها، لم يكن فيها أحد يدرس ويدرّس الإسلام. والعديد من الدراسات “الشرقية” في مراكز أميركية وفرنسية وبريطانية وألمانية ينطلق من فكرة أن العالم الإسلامي يتألف من مجتمعات “وثنية متخلفة”، ويهدف إلى اكتشاف كيف تؤكل الكتف منها، أكثر مما يهدف إلى معرفتها بحثاً عن المعرفة والحقيقة. لكنها – مرة أخرى – لا تمثل كل الدراسات والدارسين في الغرب.

أقول هذا وأمامي دراسة بعنوان “الإسلام المدني الديمقراطي.. دعاته وموارده واستراتيجياته” أعدها معهد راند لأبحاث الرأي، نشرتها وكالة رويترز، تتحدث عن قلة قليلة في العالم الإسلامي تدعو إلى “الحداثة” و”المعاصرة” في تعريف الإسلام، وترك التشدد والتطرف والتقليد في تطبيق أحكامه. وتخلص الدراسة إلى حث الغرب على دعم هذه القلة الداعية إلى التحديث التي تفتقر إلى الموارد المالية من جانب، وإلى البنية الأساسية الفعالة من جانب ثان، وإلى البرامج العملية الاستراتيجية للإصلاح والتحديث من جانب ثالث.

هناك عبارات وردت في الدراسة مثل: “دعاة التحديث المؤيد للغرب”، و”إمكانية إحداث تغيير في الإسلام”، تكفي لإشعال نار الشك عند جميع من يشككون أصلاً بكل ما هو غربي، لكننا نرى فيها أمراً طبيعياً. فمعهد راند بالأساس ليس فرعاً من فروع الأزهر، هدفه خير الإسلام والمسلمين، والدارسون فيه ليسوا الشيخ محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد الغزالي وخالد محمد خالد وعلي عبد الرازق.

بالمقابل، هناك حقائق في الدراسة لا يجوز أن نطمسها أو ننكرها، إن كنا نؤمن بالله واليوم الآخر ونبحث عن الحكمة لنأخذها أينما وجدت بغض النظر عن قائلها: بعيداً عن مؤيدي الغرب المتطوعين والمأجورين، وعن مكفريهم المناهضين للغرب من سلفية مقلدين ومتطرفين ومتشددين.

ولعل أول هذه الحقائق في هذه الآونة بالذات، هو عودة ظهور تيار يدعو إلى تحديث وتطوير وقراءة معاصرة للمسلمات والتعاريف، يقف في وجه طوفان تقليدي غالب يسيطر على منابر الإعلام والخطاب، ويرفض قبول الآخر ويسمي الإبداع بدعة والتحديث ضلالة والتطور فلسفة داروينية، وكلها في النار. لكنه يظل تياراً يقوم بمعظمه على جهود أفراد، في شكل كتب أو مقالات سيأكلها الغبار على الرفوف كما أكل قبلها كتب محمد عبده والكواكبي وعبد الرازق، ولن يكتب له ما يرجوه إلا إن توفرت له الأسباب والوسائل.

كثيرون بيننا ممن يملكون الإمكانيات المادية، يحلمون بجامعات تقضي على الجهل، وبمشافٍ ومستوصفات تقضي على المرض، لكنهم جميعاً يبنون مساجد يفرشونها بالرخام والطنافس ويغطون أبوابها بصفائح النحاس والفضة ويعلقون في سقوفها ثريات الكريستال، رغم أن الصلاة يمكن تأديتها على الرصيف الترابي، أما العمليات الجراحية فلا.

وكثيرون بيننا ممن يملكون الإمكانيات المادية، يؤمنون صادقين بوجوب التحديث وترك التشدد والتقليد، لكنهم ينسون أن ذلك يحتاج إلى منابر، ومحطات فضائية، ومواقع على الإنترنت، ومراكز بحث ودارسين متفرغين يضعون البرامج، ودعاة تحديث ليس تأييد الغرب واحداً من أولوياتهم. أما بدون هذا كله فسيتحول الإيمان إلى أماني، وشتان ما بين الأمرين.

15 مايو / أيار 2004

صحيفة الاتحاد الامارتية

(1) تعليقات
  1. عزيزي د محمد انك تربط بين شيئين لا ارى بينهم رابط
    التخلف الموجود بمجتمعاتنا  بالتخلف الديني الذي نحن عليه ولا اعني في هذا المقال بالذات
    الغرب والشرق قد تطوروبقي العرب والمسلمين وافريقيا هم خارج التغطية فقط لقد تطور الغرب ولعلهم لا يدرون ولا يريدون ان يعرفوا اصلب عيسى ام موسى والشرق الادنى قد بلغوا ما بلغوا وهم لم يسمعوا لا بالقرآن ولا باللوح المحفوظ ولايميزوا بين اليتيمة والمرأة البالغة
    الشئ المشترك بين العرب وافريقيا وكذللك المسلمين عامة هو الكسل ثم الكسل ثم الكسل ولكن كسل الافارقة هو كسل عضلي دماغي اما كسل العرب المسلمين وغير المسلمين من العرب هو كسل دماغي بامتياز
    ولعل احدهم لوخيرته بين ترجمة كتاب ونقل جبل لاختار نقل الجبل
    كم اتمنى وأنا اعمل في شركة أعال ديكور أن أجد شرق أوسطي أوأفريقي يفهم بصيانة الكمبيوتر  الامن رحم ربي

اترك تعليقاً