قراءة معاصرة في خصائص السنة النبوية – مروان محمد عبد الهادي

قراءة معاصرة في خصائص السنة النبوية – مروان محمد عبد الهادي

جميع الآراء الواردة في هذا الموضوع تعبر عن رأي كاتبها، وليس بالضرورة أن تكون متوافقة مع آراء الدكتور محمد شحرور وأفكاره

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تعددت مفاهيم السُنة النبوية لدى علماء الدين.. ووضع (بعضهم) لها تعريفات ما أنزل الله بها من سلطان، وقلَت إجتهادت (بعضهم) القرآنية وكثرت أراءهم الشخصية وتباينت فيما بينهم وكل أدلى بدلوه، فباتت سُنته (ص) ناسخة لكتاب الله تعالى وقاضية عليه!! مُعلِلين ذلك بقولهم “القرآن أحوج إلى السُنة أكثر من حاجة السُنة إلى القرآن”؟! {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وهذا بحق أمر مُحزن..

أرجوا أن لا يُفهم من هذه المقدمة إنكاراً مني لسنة رسول الله (ص) الصحيحة، وهي نهج الرسول (ص) العملي والفعلي الذي سلكه أو دأب عليه في تطبيق ألأحكام بسهولة ويسر، دون الخروج عن حدود الله مُعتمدين على قوله تعالى:

{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} الأحزاب 21

{يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة 185

{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج 78

لقد أختلف المفسرون في تعريف السُنة النبوية فما هو ألمعنى ألحقيقي لهذا المُصطلح؟ يختلف تعريف السنة باختلاف العُلماء.. فالسنة عند المحدثين غير السنة عند الفقهاء.. وعند الفقهاء غير عند أهل أصول الفقه.. وهكذا.

السّنة عند الأصوليين: ما صدر عن النبي (ص) من غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير. فيجعلونها خاصّة بالنبي (ص) ولا يذكرون فيها الصفة لأنها لا تفيد التّشريع.

تعريف السنة والحديث عند المحدثين: تعددت آراء علماء الحديث في تعريف الحديث والسنة والقول المشهور عند جمهور عُلماء الحديث.. أن معنى السنة والحديث في الاصطلاح واحد.. هو: كل ما نقل عن النبي (ص) من قول أو فعل، أو إقرار أو تقرير، أو صفة خلقية أو صفة خلقية، حتى الحركات والسكنات.. في اليقظة والمنام؟! قبل البعثة أو بعده.

السّنة عند الفقهاء: هم الذين اعتنوا في أبحاثهم بدلالة أقوال الرسول (ص) وأفعاله وتقريراته على الأحكام الشرعية المتعلّقة بالأفعال. وقيل “هي ما واظب النبي (ص) ولم يدل دليل من الكتاب على وجوبه”

السُنة في معاجم اللغة:

لسان العرب: السيرة، حسنة كانت أو قبيحة أو الطريقة. إبتدآء الشيء: في الحديث المنسوب إلى رسول الله (ص) “إن صح” عنه: من سنَ سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمِل بها.

إن مصطلح السُنة المُبتدع، والمتعارف عليه عند السادة العُلماء، يُمثل طرحاً فكرياً إنسانياً خاطئاً، أصَله الإمام الشافعي.. وليس النبي (ص) وهذا التعريف قطعاً قابل للنقاش والأخذ والرد، ولا يحمل أية قداسة. وإنطلاقاً من هذا المُصطلح الشخصي المُبتدع (السُنة، الحكمة، أو الوحي الثاني) الذي أوجده الإمام الشافعي، وبنى عليه طاعة إلهية، أدخلت المُسلمين في خلافات وتناقضات ومتاهات، نُعاني من أثارها في كل ساعة من ساعات اليوم الواحد.. مُعتبراً أفعال النبي (ص) حتى الشخصية منها، تشريعات إلهية، كإطلاق اللحى والسِواك أو كونه (ص) كان يأكل بيده اليُمنى، ويأكل التمر، أو يتبولَُ قائماً أو جالساً.. أو إستخدامه للعود الهندي، وأنه كان عليه الصلاة والسلام، ينام على جنبه الأيمن.

فالمُدقق المُتجرد في فقه الإمام الشافعي يرى بوضوح الدور الرئيس الذي لعبه هذا الفقيه.. في الخلط بين إسلوب النبي (ص) الإنساني الشخصي في الحياة، وبين التشريعات الربانية، وكيف أصلّ فهمه للسُنة النبوية التي إخترعها بربطِها مُباشرة بطاعة الله تعالى، حيث نجده يقول في كتابه الرسالة:

إقتباس: فيُجمع القبول لما في كتاب الله ولسُنة رسول الله: القبول لكل واحد منهما عن الله، وإن تفرع فروع الأسباب التي قبل بها عنهما، كما أحلَ وحرَم، وفرض وحدَ: بأسباب مُتفرقة كما شاء جلَ ثناؤه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الأنبياء 23 اهـ

إننا لا نجد لمُصطلح السُنة المُبتدع والمُعرف أعلاه، اية ذكر أو نص قرآني ظني أو قطعي في كتاب الله تعالى سوى بعض الآيات التي إستُشكل فهمها على السواد الأعظم من المسلمين، أو بعض ألأحاديث المُفتراة على رسول الله (ص) لذا كان لا بدَّ لنا من تدبر كتاب الله تعالى، حتى يتيسر لنا الحكم بأصل هذا المُصطلح. لقد ورد مُصطلح “سُنة” في اربعة مواضع في التنزيل الحكيم من دون الإشارة ولو لمرة واحدة لسُنة الرسول (ص) البشر المخلوق.. القاضية حسب المفهوم الفقهي المُبتدع على كتاب وأحكام خالقه المُحكمة.. {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} الأنعام 100

نقف خاشعين أمام قول الله تعالى:

{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ (لِسُنَّةِ اللَّهِ) تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} فاطر 43

{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ مَن قَدْ سُنَّةَ مَن قَدْ َرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} الإسراء 76 – 77

{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} غافر 84 – 85

{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} الفتح 23

{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} الأحزاب 62

تمهيد

بعد رحيل رسول الله (ص) إلى الرفيق الأعلى، ومنذ اللحظة ألاولى، نشأت مُشكلة وراثة الدولة التي أسسها النبي (ص) فأدعى كل طرف من المهاجرين والأنصار بأنه الوريث الأحق لزعامة هذه الدولة الفتية، وكان الخلاف بين المهاجرين والأنصار سياسياً لكنهم كانوا سباقين في نشر الرسالة وفي تأسيس وتثبيت دعائم الدولة التي كُبرت. وبعد مقتل عُثمان بن عفان عام 35 هجرية، حصلت الفتنة الكُبرى في الإسلام بين معاوية بن أبي سُفيان الذي كان حديث العهد بالإسلام(1) وعلي بن أبي طالب، هُزم فيها الأخير، وبعد التحكيم الشهير اصبحّ معاوية السُلطان الأول للُسنة في الإسلام.. وتمت تسمية الذين إتبعوا علي بن أبي طالب (الشيعة) والذين خرجوا عليه (الخوارج)(2) في المعركة – في موقعة صفين الفاصلة(3) وهكذا إنقسم المسلِمون إلى طوائف ثلاث، أكبرهم طائفة المُنتصر! أهل السُنة والجماعة..(4) التي أنهت المرحلة الراشدة بشكل مُرعب.. فعمَ الحديث وإستشرى بين المسلمين ورُفع إلى مستوى القرآن.. لذا فإن الأحاديث المُتدوالة بين أتباع الفهم المغلوط للسُنة النبوية، وما يُطلق عليه جزافاً بالأحاديث الصحيحية..ليست إلا أحاديث مليئة بالطم والرم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير، بالرغم من قول الحق سُبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} النحل 105

لقد تلاقت أهداف السلطان مع أهداف (البعض) من أهل الكتاب للعبثِ بدين الله تعالى وتحريفه، رغم إختلاف مصلحة كل فريق، فالهدف الرئيس (للبعض) من أهل الكتاب عقائدي، بينما كان هدف السلطان مادي وسياسي.. لقد كان من المستحيل على الطرفين، تحريف كتاب الله تعالى والعبث به، فتظافرت الجهود لإيجاد وسيلة ناجعة لتحقيق الاهداف المنشودة، فتمخض عن هذه الجهود ولادتين: إفتراء ألاحاديث على رسول الله (ص) وبِدعة السُنة النبوية بمفهومها الفقهي الحالي الذي أصله الإمام الشافعي، رحمه الله. إن أصل البدعة مشروع سياسي غُلف بغلاف ديني، لا ينكره إلا جاهل أو مكابر. لقد إختلفت الاسباب، وكان الهدفُ واحداً.

