وجهة نظر حول القراءات المعاصرة – المصطفى الجيدي

وجهة نظر حول القراءات المعاصرة – المصطفى الجيدي

جميع الآراء الواردة في هذا الموضوع تعبر عن رأي كاتبها، وليس بالضرورة أن تكون متوافقة مع آراء الدكتور محمد شحرور وأفكاره

من خلال المقال الذي سطره الأخ جمرادي في قراءته لتحليل السيد طه عبد الرحمان للقراءات المعاصرة للقران الكريم لفت انتباهي أن كل قراءة لها خصائصها ومنهجها فمحمد أركون ونصر حامد أبو زيد ليس هو محمد شحرور أو جمال البنا.

من هذا المنطلق وعلى ضوء هذا التمييز سأحاول في هذه الورقة تقديم بعض الملامح لقراءة الدكتور محمد شحرور – التي عدها السيد طه عبد الرحمان من القراءات الإسلامية العلمية – وذلك من خلال الكتب الأربعة الصادرة له حتى الآن وهي (الكتاب والقران قراءة معاصرة)، (الدولة والمجتمع)،(الإسلام والإيمان: منظومة القيم)، (نحو أصول جديدة في الفقه الإسلامي: فقه المرأة). بعيدا عن الانسنة والعقلنة والارخنة التي طرحها الدكتور طه عبد الرحمان.

I – منهج شحرور في قراءته المعاصرة

أهم ما يميز منهج السيد شحرور هو اعتماده على مبدأ عدم الترادف في التنزيل الحكيم. فالقرآن ليس هو الفرقان والرسول لا يعني النبي والإنزال ليس هو التنزيل والعباد ليسوا هم العبيد والشاهد غير الشهيد والإسلام ليس هو الإيمان وكلام الله ليس كلمات الله والروح غير النفس الخ.

خلاصة، يعتبر الرجل أن التنزيل الحكيم ليس فيه أي حشو أو زيادة وكل مفهوم أو مصطلح له دلالته ومعناه داخل المصحف الشريف.

إنه يستبعد الانسنة للمصحف الشريف. حيث ينطلق من الآية الكريمة في سورة آل عمران {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} الآية 7. وعليه يرى أن الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم يحتوي على آيات محكمات هي أم الكتاب تعبر عن رسالته وآيات متشابهات هي القرآن الكريم والسبع المثاني وهي تعبر عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وآيات لا محكمات ولا متشابهات هي عبارة عن تفصيل للكتاب.

– فالكتاب هو مجموع المواضيع التي جاءت إلى محمد صلى الله عليه وسلم وحيا. وهو مجموع الآيات الموجودة بين دفتي المصحف من أول سورة الفاتحة إلى سورة الناس وفيه النبوة والرسالة وهو الرسالة فقط بالنسبة لموسى وعيسى: الكتاب = الرسالة + النبوة.

– أم الكتاب هي مجموع الآيات التي تشكل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وفيها العبادات والحدود والتعليمات والفرقان “الصراط المستقيم والحكمة” وهي الكتاب المحكم {منه آيات محكمات هن أم الكتاب} وهي التي أوحيت من الله مباشرة وليس لها وجود مسبق قبل الإنزال والتنزيل ولا يوجد فيه جعل.

– القرآن “الحديث” وهي مجموع القوانين المخزنة في اللوح المحفوظ والإمام المبين وهي القوانين العامة الناظمة للوجود المتحكمة فيه من بداية الخلق إلى نهاية الثواب والعقاب في الجنة والنار (اللوح المحفوظ) والقوانين الجزئية لتصرف ظواهر الطبيعة وأحداث الإنسان بعد وقوعها (إمام مبين) وهي التي لها وجود مسبق قبل إنزالها وتنزيلها وهي التي جعلت عربية والتشابه فيها حركة المحتوى مع ثبات النص ويفهم فهما نسبيا حيث الأرضية المعرفية للعصر. [الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 31]

بمعنى أن الكتاب المنزل على محمد صلى الله عيه وسلم فيه كتابين:

الأول: كتاب النبوة ويشتمل على بيان حقيقة الوجود الموضوعي، ويفرق بين الحق والباطل أي الحقيقة والوهم. {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} البقرة 158، (لاحظ الفرق بين القرآن والفرقان في هذه الآية). والنبوة من “نبأ” هي مجموعة المواضيع التي تحتوي على المعلومات الكونية والتاريخية (الحق والباطل). وهي للناس كافة وللعالمين من أجل الهداية عوض الضلال.

