ميثاق العالمية في الإسلام

ميثاق العالمية في الإسلام

يقوم ميثاق العالمية على ثقة متبادلة بين الله تعالى والإنسان، حيث يعلن الله عز وجل هذه الثقة صريحة على ملائكته سلفاً وقبل أن يعلم الإنسان في قوله لهم: {وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة 30). فخلافة الإنسان لله في الأرض تم التعبير عنها مادياً في نفخة الروح (المعرفة والتشريع) وحرية الاختيار (الأمانة): {إِنّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب 72). فالخلافة والأمانة هما التعبير الموضوعي المباشر عن ثقة الله بالإنسان. وتم هذا قبل أن يُطالَبَ الإنسان بأي شيء، وبهما تمّ تكريم الإنسان على كثير من المخلوقات: {وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الاسراء 70)، ويبقى على الإنسان من طرفه أن يثق بالله، ثقة تنبع من إرادة واعية تختار بكامل حريتها هذه الثقة وتؤمن به وتطيع أوامره ونواهيه.
من هنا فإننا نعلن أن الإسلام الذي بدأ بنوح وخُتِم بمحمد (ص) ميثاق بين الله والناس (العالمية)، بحيث يتجسد هذا الميثاق من خلال تعهد الإنسان بالالتزام بالمرجعية الأخلاقية (الحاكمية الإلهية) التي يلتزم بها كل المسلمين بما فيهم نحن المؤمنون بالملة المحمدية، انقياداً بكل طواعية ودون إكراه، وهذا يقودنا الى الكلام عن الحرية وعن المعرفة وعن التشريع والتي لا يحق لأحد كائناً من كان مصادرتها أو ادّعاء احتكارها أو الوصاية عليها لأنها ملك جميع الناس كالحياة تماماً وبدونها يتحول المجتمع الإنساني إلى مجتمع بهيمي.
إن الأمور التي تميّز المجتمع الإنساني هي: العلم والتشريع والأخلاق والحرية، هذه الأمور كلها تجتمع في ثنائية (الأمانة والخلافة) وكلها عبارة عن هبات من الله تعالى للإنسان. وبما أن الناس تطلب الأشياء حسب معرفتها لها فإن هذه الأمور خاضعة للتراكم والتطور دائما. لكن هذه العلاقة الميثاقية بين الله والناس ظلت غائمة، غامضة في كتب التراث وفقهائه، وكأنما ثمة اتفاق غير معلن بين الفقهاء جميعاً على تجنب الغوص فيها والكلام عنها، وخصوصاً موضوع الحرية الذي كان ومازال حقلاً مجهولا تماما من قبل المنظومة التراثية التي اكتفت بالحديث عنه في المعنى الوحيد الذي يحفظ لهم سلامتهم بالتطرق للحرية فقط في موضوع الرق أيام كان الرق نظاماً اجتماعيا شائعاً معمولاً به.
أما المعرفة فقد تمّ فيها فرض وصاية الفئة الخاصة على العامة وفرض منهج معرفي محدد لا يُقبَلُ غيره وهو المنهج الذي تم وضعه في القرون الثلاثة الأولى. في حين أن التشريع خضع لمستلزمات إيديولوجية صارمة كبلته وجعلته متزمتاً وألغت موافقة ورأي الناس في التشريع المقدم والذي سيطبق عليهم حتى ولو كان اجتهاداً فقهياً وكأن الناس في الفقه لا وجود لهم، وهم عبارة عن أحجار شطرنج أو مجموعة من الناس ذوي جهل مطبق. لكن هذا كله لاعلاقة له بالمقصد الإلهي من الخلق لأن الله تعالى خلق الناس وجعلهم عباداً ولم يجعلهم عبيداً، وترك لهم حرية الاختيار بين الطاعة والمعصية، الإيمان والكفر مع تحمل نتائج اختياراتهم.
لقد تعهد الله سبحانه في التنـزيل الحكيم كطرف أول في الميثاق بينه وبين الناس:
ـ أن يرحم الناس ويرزقهم: {نَبّئْ عِبَادِي أَنّي أَنَا الْغَفُورُ الرّحِيمُ} (الحجر 49). وقدّر أرزاق الناس وبقية المخلوقات الحية في الأرض قبل أن يوجد الإنسان: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ سَوَاءً لِلسّائِلِينَ} (فصلت 10) والله يرزق عباده كلهم سواء للسائلين من مقام ربوبيته لهم أو من مقام الألوهية.