شرعية الأمويين والعباسيين

إتخذ الباحثون عن الشرعية في خلافة النبي (ص) من الأمويين والعباسيين آيات الإرث وآيات طاعة أولي الأمر لشرعنة مطلبهم، فالأمويون إتحذوا من طاعة أولي الأمر غِطاء ايديولوجياً وتكريساً لواقع قضاء الله وقدره ولا سبيل لرده.. وأعتبروا أن المعارضين لحكمهم إنما هم يعارضون قضاء الله وقدره! وقد كان علماء السوء – علماء السلطان، خير معين للأمويين في إختراع تعريف مشوه للقضاء والقدر لتثبيت حكمهم، وهو أن قضاء الله تعالى هو علمه ألأزلي، والله تعالى يعلم منذ ألأزل أن بني أمية سيتولون مقاليد الحكم.. ولا رادٍ إلى وقف القدر القاضي بنفاذ هذا القضاء.

في حين إبتدع عُلماء السُلطان للعباسيين الأقرب للنبي (ص) قاعدة فقهية سافرة أُدخلت على أحكام آيات الأرث والوصية، وهي أن البنت لا تحجب، لتكون غِطاء ايديولوجياً لشرعنة حكمهم وحقهم في ميراثه، ووضع حديث نُسب إلى النبي (ص) وهو حديث (لا وصية لوارث) وهو من أحاديث الأحآد، أخذه الأمام الشافعي من أهل المغازي (كتب المغازي تحوي الغث والسمين من مرويات السيرة النبوية) رغم إنكار الأخير في كتابه “الرسالة” لإحاديث الآحاد في مجال العقائد.. فكان تناقضه مع الذات مثيرٌ للدهشة، ولكن ليس مُثيراً للإستغراب.. فمداهنة البعض للحكام قد تتطلب موقفاً مُماثلاُ.. خاصةً إذا وجد هذا البعض نفسه أمام مُفترقات خطرة، وبذلك تأسست أخطر سابقة عرفها التاريخ الإسلامي، هي أن السُنة (الحديث النبوي) ناسخة للقرآن، وأن القرآن أحوج إلى السُنة من السُنة للقرآن! تعالى الله عما يصفون. إن القارئ الفطن لا يحتاج إلى دكتوراة في علوم القرآن واللغة.. حتى يفهم المُراد من قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} النساء 11

فالله سُبحانه وتعالى في هذه الأية الواضحة، يوصينا في أولادنا – ذكوراً وإناثاً، وأن الولد قد يكون ذكراً ويكون أنثى. وهنا نتوقف لنسأل السادة العُلماء والفقهاء والمحدثين من حملة الشهادات العُليا.. هل الأولاد هم حصراً الذكور أم فيهم الإناث؟ وهل الوالدات يُرضعن الذكور فقط من دون الإناث؟ أين أنتم من قول الله تعالى: {الْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} البقرة 233 فما رأيكم دام فضلكم؟؟

نعم، لقد إستفرد سلاطين بني العباس بالحكم بعد أن أُخرجت إبنة رسول الله (ص) وأبنائها من اللُعبة السياسية من جهة، وصارت الأنثى لا تحجب منذ ذلك الحين من جهة آخرى، واُهدرت نصف حقوقها من الأرث وتشتت على أعمامها بدون وجه حق. هؤلاء الأعمام لا نجد لهم ذكراً في آيات المواريث! للأسف الشديد كان الإمام الشافعي على رأس المُبتدعين، فإن قال بأن البنت ولد، وبأنها تحجب كالذكر تماماً، أتهمه العباسيون بالتشيع .. وإن جانب الحق صار مارقاً.. وهما خياران أحلاهما علقم عند العباسيين.! وبذلك تم إبعاد ابنة رسول الله (ص) كوارثة، كما تم إبعاد الخليفة الرابع على كرَم الله وجهه، بإعتباره إبن عم النبي (ص) والعم أحق وأولى، وصار الولد ذكراً، رغم قول الحق سُبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} النساء 11

وحتى لا نُتهم بأننا نهرف بما لا نعرف، فسوف نقتبس حرفياً ما رواه الطبري في تاريخه: المُجلد الحادي عشر (النسخة الأكترونية) نصوصاً من الرسائل المُتبادلة بين أبي جعفر المنصور وبين الإمام محمد بن عبدالله المُلقب بالنفس الزكية، الذي خرج على طاعة أبي جعفر المنصور وحكم بني العباس مُستنكراً بطشه في الطالبيين:

ارسل المنصور رسالة إلى الإمام يدعوه فيها إلى التوبة مُقابل الأمان له ولمن بايعه، فرد الإمام بدعوة المنصور إلى الدخول في طاعته وبيعته، آمناُ على نفسه وماله يقول فيها:

“وأنا أولى بالأمر منك وأفى بالعهد، لأنك أعطيتني من الأمن والأمان ما أعطيته رجالاً قبلي، فأي الأمانات تعطيني.. أمان إبن هبيرة أم أمان أبي مُسلم؟”

لكن الإمام أسهب وإستفاض في مطلع رسالته بالإعتداد بنسبه إلى فاطمة والنبي (ص) وبأورمته المُمتدة إلى الإمام عليّ كرم الله وجهه، فيقول:” وإن أبانا علياً كان الوصي وكان الإمام، فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء؟ ” ويُتابع قائلاً: ” وأني أوسط بين هاشم نسبا، وأصرحهم أباً وأمي لم تعرق في العجم ولم تُنازع في أمهات الأولاد ” (ألأمام يغمز ويلمز) في أم المنصور.. لم يأتي رد المنصور على مُفاخرة الإمام بنسبه إلى فاطمة والنبي (ص) وبأورمته المُممتدة إلى الإمام عليّ كرم الله وجهه عرضياً أو مُبطناً، بل كان صريحاً وحاسماً، ويُبين بجلاء إرتكاز العباسيين على آيات الإرث في شرعنة حكمهم. يقول المنصور:

“فقد بلغني كلامك وقرأت كتابك فإذا جلّ فخرك بقرابة النساء، لتُضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة والآباء، ولا كالعصبة والأولياء.. لأن الله جعل العم أباً وبدأ به في كتابه على الولد الأدنى، فقال جلّ ثناؤه عن نبيه يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} يوسف 38 ” ويُتابع المنصور قائلاً:

“وأما قولك إنكم بنو رسول الله (ص) فإن الله تعالى يقول: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} الأحزاب 40 ولكنكم بنو إبنته، (وإنها لقرابة قريبة ولكنها لا تحوز الميراث!!!!!) ولا ترث الولاية، ولا تجوز لها الإمامة، فكيف تورث بها؟ (ولقد جاءت السُنة…) التي لا خِلاف فيها بين المُسلمين، أن الجد ابا الأم والخال والخالة لا يرثون. أهـ