الثاني: كتاب الرسالة ويشتمل على قواعد السلوك الإنساني الواعي، ويفرق بين الحلال والحرام {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين} البقرة الآية 2. وهو خاص بالمؤمنين برسالة محمد صلى الله غليه وسلم وهو الذي يحوي العبادات والأخلاق والحدود والتعاليم.

أما الفرقان فهو القاسم المشترك بين الرسالات جميعها حيث تراكمت وختمت في الرسالة الأخيرة وهي الصراط المستقيم والتي من أبرزها الوصايا العشر. ولقد انطلق من الآيات التالية:

{وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون} (البقرة 53).

{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان .. الآية} (البقرة 185).

{وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان} (آل عمران 3 – 4).

{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين} (الأنبياء 48).

{تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} (الفرقان 1).

{وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} (الأنفال 41).

وهذا الفرقان قال عنه في سورة آل عمران: إن الفرقان والتوراة والإنجيل أنزلت قبل أن يأتي الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الفرقان الذي أنزل على موسى هو نفسه الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان} (البقرة 185) وبما أن الفرقان جاء معطوفاً على القرآن يستنتج أن الفرقان غير القرآن، وهو جزء من أم الكتاب “الرسالة” وأنزل ونزل في رمضان. وهذا الجزء أول ما أنزل إلى موسى عليه السلام. فما هو الفرقان الذي جاء إلى موسى على حدة مفروقاً عن الكتاب؟

لو تأملنا الآيات (151 – 152 – 153) من سورة الأنعام وهي:

{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم

1 – ألا تشركوا به شيئاً.

2 – وبالوالدين إحساناً.

3 – ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم.

4 – ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

5 – ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق.

ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} (الأنعام 151).

6 – {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده.

7 – وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها.

8 – وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى.

9 – ويعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} (الأنعام 152).

10 – {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام 153.)

[الكتاب والقران قراءة معاصرة ص 60]

II – قول في الإسلام والإيمان

يرى السيد شحرور أن الدين الذي ارتضاه الله سبحانه للناس بدءا من نوح عليه السلام وانتهاء بمحمد صلى الله عليه وسلم هو الإسلام {إن الدين عند الله الإسلام}، آل عمران 19. {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} آل عمران: 85،. وأن تعاليم الإسلام فطرية وأنها ليست كتكاليف الإيمان. وأن أركان الإسلام هي ثلاثة: ”الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح” {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة 62. {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} فصلت 33. وأن ما نقول عنه – كما جاء في الأحاديث– أركان الإسلام هي أركان الإيمان وهي تكاليف ضد الفطرة كالصيام والصلاة. وأن نقيض المسلم هو المجرم. والمجرمون هم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر:

{أفنجعل المسلمين كالمجرمين * مالكم كيف تحكمون} القلم 35، 36.

{وامتازوا اليوم أيها المجرمون} يس 59.

{ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون} الروم 12.

{يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام * فبأي آلاء ربكما تكذبان * هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون} الرحمن 41، 42، 43.

{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} النمل 69.

{كذلك نفعل بالمجرمين * ويل يؤمئذ للمكذبين} المرسلات 18، 19.

والمجرم بلغة العصر هو الملحد. {.. ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون} القصص78.

فهو يرى أن الشرط الأول لدخول الإسلام هو الإيمان والتسليم بوحدانية الله. يتبعه الإيمان باليوم الآخر أي البعث والجنة والنار يليه العمل الصالح الذي يحدده كحد أدني بين جميع الرسالات في الوصايا العشر {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} الأنعام 151، 152، 153. وهي كلها تتماشى مع الفطرة الإنسانية لهذا قال عنها الله سبحانه أن يتق الله فيها حق تقاته {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران 102.