ـ وأن يغفر لهم ويتوب عليهم: {قُلْ يَاعِبَادِي الّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعًا إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ} (الزمر 53).
ـ وأن يجيب دعاءهم ويهديهم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِي إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة 186).
ـ وأن يحق الحق وينصر المظلوم: {وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأنعام 115).
وطلب من الناس أن يتعهدوا:
– بأن يؤمنوا بالله إلهاً واحداً: {قُلْ إِنّمَا يُوحَى إِلَيّ أَنّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (الأنبياء 108).
– وأن يؤمنوا باليوم الآخر.. يوم الحساب: {مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 62). {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 112).
– وأن يعملوا صالحاً ينفعهم وينفع الخلق، وهذا العمل الصالح مفتوح البنود ومتطور ومتعدد إلى أن تقوم الساعة. تم ذكر خطوطه العريضة في الوصايا التي أوردها في تنزيله الحكيم، وهي الفرقان أو الصراط المستقيم (الفطرة = القانون الطبيعي) الذي جاء فيه. يقول تعالى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالنّصَارَى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ وَلَاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَاهُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 62).
هذا الصراط المستقيم يمثل حاكمية الله التي تفرد بها وحصرها في محرماته (14) ثم أغلقها ومنع من الاجتهاد فيها لأنها تدخل حصرا في مقام ألوهيته الذي لا يشاركه فيه أحد. ثم بين أن الالتزام بها يكون طوعيا وعن اختيار بكامل إرادة وحرية دون إكراه. فهذه الحاكمية تمثل المرجعية الأخلاقية للناس جميعاً، وهي الميثاق الذي يحمل صفة العالمية بحيث على الإنسان الالتزام به بغض النظر عن الملة التي ينتمي اليها والشريعة التي يطبقها على عكس ما ذهب إليه الفقهاء من حصر للدين وجعله ظرفيا مرحلياً. لهذا كان لا بد من قراءة للتنـزيل الحكيم بعين معاصرة دقيقة عميقة، لبيان المرجعية الأخلاقية العالمية التي تمثل الميثاق الرابط بين الله وعباده ربط عبادية تبنى على وعي بالاختيار بكل حرية ومسؤولية، لا ربط عبودية وقهر، لأنه لا ثواب ولا عقاب إلا في ظل الحرية مصداقا لقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَدْ تَبَيّنَ الرّشْدُ مِنْ الغَيّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَاانفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة 256). وعلى هذا الأساس بيَّنَ الله عز وجل بنود هذا الميثاق العالمي في محكم تنزيله، لأن الثقة المتبادلة بينه سبحانه وبين عباده لايجب أن تكون مبهمة بل تكون على أمور بينة تسمح للإنسان بالالتزام بها بكامل حريته، وهذا هو معنى العبادية المعاكس لمعنى العبودية التي تعني سلب الإنسان كامل حريته وجعله رهن إشارة سيده في كل شيء. لهذا نجد بنود هذا الميثاق جاءت على نحو واضح كي يترتب عليها الثواب والعقاب بعدل، وهي كالتالي:
1. التسبيح هو شكل الوجود فكل الأشياء العاقلة وغير العاقلة في حركتها الدائمة المتغيرة تنزّه الله من أن يكون مثلها فينطبق عليه قانون التحوّل والتطوّر فيفسد ويهلك:{كُلّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلّا وَجهَهُ} (القصص 88)، {وَإِنْ مِن شَيءٍ إلّا يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَا تَفقَهُون تَسبيحَهُم} (الإسراء 44).
2. الخلق كلهم عيال الله، مؤمنهم وكافرهم، مسلمهم ومجرمهم، موحدهم ومشركهم، مطيعهم وعاصيهم، خلقهم من تراب وجعلهم عباداً ولم يجعلهم عبيداً. يطيعونه بملء إرادتهم ويعصونه بحرية اختيارهم ولا يخرجون في الحالتين عن كونهم عباداً. وأن لكل إنسان الحق في أن يعتنق أي ملّة وأي دين يرغب به، وأن يغير دينه أو ملته، وأن يعلن ذلك دون خوف من قتل أو اضطهاد، وهو عبد الله في كل الحالات شريطة الالتزام بالجانب الإنساني الاجتماعي بالوصايا والعمل الصالح، كالامتناع عن قتل النفس وشهادة الزور والغش بالمواصفات والكذب، هذا الجانب الذي هو أكبر من التصويت وأكبر من الرأي والرأي الآخر:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَدْ تَبَيّنَ الرّشْدُ مِنْ الغَيّ…} (البقرة 256). وقوله تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} (هود 28).