لم يجد بني العباس بُداً من إبعاد الناس عن نصوص القرآن الكريم لتثبيت العقيدة الجديدة، عقيدة الروايات التي من شأنها أن تخدم السُلطان وحده! فتم إضافة ألأحاديث التي تؤيد العباسيين وأحقيتهم في الحكم والتركيز على الروايات التي توجب أن يكون الحكم للقريشيين من دون القبائل الآخرى. أرجو أن لا يغيب عن ضمير الباحث المُتجرد النزيه، بأن الإمامين البُخاري ومُسلم، عاشا تحت سيطرة وسطوة سلاطين بني العباس، وكان لا يُسمح إطلاقاً بمُهاجمة ألأحاديث التي كان لها السُلطة الفعليه في إصدار الفتاوى والقوانين، التي لربما وضعت حدوداً على ما يمكن نشره، أو حتى كانا مُكرهيين ولم يستطيعا التعبير الصادق عن رأيهما، فدخل إلى صحيحهما الكم الكبير من ألأحاديث الموضوعة التي أساءت إلى الإيمان الصحيح وإلى الإسلام، وأصابتهما في مقتل. أ هـ

إن أصحاب الفهم المغلوط للسُنة النبوية يتكئون على ما يُسمى بالحديث النبوي الظني، والمُمتلئ بالإسرائليات، والطم والرم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير، ولن نزيد.. كمصدر للدين والعلم.. معُتبرين هذه الأحاديث وحياً إلهياً ثانياً!! وسُنة رسول الله (ص) القولية، بل ويصفون الصحيحين، على أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله!! والمُحزن جداً بأن السواد الأعظم من المُسلمين قد سلمّ بهذه المُغالطة تحت طائلة التكفير والنفي. فالمُمعن في دراسة هذه الكتب لا يجد فيها من الصحة إلا القليل النادر، فإن ثبتت عند البخاري نفاها مُسلم! فالحديث الصحيح صحيحاً فقط في نظر رواته، لا أنه صحيح في ذاته، وأن ما يُقال عنه “مُتفق عليه” ليس المُراد أنه مُتفق على صحته في الأمر، وإنما المُراد أن البُخاري ومُسلم قد إتفقا على إخراجه..(5) لقد أهمل عُلماء الحديث جميعاً أمراً خطيراً، هو البحث عن حقيقة النص الصحيح لما تحدث به النبي – صلوات الله عليه.

وقد يكون خافياً على السواد الأعظم من المسلمين بأن الأحاديث النبوية الظنية الثبوت، قد نُقلت إلينا بالمعنى، وإن جهد العُلماء.. بإقناعنا بدقة الرواة، وما تناقض الأحاديث مع التنزيل الحكيم من جهة، ومع العقل والعلم من جهة ثانية إلا دليل على ذلك. هذه الحقيقة قد تم التستر عليها من قبل رجال الدين الذين جعلوا من رواد المساجد أشرطة تسجيل صماء بكماء عمياء، يُساقون إلى مُستنقعات من الجهل كما تُساق الخِراف إلى المسالخ تحت شعار الحديث المكذوب على رسول الله (ص) العلماء ورثة الأنبياء.

لقد طرحنا سؤلاً هاماً وللساعة لم نسمع جواباً!

كيف يكون في وحيّ الله تعالى، المتواتر والمشهور – الصحيح – الحسن – الضعيف – المرسل – المُنكر – المعروف – المتابع – المتروك المعنعن – العزيز – الغريب – المُعلل – المُضطرب – المدرج – والمعلوب والمسند والمرفوع – والموقوف الموصول – المقطوع – المقطع – المُعضَل – المُدّلَس – الشاذ – المحفوظ – – والموضوع – المسلسل – المُصحَف المؤتلف – المُتفق – المُفترق – المُتشابه – العالي – النازل – الناسخ – المنسوخ؟؟

كتب الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي على صفحات موقعه الألكتروني مُغزِزأ ما ذهبنا إليه، الآتي:

إقتباس: أن السنة من أجل ذلك دخلها المنكر والموضوع، وما لا أصل له من الحديث، فضلا عن الضعيف والواهي وما لا يصلح للاحتجاج به، واختلط الحابل بالنابل، فلم يعد في الإمكان التمييز بين ما يصح وما لا يصح، وصحيح. اهـ

هل الأحاديث النبوية وحيّ مُنزل؟

إستشكل على البعض من أئمة التفسير والسواد الأعظم من المسلمين فهم المُراد من قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم 3

تعريف الوحيّ في معاجم اللغة:

لسان العرب: الوَحْيُ: الإِشارة والكتابة والرِّسالة والإِلْهام والكلام الخَفِيُّ وكلُّ ما أَلقيته إِلى غيرك

مقايس اللغة: وحيّ: الواو والحاء والحرف المعتلّ: أصلٌ يدلُّ على إلقاء عِلْمٍ في إخفاء أو غيره إلى غيرك

يقول الله تعالى:

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ) لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} الأنعام 19

{وَكَذَلِكَ (أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً) عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} الشورى 7

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا (أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} يوسف 3

{وَاتْلُ مَا (أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ) لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} الكهف27

{اتْلُ مَا (أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} العنكبوت45

{وَالَّذِي (أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ) هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فاطر31

إن المُتأمل في هذه الأيآت، يرى بوضوح لا يقبل اللُبس، فالله تعالى هو الذي أوحى، والرسول (ص) هو الذي أُوحي إليه، والتنزيل الحكيم (إن هو وحيَ) الكلام الخفي = إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. فالكلام الخفي (الوحيَ) الذي كان يتنزل على قلب رسول الله (ص) كان موضوع التساؤل والشك، ولم تكن المُشكلة قطعاً في أقوال الرسول (ص) وأفعاله أو في سلوكه الشخصي. أنظر إلى قوله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} القلم 51

وثمة من يوجه إلينا سؤلاً مشروعاً، اليست الحكمة في كتاب الله هي السُنة النبوية؟ ألم يقل الله تعالى:

نُجيب بما روي عن رسول الله (ص) إن صّحّ عنه: “الحكمة ضالة المُؤمن أينما وجدها – أخذها” وفي رواية هو أحق بها – الترمذي 611” وهذا الحديث إن صحَ عن رسول الله (ص) فإنه يؤكد بأن الحكمة ليست وحياً. فقد تأتي وحيَاً وقد لا تأتي، أي ليس لِزاماً لها. فالحكمة إن لم تكن وحياً فهي مكتسبة من تجارب الحياة الإيجابية والسلبية على حد سواء وهي غير مقصورة على الأنبياء، بل أنها تجري على ألسن الحُكماء في كل زمان ومكان حتى قيام الساعة. فلُقمان لم يكن نبياً، كقوله سُبحانه:

{وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} النساء 113

{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} لقمان12 وقوله أيضاً:

{يؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} البقرة269

وحيَ أم وحيين؟ هل الحكمة هي السُنة؟

يعتبر الإمام الشافعي وبدون أن يُقدم دليلاً واحداً من آيات الكتاب، أو حتى الحديث النبوي الذي إعتمده هو نفسه في إستنتاجه.. بأن الحكمة في كتاب الله تعالى هي السُنة النبوية! حيث نجده يقول في كتابه الرسالة، في (باب البيان) الرابع

إقتباس: كل ما سن رسول الله مما ليس فيه كتاب، وفيما كتبنا في كتابنا هذا، من ذكر ما منَ الله به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة، دليلٌ على أن الحكمة سُنة رسول الله. اهـ. وفي موضع آخر من نفس الكتاب نجده يقول:

فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة وسمعت من أهل العلم..؟؟؟ بالقرآن يقول: الحكمة سُنة رسول الله، فكان ما أُلقي في روعه سُنته وهي الحكمة التي ذكر الله وما نزل به عليه كتاب فهو كتاب الله. ومنهم من قال.. أُلقي في روعه كل ما سنَه، وسُنته الحكمة: الذي اُلقي في روعه عن الله، فكان ما أُلقي في روعه سُنته. اهـ ويُتابع الأمام الشافعي في موضع أخر، فيقول:

فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة فسمعت من أرضي من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سُنة رسول الله، وهذا مايُشبه ما قال والله أعلم، لأن القرآن ذكر وإتبعته الحكمة، وذكر الله مّنَه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يُجرز – والله أعلم – أن يُقال الحكمة هنا إلإ سُنة رسول الله، وذلك أنها مقرونة مع الكتاب، وأن الله إفترض طاعة رسوله، وحتم على الناس إتباع أمره، فلا يجوز أن يُقال لقولٍ فُرض إلا لكتاب الله وسُنة. رسوله لما وصفناه من أن الله جعل الإيمان برسوله قروناً بالإيمان به. اهـ

ذهبنا إلى كتاب الله تعالى فبحثنا في آياته، ووجدنا أن مدلول كلمة الحكمة لا يشير لا من قريب أو بعيد إلى مُصطلح السُنة النبوية، لنتأمل قول الحق سُبحانه وتعالى:

{وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} النساء 113

{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} البقرة 269

{وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} الزخرف 63

{امْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً} النساء 54

{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} البقرة 251

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} الأحزاب 34

نقف خاشعين أمام قول الحق سُبحانه وتعالى:

{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً * وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً * ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً} الإسراء 36 – 39

إن المُتأمل في قوله تعالى، يرى بوضوح لا لبس فيه، بأن آيات الحكمة خالية من التشريعات أو الأحكام، وبالتالي فإنه لا يُبنى عليها أحكاماً شرعية أو عقائدية، ومن المُفيد إستعراض بعض أحاديث الحكمة التي نُسبت إلى رسول الله (ص) “إن صحت عنه”

لا ضرر ولا ضِرار – إبن ماجة 2331

دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك – الترمذي 2442

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراُ أو يصمت – البخاري 5550

لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه – البخاري 12

المُسلم من سلم الناس من يده ولسانه – البخاري 9

وهنا لنا وقفة مع عُلماء النقل.. إذا كانت السُنة هي الحكمة، لماذ لم يُعرفها الرسول (ص) للمسلمين بنفسه؟ ولماذا لم يأمر بجمعها وكتابتها إلى جانب كتاب الله؟ وهل يصح أن يدع نصف ما أوحاه الله تعالى إليه يغدو بين الأذهان بغير قيد، يمسكه هذا وينساه ذاك.. ويتزيد فيه هذا وذاك؟؟ وهل يكون الرسول (ص) قد بلغ الرسالة على وجهها، وأدى الأمانه كلها إلى أهلها؟ كيف كان حال المسلمين الذين قضوا قبل أكثر من قرن ونصف من ولادة الإمام الشافعي، الذي ولد سنة 150 وتوفي 205 هجرية، دون أن يعرفوا بأن الحكمة هي سُنة رسول الله وأنها المصدر الرديف.. (الأحتياطي) لشرع الله تعالى وأوامره؟

هل السُنة النبوية شارحة لكتاب الله مُبينة لأحكامه؟

لقد أجمع عُلماء الأمة سلفاً وخلفاً، وعلى رأسهم الإمام الشافعي، بعد أن إستشكل عليهم فهم المُراد بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} على أن السُنة شارحة لكتاب الله مُبينة لأحكامه. فقول الحق سُبحانه، {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل 44 تأمر الرسول (ص) بأن يُظهر ولا يكتم ما أُنزلّ إليه (ص) من الذكر الحكيم (أمرٌ بالإظهار والإبانة وعدم الكتمان) بدلالة قوله تعالى:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} المائدة 15

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} البقرة 159

{أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} آل عمران 187

{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} البقرة 187

{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيم} التوبة 114

وللشيخ الألباني – رحمه الله – رسالة بعنوان ” منزلة السنة في الإسلام، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن “، وفيها:

إقتباس: “تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته، واختصه برسالته، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم، وأمره فيه – في جملة ما أمره به – أن يبينه للناس، فقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم..} النحل – 44، والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان”:

“الأول : بيان اللفظ ونظمه، وهو تبليغ القرآن، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه صلى الله عليه وسلم، وهو المراد بقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك} المائدة – 67، وقد قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها – في حديث لها ” ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه: فقد أعظم على الله الفرية “، ثم تلت الآية المذكورة ” – أخرجه الشيخان – ، وفي رواية لمسلم: ” لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} الأحزاب – 37 .”

“والآخر : بيان معنى اللفظ، أو الجملة، أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة، أو العامة، أو المطلقة، فتأتي السنَّة، فتوضح المجمل، وتُخصِّص العام، وتقيِّد المطلق، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم، كما يكون بفعله وإقراره. أهـ”

نُقدر إجتهاد الشيخ – رحمة الله عليه، ونتفق معه بأن بيان اللفظ ونظمه، هو تبليغ القرآن، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما نزله الله تبارك وتعالى على قلب رسول الله (ص) ونختلف معه في أن السُنة مُبينة ومُفسرة، فتوضح المُجمل، وتُخصص العام، وتُقيد المُطلق. فقول الله سُبحانه:

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} النحل 89 يدحض إدعاء الشيخ وينسفه.. فالله يقول وهو أصدق القائلين {وَنَزَّلْنَا الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ}

كتب الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، أحد العلماء البارزين والدعاة المشهورين والمصلحين المعدودين على أهل السُنة والجماعة، وعلى صفحات موقعه الألكتروني وفي مُجمل رده على شُبهات أعداء الإسلام..

إقتباس: أما قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ..} فالمراد بهذه “الكلية”: ما يتعلق بالأصول والقواعد الكلية التي يقوم عليها بنيان الدين في عقيدته وشريعته، ومن هذه الأصول: أن الرسول مبين لما نزل إليه، وبعبارة أخرى: (أن السنة مبينة للقرآن) لقوله: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم..} النحل 44. أهـ

إننا نقرأ في قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ..} أن الله نزّل على قلب رسوله (ص) كتاباً كاملاً موضحاً لكل أمر يحتاج إلى تبيان. فقوله سبحانه وتعالى، وهو أصدق القائلين: {تبياناً (لكل شيء)} هو قولٌ في غاية الوضوح ولا يقبل التأويل. أما تاويل الشيخ الفاضل بحصر هذه “الكُلية” بالأصول والقواعد الكُلية فليس عندنا بشيء. نقول هذا ونحن نستذكر قول الحق سُبحانه:

{وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ (فَصَّلْنَا الآيَاتِ) لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} الأنعام 126 وقوله ايضاَ:

{أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي (أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} الأنعام 114

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ) وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يوسف 111

{الَر كِتَابٌ (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} هود 1

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ (فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا)} الإسراء 12

فالتنزيل الحكيم صادق ومُتطابق مع الواقع، دقيقٌ في تراكيبه ومعانيه. وبالرغم من هذه الحقيقة المُسلم بها عند جمهور المُسلمين، فإننا نرى خلطاً واضحاً عند الشيخ بين مفهومين: البيان والتبيان. فالبيان هو: إلاظهار والإبانة وعدم الكتمان، وهذا أوضح من أن ينكره عاقل..