وأما تكاليف الإيمان من صلاة وصوم وحج وقتال وغيرها فهي ضد الفطرة وتتطلب جهد لهذا قال عنها الله سبحانه {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم} التغابن 16.

ولدخول الإيمان أول شرط فيه هو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه كما جاء في الآية 2 من سورة محمد: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد} ونقيضه هو الكفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

والجمع بين تعاليم الإسلام وتكاليف الإيمان هو الإحسان ومن تم يعتبر المؤمن حنيفا مسلما {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلما} آل عمران 67.

لهذا طرح شحرور الملاحظة التالية على الفقه الذي يأخذ أركان الإسلام من حديث بني الإسلام على خمس فقط: “بل ترك جملة من أركان الإيمان الأخرى وردت في أحاديث أخرى، نسوق أمثلة منها:

– الإيمان بضع وستون شعبة. (رقم 9 البخاري).

– حب الرسول من الإيمان. (رقم 14 البخاري).

– الحياء من الإيمان. (رقم 24 البخاري).

– الإيمان هو العمل. وأفضل العمل: إيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وحج مبرور. (رقم 26 البخاري) وانظر (رقم 36 البخاري).

– صوم رمضان من الإيمان. (رقم 38 البخاري).

– قيام رمضان من الإيمان. (رقم 37 البخاري).

– الصلاة من الإيمان. (رقم 40 البخاري).

– إتباع الجنائز من الإيمان. (رقم 47 البخاري).

– أداء الخمس من الإيمان. (رقم 73 البخاري)

[الإسلام والإيمان: منظومة القيم ص31]

إذا هناك دين سماوي واحد ورسالات وملل متعددة {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب} الشورى 13

فبشكل موجز أن ملة محمد صلى الله عليه وسلم هي ملة إبراهيم عليه السلام = الإسلام (المشترك بين الأنبياء والرسل) + الإيمان (التكاليف الخاصة بكل رسول من عبادات وتشريعات وحدود). فالإسلام عالمي تاريخيا وجغرافيا وهو للناس كافة وللعالمين وهو لكل أصحاب الرسالات السماوية، والإيمان خاص بأصحاب الرسالة الأخيرة أي أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.

تجدر الإشارة أن شحرور لا يقول بالناسخ والمنسوخ داخل الرسالة الواحدة بل إن هناك النسخ بين الرسالات كما يرفض أن يكون الحديث الشريف ناسخا للتنزيل الحكيم. على ضوء ذلك ننتقل إلى نظرته للسنة النبوية.

III – السنة ليست هي الحديث الشريف

إنه يقسم السنة إلى سنة نبوية وسنة رسولية. والسنة الرسولية منها السنة المتصلة ومنها السنة المنفصلة. ويرفض تعريف الشافعي في أن السنة هي كل قول وفعل وإقرار للرسول صلى الله عليه وسلم بل هذا التعريف للحديث الشريف وليس كل حديث سنة لأن السنة ممارسة للرسول صلى الله عليه وسلم.

فبما أنه يعتبر النبوة علم وتعاليم “أن النبوة تحتمل التصديق والتكذيب، فهي من حقل (يكون أو لا يكون) أما الرسالة فتحتمل الطاعة والمعصية باعتبارها من حقل (أقبل أو لا أقبل). ومن هنا نجد أن النبي حين يبلّغ للناس مثلاً {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} الحج 1، أو يبلّغ مثلاً {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} يكون جواب السامع إما “صدقت” أو “كذبت”. أما حين يبلغ الرسول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فلا محل هنا للتصديق والتكذيب، وعلى السامع إما أن يقبل ويطيع، أو أن لا يقبل ويعصي” [نحو أصول جديدة في الفقه الإسلامي – فقه المرأة ص59].