3. الحياة هبة من الله تعالى للناس جميعاً فلا تؤخذ إلا بحقها، وحقها هو النفس بالنفس كحد أعلى لعقوبة القتل: {وَلَا تَقْتُلُوا النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلّا بِالْحَقّ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الأنعام 151)، أي أن الأساس في الدماء هو الحرام، والحلال هو الإستثناء وهو ما حدده الله حصراً في آياته. أو فساد في الأرض (جرائم ضد الإنسانية).
4. الحرية هي الشكل الوحيد الذي تتجسد فيه عبادية الإنسان لله تعالى، تحقيقاً لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات 56). وليس في إقامة الشعائر من صلاة وصوم كما يزعم البعض، بل تشمل العبادة كل نشاطات الإنسان وأفعاله وأعماله ضمن الإختيار الحر وضمن نشاطات وبنود الحياة الدنيا التي وصفها تعالى بقوله: {اعْلمُوا أَنّما الحَياةُ الدُنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَارَ نَباتُهُ ثُمّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصفَراً ثُمّ يَكونُ حطاماً وفي الآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد 20). وتأمين حرية ممارسة بنود الحياة الدنيا هو من أهم أساسيات النظام السياسي والاقتصادي للمجتمع، لأن تقدم المجتمع وازدهاره يقوم على هذه البنود.
5. الحرية هي كلمة الله التي سبقت لأهل الأرض جميعا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنّهُمْ لَفِي شَكّ مِنْهُ مُرِيبٍ} (هود 110)، وفيها عبادية الإنسان لله تعالى، حيث أن العبودية من اختراع الإنسان، والله لم يطلب العبودية من أحد. فالناس عباد الله في الدنيا، وعبيده يوم الحساب فقط. ومن حق الإنسان أن يطيع ويعصي بكل طواعية واختيار وأن يتخذ القرارات (الأمانة)، لأنه لا ثواب ولا عقاب دون حرية تحقيقا للعدل الإلهي الذي لا يظلم عنده أحداً. والحرية تسبق العدالة في سلم القيم، لهذا نجد العدل منتشراً في مجتمع الحرية، أما في مجتمع القمع والظلم فإن كلمة الله هي السفلى، بغض النظر عن الأسماء والشعارات التي يتسمى بها هذا المجتمع ويرفعها إسلامية أم علمانية أم قومية، وبغض النظر عن شكل الحكم فيه ملكياً أم جمهورياً أم غير ذلك.
6. التطور والتغير سنة الله تعالى في الكون. فالمجتمعات الإنسانية مجتمعات متطورة وتشريعاتها متغيرة. فالدين الإسلامي خضع للتراكم في القيم والتطور في التشريع واختلاف الشعائر، والثابت فيه هو وحدانية الله عز وجل.
7. الدين الإسلامي، الذي يقوم على مُسَلَّمة الإيمان بالله واليوم الآخر، عالمي شمولي وهو الدين الوحيد الذي ارتضاه الله للناس وخضع للتطور التراكمي على خط سير التاريخ من نوح حتى محمد (ص) وبالتالي ليس له علاقة بالجغرافيا ولا بسياسات الدول. وبما أن مفهوم الدولة في حدودها مفهوم جغرافي بحت، لذا فإن القومية والمصالح الاقتصادية المشتركة والثقافة المشتركة، هي من أهم الأسس في تحديد رقعة الدولة الجغرافية (الوطن) ولا علاقة لها بالدين. لذا لا نرى أي تعارض بين الإسلام كدين شمولي إنساني عام جاء إلى الإنسانية جمعاء {ياأيها الناس} وبين القومية والتي هي خطاب محلي خاص بقوم معينين {ياقومِ} وبين أتباع ملة معينة {يا أيها الذين آمنوا}. وقوله {يا أيها الناس} تشمل كل سكان الوطن بمختلف قومياتهم وثقافاتهم ومللهم.