إن المُسلمين وللأسف الشديد، لا يرَون العقيدة الصحيحة والدين الصحيح إلا من خلال كتب التراث التي كتبها رجال الدين عبر التاريخ السُني خلال اربعة عشر قرنا. وبتجرد يمكن تقييم معتقدات الذين فرقوا دينهم وجعلوه شيعا، بأنها نظرة شركية بحته.. فهم لم يحاولوا قط فهم القرآن إلا من خلال كتب التراث المُغلفة بأحاديث مكذوية نُسبت للرسول الكريم (ص) ظُلماً، وكأنهم يقولون وبصراحة وبلاهة لا مثيل لهما: بأن الله سُبحانه وتعالى أنزل لعبادة مجموعة من الطلاسم؟؟ بالرغم من قول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} النحل 89

لقد أخذ غالبية المُفسرين فهم هذه الآيات على ظاهرها، بل ونراه تسطيحاً وتخبُطاً وإخراجاً للنصوص من سياقها. لقد أوهموا العِباد بأن التنزيل الحكيم مُفتقر إلى بيان.. حتى أخذهم الشطط، وقالوا بأن الأحاديث أو السُنة القولية ناسخة لكتاب الله!؟ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ. يقول الله تعالى في كتابه العزيز:

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل 43

{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل 44

ففي الآية الأولى، الخطاب موجه إلى مشركي قريش الذين كذّبوا الرسول (ص) فأهل الذكر في الآية الأولى هم أهل الكتاب، والذكر هو التوراة والإنجيل. وقوله: {مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} التي جاءت في الآية الثانية تعود على الناس كافة. أما قوله سُبحانه، وفي نفس الآية، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} فهي تعود على رسول الله (ص) ليُبين (ليُظهر) للناس (أهل الكتاب والمشركين، والذين آمنوا) مواطن التحريف وما تم نسخه (بين الرسالات حصراً) أو تعديله وإقراره في التنزيل الحكيم (الذكر) ومن هذا الجانب نفهم قوله تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ (مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل 44

نخلص إلى القول بإن السُنة المُبتدعة لم تُبين ولم تشرح آيات الله الواضحات، ولكنها حرمت الحلال، وأحلت الحرام، ونسخت الآيات والأحكام، وجاءت بتشريعات جديدة ما أنزل الله بها من سُلطان.. حتى باتت هذه الأحكام السماوية نسياً منسياً عند أتباع الرسالة المُحمدية، نُعدد بعضها ونُسهب في شرحها في الفصول القادمة، وهي مواضيع هذا الكتاب إنشاء الله تعالى:

أركان الإسلام – أركان الإيمان – الناسخ والمنسوخ – شروط عقد النِكاح – أحكام الطلاق – ملك اليمين (زواج المِتعة – زواج المِسيار) الرجم – أحكام الإرث والوصية – آيات الصِراط المُستقيم – أوقات الحج وشعائرة – فريضة الصيام – فريضة الصلاة وكيفيتها وعدد ركعاتها – القِوامة وضرب النساء – الجزية – القتال في سبيل الله – الجهاد في سبيل الله – قتل المُرتد – حقيقة المعراج – صيام رمضان – عقوبة المرتد – التحريم مع الله – حد الزكاة – التعددية الزوجية – مُعجزات الرسول (ص) المزعومة – لِباس المرأة وفتنتها

مفهوم عصمة الرسول (ص) في كتاب الله تعالى

لقد أشرنا في مُقدمة الكتاب إلى حقيقة هامة، وهي أن المُسلمين، وبعد أن هجروا كتاب الله تعالى قد أخرجوا أقوال رسول الله (ص) وأفعاله من المصدر الرئيس، الكتاب الذي أُحكمت آياته من لدن عزيز حكيم، كما جردوه (ص) من بشريته، حتى أصبح البُصاق على الطعام والشراب من مُعجزات رسول الله (ص) وبات التبرك ببوله أمراً مُستساغاً.. نُحيط القارئ الكريم علما، بأن هنالك العديد من الكتب التي ألفت في هذا الفن خصيصاً.. وهي مُستوحاة من ما يُطلق عليه جِزافا بصحيحي البخاري مُسلم.. نورد لك بعضاً منها..

صحيح البخاري، الحديث رقم 4204 عن البراء بن عازب انه كان مع الرسول – صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية الفَ وأربعمائة او اكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها فاتوا النبي – صلى الله عليه وسلم، فأتى البئر وقعد على شفيرها، ثم قال: ائتوني بدلو من مائها، فاتي به (فبصق) فدعا ثم قال: “دعوها ساعة” فأرؤوا أنفسهم ورِكابهم حتى ارتحلوا. وفي الحديث رقم 4203 – ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها

صحيح البخاري، الحديث رقم 4259 حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، قال أخبرني سهل بن سعد – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر ‏”‏ لأعطين هذه الراية غدا رجلا، يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ‏”‏‏.‏ قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يرجو أن يعطاها فقال ‏”‏ أين علي بن أبي طالب ‏”‏‏.‏ فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه‏.‏ قال ‏”‏ فأرسلوا إليه ‏”‏‏.‏ فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال ‏”‏ انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ‏‏

صحيح البخاري، الحديث رقم 185 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا الحكم قال سمعت أبا جحيفة يقول خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة وقال أبو موسى دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه (ومج فيه} (أي بَصقَ) ثم قال لهما اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما

كثُرت الأراء حول عصمة رسول الله (ص) وتعددت فيها اقوال العُلماء وتباينت فيما بينهم، فمنهم من قال بأن الرسول (ص) غير معصوم في غير التبليغ، اي أنه معصومٌ فيما يؤديه عن الله تعالى، وليس بمعصوم في غير ذلك من الخطاً والنسيان والصغائر من الذنوب، (قال السفاريني في شرح عقيدته) قال ابن حمدان في نهاية المبتدئين: أنه يجب أن يكون النبي معصوماً من جميع الرذائل والفواحش منذ الصغر وحتى الموت، عمداً وسهوا. اهـ

وقال ابن عقيل في الإرشاد: إنهم عليهم السلام، لم يعتصموا في الأفعال، بل في نفس الأداء ولا يجوز عليهم الكذب في الأقوال فيما يؤدونه عن الله. وقال ابن تيمية: الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه وتعالى في تبليغ رسالاته باتفاق الأمة، ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه كما قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ..الآية}، وقوله: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ..الآية}. مجموع الفتاوى 10/298

بيد أننا نقول: أنه وبالرغم من اختلاف المسلمين في مقدار عصمة رسول الله (ص) إلا أنهم قد نسبوها له بشكل أو بآخر. وهنا نطرح سؤالاً: كيف لنا أن نوفق ما بين القائلين بعصمة الرسول (ص) قبل وبعد بعثته وبين قول تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى} الضحى 7

يعتبر الأمام عبده – رحمه الله عليه، أن عصمة رسول الله (ص) كالمعُجزة – ضرورة من ضروريات صدق الرسالة، ومن مُقتضيات حكمة الله. وإذا كان الرسول – كبشر – يجوز على جسده ما يجوز على أجساد البشر.. وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان يمارس الاجتهاد والشورى وإعمال العقل والفكر والاختيار بين البدائل في مناطق وميادين الاجتهاد التي لم ينزل فيها وحى إلهى.. فإنه معصوم في مناطق وميادين التبليغ عن الله – سبحانه وتعالى – لأنه لو جاز عليه الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير الأولى في مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق الشك إلى صلب الرسالة والوحى والبلاغ، بل وإلى حكمة من اصطفاه وأرسله ليكون حُجة على الناس.. كذلك كانت العصمة صفة أصيلة وشرطًا ضروريًا من شروط رسالة جميع الرسل – عليهم السلام – .. فالرسول في هذا النطاق – نطاق التبليغ عن الله – {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى} وبلاغة ما هو بقول بشر، ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله، وبغير العصمة لا يتأتى له هذا المقام. أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لا وحى فيه، والتي هي ثمرة لإعماله لعقله وقدراته وملكاته البشرية، فلقد كانت – تصادف الصواب والأولى، كما كان يجوز عليها غير ذلك.. (الأعمال الكاملة للأمام محمد عبده) دراسة وتحقيق الدكتور محمد عمارة ج2 صفحة 415