أي إن السنة النبوية هي تصديق لنبوته صلى الله عليه وسلم من خلال ما جاء في التنزيل الحكيم من آيات العقيدة فبالإضافة إلى سنة النبوة في جانبها التنظيمي والسياسي والعسكري والقضائي للنبي صلى الله عليه وسلم التي هي للاستئناس. لأنها خاضعة لزمانها ومكانها أي””(( تقييد المطلق وإطلاق المقيد في حقل الحلال، وأن هذا التقييد والإطلاق يمثل الوجه التنظيمي لحركة النمو والتطور في المجتمع، ضمن إطار عام يحدد حقل الحرام وحقل الحلال. فهمنا الدور النبوي للنبي العربي (ص)، وفهمنا أن لسنته جملة خصائص، هي أنها:

1 ـ قرارات نابعة من الظرف الموضوعي المعاش في المجتمع العربي في العصر النبوي.

2 ـ اجتهاد في تقييد الحلال لا يحتاج إلى وحي.

3 ـ اجتهاد تقييدي للحلال المطلق، يمكن إعادة إطلاقه مرة أخرى مع تغير الظروف الموضوعية.

4 ـ اجتهاد في حقل الحلال يخضع للخطأ والصواب، من حيث أنه ليس وحياً، ومن حيث أن الخطأ فيه قابل للتصحيح.

5 ـ قرارات الاجتهاد في حقل الحلال، بغض النظر عن مصدرها نبوياً كان أو غير نبوي، لا تعتبر شرعاً إسلامياً، وإنما هي قانون مدني يخضع للظروف الاجتماعية، أي أن النبي (ص) في حياته مارس القانون المدني لتنظيم المجتمع في حقل الحلال، ومارسه في بناء الدولة العربية والمجتمع العربي في القرن السابع. لذا فلا يأخذ الطابع الأبدي أبداً حتى وإن صح مائة بالمائة وتواتر مائة بالمائة.))) [نحو أصول جديدة في الفقه الإسلامي: فقه المرأة ص 151]

أما سنة الرسالة فهي فيها الطاعة واجبة أو المعصية وذلك إتباعا للآية {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. إلا انه يميز بين سنة الرسالة المتصلة التي تشرح ما جاء في كتاب الله من شعائر وحدود وآيات الأحكام بشكل عام انطلاقا من الآية {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} (آل عمران 132). وقوله: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيق}.

”” فشعائر الإيمان فقد تعلمناها من الرسول فعلياً لا قولياً، كما في قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} النور 56. فقد ذكر سبحانه طاعة الرسول بعد ذكر الصلاة والزكاة، وهذا يستلزم بالضرورة طاعة الرسول في الصلاة والزكاة حصراً ولا يعني الطاعة المطلقة في كل شيء”””.[ نحو أصول جديدة في الفقه الإسلامي – فقه المرأة ص151]

الطاعة المتصلة هي التي جاءت فيها طاعة الرسول مندمجة مع طاعة الله لهذا فهي تصبح طاعة الرسول مع طاعة الله في حياته وبعد مماته.

أما سنة الرسالة المنفصلة فقد حددها من خلال الآية الكريمة: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (النساء 59). وقوله: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} (المائدة 92).”” هذه الطاعة جاءت طاعة للرسول في حياته لا بعد مماته أي في الأمور اليومية والأحكام المرحلية. وفي الأوامر والقرارات التي مارسها كرئيس دولة وكقاض وكقائد عسكري، وفي أمور الأحكام المعاشية والطعام والشراب واللباس حيث اتبع الأعراف العربية وكان يتحرك ضمن حدود الله دون أن يخرج عنها وفي الحالات القصوى للعقوبات يقف عليها.””.)) [الكتاب والقران قراءة معاصرة ص 549]

خلاصة، يعتبا الرجل أن سنة النبوة التي تتعلق بالغيبيات وتستلزم التصديق لا علاقة لها بالأسوة الحسنة وأن الذي يعلم الغيب هو الله سبحانه وتعالى وان الأصول التي أسسها الشافعي ضمن أرضية معرفية واجتماعية معينة قد تطورت. وان الأحاديث جمعت متأثرة بظروف سياسية لابد من أخذها بعين الاعتبار للفحص والتدقيق في متنها لان المحدثين اهتموا بالسند وأهملوا الدلالة. وان القول بان الحديث ينسخ آيات الأحكام في التنزيل الحكيم هو قول غير صحيح مثل “لا وصية لوارث” حيث أن الوصية هي الأصل وفي غيابها تأتي آيات الإرث {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} البقرة 180.