8. الحاكمية الإلهية هي المرجعية الأخلاقية للإنسانية جمعاء وتمثل القيم الإنسانية الفطرية الواردة في سورة الأنعام (151، 152، 153). وميزتها أن الإنسان يقبل بها قبول تسليم لايخضع لاستفتاء أو تصويت، ولامكان فيها للرأي الآخر. فالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح لايخضع للتصويت، ويأخذ به الإنسان بكامل حريته وإرادته. والتوحيد وبر الوالدين وعدم قتل النفس بغير حق واجتناب الفواحش والإحسان إلى اليتيم والتقيد بالمواصفات دون غش وحفظ العهود والوفاء بها، كل هذه قيم إنسانية لاتخضع للتصويت لافي دولة دينية ولا في دولة علمانية. ولامحل فيها لأي معارض آخر، لأنها مرجعية لجميع الناس على اختلاف مللهم وتوجهاتهم الدينية والفكرية والسياسية. وفيها يتجلى صدق قوله تعالى: {إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران 19)، {وَمَنْ يَبْتَــغِ غَيْــرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران 85).
9. القيم الإنسانية لها ميزة أساسية تؤكد أهمية كونها مرجعية أخلاقية عالمية فهي لا تحمل الصفة التشريعية لأنها أعلى من التشريع، وأعلى من كل برلمانات العالم باعتبارها ميثاقاً إلهياً يحمل السمة العالمية والإنسانية المطلقة في كل زمان ومكان، وغير خاضع للتصويت بل لحرية الاختيار بجانبها العقائدي (الإيمان بالله واليوم الآخر والتوحيد).
10. التحريم من اختصاص الله تعالى حصراً لأنه شمولي وأبدي، والمحرمات الأساسية لا تتجاوز في كتاب الله (14) محرماً تسع منها في سورة الأنعام (الآيات 151 ـ 152 ـ 153) مضافاً إليها محارم النكاح وربا الصدقات والأطعمة المحرمة. وهذا يعني أن الحرام عيني ولايقاس عليه، والحلال مطلق، وهو الأصل في الأشياء، والحرام هو الإستثناء.
11. الشعائر من صلاة وصوم وزكاة وحج أمور شخصية لا علاقة لها ببنية أي دولة، وهي ليست من القيم الأخلاقية، فهي تدخل في إطارالعلاقة الخاصة بين العبد وربه ولاتخضع للتصويت في البرلمان، وقد أكد التنزيل الحكيم وجود المساجد جنباً إلى جنب مع كنائس النصارى وكنس اليهود ومعابد الصابئة (البوذية والبراهمة… إلخ) لأن كل الناس أحرار فيما يعتنقونه من معتقدات دينية، ولامحل للعنف والاغتيالات السياسية بسبب ذلك، خاصة مع من يختلفون معه في المعتقد والرأي السياسي.
12. الجهاد في سبيل الله هو الدفاع عن الحرية الإنسانية التي هي كلمة الله التي سبقت لكل أهل الأرض، وهو جهاد مقدس مختلف الأوجه ابتداء من الكلمة وانتهاء بالقتال، وهو نابع عن عقيدة فردية يعبر من خلاله الإنسان عن التزامه بحريته وحرصه على الحفاظ عليها وعلى الدفاع عن حريات الآخرين في حال تعرضها للانتهاك والتعدي من قبل دعاة الطغيان والجبروت.
13. يتم تقديم المساعدات المادية (charity) للمحتاجين في كل بقاع العالم بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية وتوجهاتهم السياسية أو الفكرية أو الأيديولوجية أو قناعاتهم، لأن المساعدات التي تقدم لهم إنما هي من باب إنساني محض لا صلة له بالحسابات السياسية. ومثال ذلك المساعدات التي يتم تقديمها للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية والحروب من قبل دول العالم والمنظمات العالمية غير الربحية كالصليب الأحمر الدولي والهلال الاحمر الدولي.

(5) تعليقات
  1. الدكتور محمد شحرور يجب الاستفادة منه خاصة أنه قدم منهجا ممتازا لقراءة الاسلام وذلك في كنابه ( الكتاب والقران) ومن شأن منهجه هذا أن ينفك به المسلمون من عقد الفراغ الفكري ونتائجه السيئه الماثلة في واقعنا .
    أعتقد أن مشروع الميثاق المقدم من الدكتور  ترجمة مباشرة لما وصل اليه بمنهجه المتطور في قراءة الاسلام .

  2. بارك الله فيك وفي امثالك..لقد عبرت واجدت. .ووضعت الميثاق في نصابه… ..نعم الإسلام دين شمولي يخص جميع الناس وليس حكر على عمر أو زيد…استمعت لكثير من محاضرات الدكتور شحرور واستفدت منها …أحببت ديني أكثر وزاد احترامي لنفسي كمسلم..أعتز بتعاليم ديني…جزاك الله خيرا

اترك تعليقاً