يقول الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} الحج 75

يُفهم من قول الله تعالى، بأن الأنبياء هم صفوة البشر وأفضلهم ولا خلاف في ذلك، لكن هذا الاصطفاء والتفضيل القرآني للأنبياء، لا يعني ان التنزيل الحكيم قد نسب إليهم العصمة. بل نفاها عنهم بدليل ان القران قد نسب إليهم نواقص الصِفات (كالنسيان والسهو) والأعمال قبل وبعد بعثتهم. مُعرضون لما يتعرض له بقية البشر من السهو والنسيان والأخطاء والذنوب.. بدلالة قوله تعالى:

{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} الفتح 2

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} محمد 19

{قَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة 117

{عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} التوبة 43

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال67

{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} القصص87

{وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} يونس106

{عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى* فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} عبس 1 – 10

{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} الشعراء 82

{سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} الأعلى 6

{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} هود 46

{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} القصص 16

{قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} الكهف 73

{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} القصص 15

{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} ص 24

لقد جاءت هذه الآيات البينات لتقطع الشك باليقين حول المفهوم الخاطئ الذي تواتره المُسلمون في مسألة عصمة الأنبياء، وهذا المفهوم الخاطئ وللأسف من المفاهيم الثابتة عند السادة العُلماء.. رغم تعارضه مع نصوص الكتاب الذي أُنزل على قلب رسول الله (ص) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. بعد هذا كله ننطلق في تساؤلنا المشروع: كيف لنا أن نوفق بين أقوال الأئمة الذين ضلوا وأضلوا، وبين هذه الأيات الواضحات؟

العصمة في معاجم اللغة

مقاييس اللغة: (عصم) العين والصاد والميم أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على إمساكٍ ومنْع وملازمة

والمعنى في ذلك كلِّه معنىً واحد. من ذلك العِصْمة: أن يعصم اللهُ تعالى عَبْدَه من سوءٍ يقع فيه

واعتصم العبدُ بالله تعالى، إذا امتنع. واستَعْصَم: التجأ

العصمة في اللغة معناها: المنع، يقال عصمته عن الطعام أي منعته عن تناوله، وعصمته عن الكذب أي منعته عنه. وتقول العربُ: أعْصَمتُ فلاناً، أي هيّأتُ له شيئاً يعتصم بما نالته يدُه أي يلتجئ ويتمسَّك به. ومنه قوله تعالى:

{قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} هود43 وقوله أيضاً:

{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} غافر33

للوقوف أمام مفهوم عصمة رسول الله (ص) في كتاب الله تعالى، نقف خاشعين أمام قول الحق سُبحانه:

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة 67

إن النظر في هذه الآية الكريمة بُبين لنا بشكل لا يقبل التأويل، بأن الله سُبحانه وتعالى قد عصم رسوله الكريم (ص) من تأثير الناس عليه، وحمايته من شرور الكُفار وكيد الفُجار حصراً، ولم يعصمه من الأخطاء، أو السهو والنسيان، ناهيك عن الذنوب، لقوله سُبحانه:

{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرا} الإسراء 73 – 75 وقوله سُبحانه:

{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} النساء 113

إن أهم وأبرز ما يستوقف المُتأمل في الآيتين السابقتين: أنه كيف يكون لرسول إنسان بشر، مُعرض لمِثْلَي عذاب الحياة في الدنيا ومثْلَي عذاب الممات في الآخرة، أن يُشرع مع الله وينسخ آياته، ويُحرم ما أحلّ الله ويقضي على أحكامه؟ والله سُبحانه وتعالى يُخبرنا بشكل لا يقبل التأويل، أنه فضل على رسوله (ص) فضلاً عظيماً، وعصمه برحمته من طائفة همت بإضلاله، وأنزل عليه الكتاب الذي فيه تبيان كل شيء، وعلمه من الحكمة ما لم يكن يعلم؟ فقوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} (ولولا أن ثبَّتناك) على الحق، لِعِصمتنا إِياك لقد كدتَ تركَن إِليهم، أي هممتَ وقاربتَ أن تَميل إِلى مرادهم شيئاً قليلاً. إن المُدقق المُتجرد في هاتين الأيتين، يُدرك بأن العصمة الآلهية إقتصرت على تأثير الناس على رسول الله – صوات الله وملآئكته عليه. لقد صدق الله تعالى وعده، فبلغّ الرسول (ص) الرسالة وأدى الأمانة. (في مُناسبة نزول هذه الأيات أربعة أقوال)(6)

لن يجد القارئ الفطن المُتدبر لكتاب الله تعالى، المُتسلح بعلوم ومعارف هذا العصر، والمُتحرر من عبودية السلف وكتب التُراث، صعوبة في إستشفاف المعنى الحقيقي لمفهوم مُصطلح لفظ (السُنة) الذي ورد في الآيات السابقة، والذي يقتصر على مفهومين اثنين لا ثالث لهما:

أولاً: (سُنن) قوانين الله تعالى التي لا تتحول ولا تتبدل، بدلالة قوله سُبحانه: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} فاطر 43

ثانياً: المنهج أو الدأب أو الطريقة (الفعلية والعملية) الذي يسير عليه الناس في تطبيق هذه القوانين الثابتة، وهو الطريق الموصل إلى غاية معنوية كانت أو محسوسة، وما عداه من تعريفات بشرية فليس عندنا بشيء، لأن لفظ (سُنة الرسول) لم يرد في التنزيل الحكيم أصلاً، وإنما ورد فيه (سُنة الله) فقط، كما بينت (أظهرت) الآيات الكريمة التي إستشهدنا بها، وقد يطرح أحدهم سؤلاً مشروعاً: إذا كانت السُنة هي القانون والمنهج العملي، فهل سن القوانين حصري لله تعالى؟ ألا يحق للرسول (ص) بصفة خاصة، والناس بصفة عامة، في سن القوانين لتنظيم شؤونهم؟ قبل الإجابة على هذا السؤال الهام، يتوجب علنيا أن نُميز بين مفهومين مُتداخلين وشائعين، المفهوم الأول مُصطلح الرسول والثاني مُصطلح النبي – صلى الله عليه وسلم

مهمة الرسول – صلوات الله وملآئكته عليه

لا يختلف إثنان عاقلان من المسلمين بأن التنزيل الحكيم يخلو من الحشو واللغو والعبثية، والمُتدبر لكتاب الله تعالى، يرى وبوضوح دقة تراكبيه ومعانيه، فلكل حرف في التنزيل الحكيم وظيفة ولكل كلمة مُهمة، فما هي مهمة الرسول (ص) المُحددة في ضوء التنزيل الحكيم؟ القول الفصل نجده في هذه الآيات الواضحات:

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} التغابن 12

{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} آل عمران 20

{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} المائدة 92

{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} الرعد 40

{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} النحل 35

{تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} النحل 82

{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} النور54

{وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} العنكبوت 18

{مَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} يس17

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ} الشورى 48

بعد تدبر هذه الآيات الواضحات، نخلص إلى القول بأن كل ما فعله النبي (ص) بعيداً عن الرسالة ليس تكليفاً شرعياً، وأن مهمة الرسول (ص) الوحيدة تقتصر على تبليغ الرسالة الموحاة إليه كاملة بأوامرها ونواهيها، لقوله تعالى:

{أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة 67

لقد جاءت طاعة الرسول (ص) المُكلف بتبليغ الرسالة للناس بأوامرها ونواهيها مُقترنة بالرسالة الموحاة إليه، لقوله سُبحانه: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} آل عمران132 وقوله سُبحانه:

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المجادلة 13

وقد عزز سبحانه وتعالى هذه الطاعة بربطِها مباشرة بطاعته بدلالة قوله سُبحانه: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} النساء 80