IV – رسالة حدودية وليست حدية عينية

يقف الدكتور شحرور عند آيات الأحكام والتشريعات فيطرح سؤال مهم وهو إذا كانت الآيات البينات في القران الكريم التي تؤكد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والتي تتكلم عن الكون والإنسان والسماوات والجنة والنار والموت والحياة تثبت عالميتها من خلال ثبات اللفظ وتجدد المعنى حسب التطور المعرفي والأدوات المعرفية للإنسان والتي تأكد فيها الإعجاز العلمي فما هي ميزة آيات الإحكام في أم الكتاب؟

هنا يطرح انه إذا كانت الرسالات السابقة فيها العقوبات والتشريعات عينية وحدية فان الرسالة الأخيرة بما إنها عالمية وللناس كافة فهي حدودية. وأنها تتميز بخاصيتين مهمتين:

– الاستقامة والثبات في العبادات والأخلاق والحدود.

– والحنفية المتغيرة في التشريعات ضمن حدود الله حسب الأعراف والعادات والمعروف والمنكر.

“فإذا نظرنا إلى التشريع الإسلامي وجدناه يحمل هذه الخاصية أي خاصيتي الانحناء والاستقامة معا فهذا يعني أنه صالح لكل زمان ومكان أي قابل للحركة في حدود النهايات وهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا كان التشريع الإسلامي والسلوك الإسلامي مبنيين على مبدأ النهايات أي الحدود المستقيمة والتي يمكن للحركة الحنيفية أن تتحقق ضمنها وقد أعطانا الله في أم الكتاب الحدود فقط أي المستقيمات التي يمكن أن نكون حنفاء ضمنها وسماها حدود الله وهي مع الفرقان تشكل الصراط المستقيم ونحن نحنف ضمن هذه الحدود المستقيمة” [الكتاب والقران قراءة معاصرة ص 445]

“” نلاحظ أن هناك نوعين من الحدود كالصوم {حدود الله فلا تقربوها}، وكالإرث والطلاق {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} وفي الطلاق {تلك حدود الله فلا تعتدوها}. فما الفرق بين {لا تقربوها} و {لا تعتدوها}؟

لتوضيح ذلك نضرب المثال التالي: إذا كان لدينا حقل له حدود (سور) وهذا السور مكهرب، نضع لافتة تقول (لا تقترب السياج مكهرب) أي أنه يجب أن لا يمس السياج وأن يبقى مسافة أمان بينه وبين السياج. أما إذا كان السياج عادياً، فنضع إشارة تقول (لا تتعدَّ السياج) أي يحق للمار أن يمس السياج ولكن لا يحق له تعديه إلى الطرف الآخر.

فحدود الله التي قال عنها {لا تقربوها} مثل الصوم، علينا أن نبقي مسافة أمان بيننا وبين هذه الحدود، وهذا ما سماه أهل السنة بالإمساك قبل الفجر بدقائق، وعند الشيعة بالإفطار بعد المغرب بدقائق. أي أن كل واحد منهما لم يقترب من حدود الله عن أحد أطرافها. وكذلك الزنا من حدود الله التي قال: {لا تقربوها} {ولا تقربوا الزنا} وكذلك مال اليتيم {ولا تقربوا مال اليتيم}.

أما حدود الله الذي قال لا تعتدوها فيمكن الوقوف عليها أو مسها ولكن لا يمكن تجاوزها مثل الإرث.

لذا يجب علينا أن نبين آيات الأحكام ونبين الحقل الذي يمكن التحرك فيه بدون أن نتعدى حدود الله، أي أن التشريع الإسلامي الإنساني يقف عند حدود، ماسـّاً إياها أحياناً. وهذه الحدود تسمى حدود الله وهي الثوابت” [مقال لشحرور بمجلة روز اليوسف]

بمعنى أن هناك حد أعلى وحد أدنى أي بلغة القانون أقصى العقوبات مثلا في حد السرقة هي قطع اليد كحد أعلى ويمكن للفقه والقانون أن يجتهد دون هذه العقوبة حسب السرقة وظروفها وأعراف المجتمع والدول.