لقد إستعراضنا هذه الآيات الواضحة والمُحددة لنصل بعدها إلى القول: بأنه من حق الناس والنبي (ص) بصفته نبياً وإماماً وقائداّ ومؤسساً لهذه الامة (ص) في سن القوانين التي لا تتصادم مع سُنن قوانين الله، لأن سُنة (قوانين) الله تعالى هي المُهيمنة على سُنن البشر في كل الأحوال. نُشير وبعجاله إلى حقيقة هي في غاية الأهمية، ويجب أن لا تغيب عن ذهن المُتدبر لكتاب الله تعالى: وهي أن سُنن (قوانين) العليم القدير، ثابتة أزلية، بمعنى أنها لا تتأثر بالزمان ولا بالمكان، ولا يُمكن لها أن تتصادم مع الحقائق الكونية، ولا تتبدل ولا تتحول لقوله سُبحانه وتعالى: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} فاطر 43 بعكس سُنن النبي (ص) الصحيحة (الفعلية والعملية والمُتواترة) فهي ليست ثابته، ولكنها ظرفية زماناً ومكانا، متحركة تُراعي احتياجات الناس ومُتطالباتهم اليومية، (وهي ليست وحياً)

إن المعيار الوحيد للأخذ بهذه السُنن، هو إنطباقها على التنزيل الحكيم والواقع المُعاش، فإن تعارضت تركناها.(9)

يقول الله تعالى أيضاً: {َإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} 10 – 11 الجمعة

الآية الكريمة تُشير بوضوح لا لُبس فيه، بأن النبي (ص) كان يخطب خطبة الجمعة بعد إنقضاء الصلاة وليس قبلها. هذه (الخًطبة) السُنة الفعلية المُتواترة المُتحركة للنبي (ص) راعت إحتياجات المُصلين آنذاك، وإستمرت طيلة فترة الخلافة الراشدة، إلى أن أنهاها المُنتصرون من أهل السُنة والجماعة بشكل مُرعب!؟ وهنا يحضُرنا حديث منسوب للنبي (إن صّحَ عنه} (ص) وحديثه (ص) كما هو معلومٌ عند أصحاب الفهم المغلوط للسُنة النبوية، سُنة واجبة الإتباع سواء إتفقت مع نصوص التنزيل الحكيم أم لم تتفق.. بعد أن رسخَوا قاعدة فقهية دخيلة إبتدعها الإمام الشافعي، وفرضوها على المُسلمين فرضاً، تارة بصفتِهم ورثة الأنبياء، وتارة أخرى بصفتهم أهل الذكر.. وهي أن السُنة ناسخة للقرآن!! بينما هو ليس كذلك قطعاً.

صحيح مُسلم، الحديث رقم 2082: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ – قَالَ – ثُمَّ خَطَبَ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ وَبِلاَلٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِى الْخَاتَمَ وَالْخُرْصَ وَالشَّىْءَ

والسؤال الذي نتمنى أن يُجيب عليه السادة العُلماء الذين ضلَوا وأضلَوا هو: لماذا لا يُطبق عُلمائنا الأفاضل اليوم السُنة النبوية الصحيحة بدلاً من السُنة المروانية؟؟(7) الذي وقف على المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السُنة، أخرجت المنبر يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت الخطبة قبل الصلاة. فقال أبو سعيد من هذا؟ قالوا فلان بن فلان فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله (ص) من رأى مُنكراً أن إستطاع أن يُغيره فليُغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.(8) أهـ

من هنا، فنحن نقول على أن طاعة الرسول (ص) للرسالة الموحاة إليه بفروعها الثلاث، الشعائر وآيات الصِراط المُستقيم (القيم والمُثل العليا – سورة الأنعام 150 – 152) وآيات الأحكام والتشريع هي طاعة واجبة في حياته وبعد ومماته، ونقول ايضاً، أن الطاعة للرسول (ص) جاءت من مقام الرسالة المُكلف بتبليغها للناس كافة، والتي تحتمل الطاعة والمعصية، ولم تأتي للنبي (ص) من مقام النبوة وعلومها التي تحتمل التصديق والتكذيب. تجدر الإشارة هنا إلى أن الأوامر والتنبيهات التي جاءت إلى النبي (ص) مُخاطبة إياه بعبارة “يا أيها النبي” إحتوت على تعليمات وإرشادات أو حالات خاصة بالنبي (ص) حصراً، ليس لها عُلاقة بالحلال والحرام، ولا يوجد في التنزيل الحكيم آية قرآنية واحدة تقول: وأطيعوا النبي.(9)

تقييد الحلال المُطلق

إن الأصل في الأشياء الحِلية والحرام هو الأستثناء، والحلال لا يمكن ممُارسته في أي مجتمع إلا مُقيدا، وإن أهم سِمة من سمات تقييد الحلال أنه لا يحتاج إلى وحيّ. فتقييد الحلال في زمن النبي (ص) حيناً، وإطلاقه حيناً آخر، معناه أن النبي (ص) سنّ قوانين إضافية حملت الطابع الظرفي والمكاني وحاكت إحتِياجات المُجتمع في عصره أوجبت طاعته في حياته فقط، ولهذا السبب بالذات أمر النبي بعدم تدوين أحاديثه، وهو ما رواه أحمد في مُسنده، ومُسلم في صحيحه، وإبن عبد البر في كتاب العلم، وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً (إن صحَّ) “لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن فمن كتب غير القرآن فليمحه”.(9) ونضرب مِثالاً على قرار إجتهادي أتخذه النبي (ص) في تقيد الحلال المُطلق، ثم أطلقه من قيوده مرة ثانية فيما بعد، وهذا المِثال هو زيارة القبور:

من الطقوس التي مارستها النساء قبل الإسلام، وفي كل مرة كن يزرن فيها القبور، تمزيق جيوبهن وثيابهن للتعبير عن حزنهم حين يموت لهن ميت، إلى أن إجتهد وسنّ النبي (ص} (قانوناً مدنياً) نهى فيه النساء من زيارة القبور وشق الجيوب، عِلماً بأن زيارة القبور أو عدم زيارتها حلال، لكن النبي (ص} (إن صحّ عنه) قيد هذا الحلال للحد من عادات جاهلية مُتأصلة عند العرب قبل الإسلام، ولكنه عاد فسمح بزيارة القبور بعد أن ترسخت المفاهيم الإسلامية في قلوب الناس. فكان ما فعله النبي (ص} (سُنة) قانوناً مدنياً ظرفياً، قيد فيه حلالاً مًطلقاً، إنتهى بإنتهاء الأسباب التي أوجبته وليس تحريماً، ولكن المُشكلة الكُبرى جاءت من فهم رجال الدين.. وعدم مقدرتهم التفريق بين الحرام وتقييد الحلال المُطلق، حيث إعتبروا تقييد الحلال تحريماً لحلال، وتحليلاً لحرام.(9) اهـ

نقف خاشعين أمام قول الحق سُبحانه وتعالى: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا..

ليسمح لي القارئ الكريم بأن أجيب سلفًا على سؤال يتردد كثيراً.. ماذا تقولون في قول المولى سبحانه وتعالى: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا؟ نجيب بتسائل.. لماذا يتعمد السادة علماء الدين.. بإقتطاع هذه ألآية ألكريمة في كل مرة من سياقها؟ ومن قال إنني أدعوا الى عدم إطاعة رسول الله (ص) أصلا؟؟ فطاعة الرسول الكريم (ص) في هذه الآية مقرونة بطاعة الله تعالى وليست بمعزل عن طاعته، ولنتمكن من الاجابة هذا السؤال علينا أن نقرأ قول الحق سبحانه وبدون إقتطاع ألآية الكريمة. يقول الله تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر 7

ألآية الكريمة تتحدث عن مصارف أموال الفيئ (ألغنائم) ووجوهه، وتتحدث عن نصيب الرسول (ص) منها وذي القربى واليتامى والمساكين ومستحقيها من المسلمين، وحث المسلمين على طاعة الله تعالى في أوجه صرف الفيئ، وطاعة رسول الله (ص) في هذه الأية تحديداً، هي طاعة خاصة بها لا تشمل العمومية، ولا يجوز سحبها على كل ما ورد في كتب الأحاديث.. ولكننا في نفس الوقت لا نُنكر أن طاعة الرسول (ص) في أمور كالشعائر واجبة ومُلزمة كطاعة الله تعالى تماما، لأنها وكما أشرنا قبل قليل، مُقترنة بها كما في قوله سُبحانه وتعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} الأنفال1

فقوله سُبحانه: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا..} فالإشارة هنا واضحة إلى أن للنبي (ص) أن يأمر وينهى، ولكن ليس له أن يُحل الحرام، أو أن يُحرم الحلال. فالحلال والحرام أبدي وشمولي وتوقيفي من الله حصراً، لا شريك له فيه، حيث أنه من بديهيات المنطق، الإقرار بأن المُحرمات لها خواص لا يُدركها إلا العليم البصير، كامل المعرفة في الغيب والشهادة، التي لا يحدها الزمان ولا المكان. هذه المعرفة لا يملكها رسول من عند الله، أو فقيه، ولا إجماع أو مجلس نيابي. وألأمر والنهي أمرٌ يشترك فيه الله تعالى والناس. أهـ(9)

الآن وقد (إقتحمنا العقبة) وأمطنا اللثام عن المفهوم الصحيح للسُنة النبوية، وشرحنا ذلك بالأمثلة والشواهد وإستشهدنا بآيات التنزيل الحكيم. نُقرر جازمين بأن السُنة النبوية ليست الحكمة المُشار إليه في كتاب الله، وأن الرسول (ص) ليس معصوما من الأخطاء أو الذنوب، أو السهو والنسيان، بل هو معصومٌ حصراً من تأثير الناس عليه، كذلك بينَا أن الكتاب الذي أُنزل على قلب رسول الله (ص) كامل، والكامل لا يجتاج إلى زيادة أو نًقصان، وعليه: فإن الطرح الحالي للمفهوم الفقهي للسُنة النبوية لا عُلاقة له من قريب أو من بعيد مع سٌة النبي – صلوات الله وملآئكته عليه.

الطامة الكُبرى بأن الإمام الشافعي رحمة الله عليه، إبتدع في دين الله تعالى وأتى (بفرضية) الحكمة هي السُنة.. وأسس على هذا الإفتراض وبنى عليه أصولاً وأحكاماً في الفقه! والمُقلِدون المُتعصبون من عُلماء العصر وهم في حقيقة الأمر لا يعُدون عُلماء وإن عدوا عُرفاً.. لجهلِهم أو تجاهلهم الحقائق القرآنية بعدما إستبدلوها بالذي هو أدنى، بالأحاديث الظنية والمُمتلئة بالإسرائليات، والطم والرم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير كمصدر للدين والعلم.. حتى وقع السواد الأعظم من المسلمين في المحظور، وأوقع العُلماء الأفاضل انفسهم في الحرام وأراحوا عقولهم لهذه الفرضية، ووجدوا أنها أيسر من إجهاد الذهن في الإجتهاد في كتاب الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الحواشي ومراجع البحث

(1) دخل الإسلام مع ابيه أبا سُفيان زعيم المُشركين سابقاً، وأمه هند بنت عتبه في نهاية عهد الرسول (ص) بعد فتح مكة

(2) وقعة صفين هي المعركة التي وقعت بين جيش علي بن أبي طالب وجيش معاوية بن أبي سفيان في سنة 39 هجرية. طالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب معاوية بالبيعة، فيما طالب معاوية عليا ًبالقصاص أولاً من قتلة عثمان ثم تكون البيعة. وأصر علي على أن تكون البيعة أولاً. تقابل الجيشان هناك وقام بينهما قتال شديد كان يستمر يوميا من بعد صلاة الفجر إلى نصف الليل وقتل فيه ما بقارب 70 ألفا.

(3) فرقة إسلامية ظهرت في عهد الخليفة علي بن أبي طالب نتيجة الخلافات السياسية التي بدأت في عهد عٌثمان بن عفان

(4) نسبة إلى العام الذي أصبح فيه معاوية بن أبي سفيان خليفة للمُسلمين

(5) الشيخ محمود أبو رية – رحمه الله في كتابه (أضواء على السُنة المُحمدية) ص 6 – 7

(6) في مُناسبة نزول هذه الأيات أربعة أقوال

أولاً: أن وفداً من ثَقيف أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: متِّعنا باللات سَنة، وحرِّمْ وادينا كما حرَّمْتَ مكة، فأبى ذلك، فأقبلوا يُكثرون مسألتهم، وقالوا: إِنا نحب أن تعرِّف العرب فضلنا عليهم، فإن خشيتَ أن يقول العرب: أعطيتهم مالم تعطنا، فقل: الله أمرني بذلك؛ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنهم) وداخلهم الطمع، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس. وروى عطية عن ابن عباس أنهم قالوا: أجِّلنا سنة، ثم نُسلم ونكسر أصنامنا، فهمَّ أن يؤجِّلهم، فنزلت هذه الآية.

ثانياً: ” أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نكفُّ عنك إِلا بأن تُلِمَّ بآلهتنا، ولو بأطراف أصابعك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما علَيَّ لو فعلت والله يعلم إِني لَكاره»؟ ” فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير، وهذا باطل لا يجوز أن يُظَنَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ما ذكرنا عن عطية من أنه همَّ أن يُنْظِرهم سنة، وكل ذلك مُحال في حَقِّه وفي حق الصحابة أنهم رَوَواْ عنه

ثالثاً: أن قريشاً خَلَواْ برسول الله ليلةً إِلى الصباح يكلِّمونه ويفخِّمونه، ويقولون: أنت سيدنا وابن سيدنا، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله من ذلك، ونزلت هذه الآية، قاله قتادة.

رابعاً: أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اطرد عنك سُقَاط الناس، ومواليهم، وهؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن، وذلك أنهم كانوا يلبَسون الصوف، حتى نجالسَك ونسمعَ منك، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ما يستدعي به إِسلامهم، فنزلت هذه الآيات، حكاه الزجاج؛ قال: ومعنى الكلام: كادوا يفتنونك، ودخلت «إِن» واللام للتوكيد. قال المفسرون: وإِنما قال: «لَيفتنونك»، لأن في إِعطائهم ما سألوا مخالفةً لحكم القرآن. فقوله تعالى: {لتفتريَ} أي: لتختلقَ {علينا غيرَه} وهو قولهم: قل الله أمرني بذلك، {وإِذاً} لو فعلت ذلك {اتخذوك خليلاً} أي: والَوْكَ وصافَوْكَ . تفسير زاد الميسر / إبن الجوزي

(7) مروان بن الحكم بن أمية

(8) حديث رواه مُسلم في صحيحه وإبن داود وإبن ماجة في سِننهما والإمام أحمد في مسنده، واللفظ لإبن داود عن أبي سعيد الخدري

(9) نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي. الدكتور محمد شحرور

(2) تعليقات
  1.  شكرا على هذا البحث  . اعتقد اننا بحاجه الى النظر من جديد الى كل ما يصلنا من احاديث الرسول و كل القصص المرويه عنه و لكنى ارى تحاملا على الشافعى بالذات لماذا هو ؟و ماذا عن بقيه المذهب مثل ابن حنبل و مالك و ابى حنيفه؟

  2. شكرا جزيلا ايها الاخ فما تفضلت بقوله جدير بالاهتمام و لكن القوم في سبات عميق لا يتدبرون القران و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

اترك تعليقاً