V – خاتمة

يمكن اعتبار هذه القراءة من القراءات الإسلامية العلمية الجديرة بالقراء ة بالرغم من تحفظنا على بعض تأويلاتها مثل مفهوم السيد الشحرور للسبع المثاني أو تأويله لسورة الفجر. ولكنه أضاف إضافات منهجية في التعامل مع النص كتاب وسنة ترغمنا على قراءتها بكل تمعن وتدقيق واخص بالذكر منهج عدم الترادف الذي أخذه عن الجرجاني وأبي علي الفارسي ونظرية الحدود في أم الكتاب.

(4) تعليقات
  1. اتفق مع الدكتور شحرور على معظم ما قاله ولكن  الايات هي ليست ماكتبت على الورق فقط و التي لا تتجاوز 4000 ايه و اقل  بل هي في خلق السماوات و الارض و في انفسنا هذه ايات الله من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر    …..   و الذي يكفر بايات الله يلق خسارا…و من الناحية العلمية هذا صحيح …فالجهاز الهضمي للانسان مثلا لا يتحمل الاطعمة و المشروبات عالية الحموضة او عالية القاعدية و ان شاء تجريبها فسيمرض لا محالة لانه كفر باية من ايات الله في خلق الانسان …اثبت علم الجينات الحديث و بما لايقبل الشك ان زواج الاقارب يؤدي الى اضعاف الجينات و ظهور امراض مستعصية غير قابلة للعلاج بعد عدة اجيال من زواج الاقارب…وانا اقول ان الجينات هي اية من ايات رب العالمين و علم الوراثة هو اكتشاف لاية و ليس اختراعا و الذي يصر على زواج الاقارب شاء ان يكفر بايات الله و خسارته هي نسله الضعيف و على نفس القياس ..البطنة و الدخان و الادمان …ان الله يسمح بمشيئته للناس بان يحيطوا بعلومه ولم يحدد  هويتهم وشاءت الاقدار ان نكون كالحمير التي تحمل اسفارا ولا تعلم ما بها و لا مجال لذكر الايات التي نكفر بها يوميا بعلم و بدون علم …
    انا لا اعتقد بوجود الناسخ و المنسوخ لا بالرسالة الواحدة و لا المتعددة و اميل للاعتقاد بانها the natural selection حيث ان الصفات الوراثية تتغير بما يلائم بيئتها

  2. انا ممتن لكاتب البحث جدا   انه يدل على انه قرا فكر الدكتور شحرور بعقل منور ومنفتح   انار الله قلبه وجعله ممن يناصرون هذا الفكر الجديد وادعوه الى مزيد من البحث  ومحاولة اعداد بحوث فيها رؤية خاصة به تنم عن رغبته برفد هذا الفكر بابحاث تؤيد صحته وتدعمه  اني اعتقد ان هناك تنامي في عدد المسلمين المؤمنين الذين يشرح الله صدرهم بهذه الافكار الجديدة  التي ان تنامت فانها تساهم في تحريك الفكر الاسلامي نحو الافضل وتساهم في نهضتنا من هذا الجمود والتخلف  واشد على يد الكاتب واشكره   ولي بحث منشور على الصفحة الحرة بعنوان قراءة سريعة في فكر الدكتور شحرور   ادعوه لقراءته مع تقديري

  3. لانزال فى البدايات ، وبرغم هذا الجهد الكبير وكل المتفاعلين معه فان الطريق طويل ويوم ان تتسع رقعة الباحثين الجادين بنفس منهج شحرور وغيره من الباحثين الاخرين بمناهج اخرى اقول يوم تتسع هذه الرقعة نكون قد اسسنا رؤية جديدة تعين على فهم جديد ومن ثم فقه معاصر . دمتم بخير واعانكم الله يارب

اترك تعليقاً